الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

في طرابلس: فقير يطعم فقيراً

مصطفى العويك
في طرابلس: فقير يطعم فقيراً
في طرابلس: فقير يطعم فقيراً
A+ A-

لم يكن المشهد عاديا على الاطلاق، كان سورياليا بكل تفاصيله، وحقيقة راسخة بأن من يشعر بالالم يكون قادرا على ان يدرك معناه في اجساد الاخرين، وان من يحتاج الى رغيف خبز يسد به جوعه ويسكت به صراخ اطفاله، يفقه عن قرب حاجة الاخرين اليه. ولانه يعيش التجربة تراه يسارع الى ممارسة فعل العطاء ولو بالقليل لانه بالامس القريب او في اللحظة عينها يعيش هو الاخر عذاب "القلة" هذا.


على بسطته البسيطة يضع ابو العبد الكعك الطرابلسي لبيعه في شارع عزمي الذي يعج بالحداثة الظاهرية ويحافظ على اصالة تجاره وساكنيه ورواده وقيمهم. منذ خمسة وعشرين عاما وابو العبد ملتزم زاويته، يحضّر الكعك على الفحم ويمنح الشاري لذة ما بعدها لذة.
توقفت عنده ليحضّر لي كعكة للسحور، فأتاه عامل التنظيفات وطلب منه كعكتين له ولرفيقه إذ يتعاونان على إزالة النفايات من الشارع. جهز الكعك لهما وناداهما، وأنا اراقب المشهد.
أخرج عامل التنظيفات من جيبه الفي ليرة لبنانية وهمّ باعطائهما لأبي العبد ثمنا للكعكتين، فما كان من البائع إلا أن صرخ في وجهه قائلا: "عيب عليك ضبّن بجيبتك، لولاكن طمرتنا الزبالة. الله يعطيكن العافية عم تتعبو".
فقير يطعم فقيرا... ما اجملك يا مدينة البساطة والمحبة يا ‫طرابلس‬. ابو العبد في موقفه هذا اكد ثابتتين:
الاولى ان طرابلس مهما تمدنت شوارعها وصارت اكثر حداثة وتطورا وفخفخة، فانها محافظة على اصالتها وطيبة اهلها وكرمهم. انها مدينة البساطة وام الفقير.
اما الثانية فتتمثل بكون الفقير الطرابلسي يلاقي زميله في الفقر في منتصف الطريق ويمد له يد العون، وهذه فلسفة حياة لم تعد موجودة في كثير من مجتمعاتنا العربية، على عكس كثر من اصحاب الملايين الذين يهربون من شوارع مدينتهم اذا كان فيها بائع متجول، ويقصدون اماكن اخرى للتبضع والسهر، ربما لاعتقادهم ان طرابلس لا تليق بهم، وهي بكل تأكيد تليق بأهلها وفقرائها وميسوريها، ومن يظن ان مكانته اكبر من مكانة الفيحاء فهو الابن الضال الذي وجب ان ندعو له بالهداية والعودة الى جادة الصواب... الى طرابلس.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم