الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الرياح الأميركية حرّكت أوراق ملف البترول فقط

زاهي جبرائيل
A+ A-

سنة 900 ق.م. كان الفينيقيون أول من طوَر العولمة في حوض البحر الأبيض المتوسط، فأقاموا وكالاتهم في أرجائه ونشروا لغةً موحدةً تمكنهم من إنجاز تجارتهم بطريقة سهلة. كذلك اليونان والرومان والمسلمون أسسوا نظامهم العولمي لتحقيق أهدافهم وبسط سلطتهم. في زمننا المعاصر حذت الولايات المتحدة حذو سابقاتها فأسّست لنظام عولمي بنشر الثقافة الأميركية وهدم الحواجز والحدود القومية لمصلحة سوق عالمية وتجمعات إقتصادية، فانهار الإتحاد السوفياتي ومدرسته الشيوعية وسقط حائط برلين واندحرت المخابرات السوفياتية من أوروبا لتحل مكانها أنابيب الغاز لإمبرطورية "غازبروم الروسية".
مقابل هذا الفكر المنفتح أسّس هنري كيسينجر وصموئيل هانتنغتون مدرسة معاكسة فلسفتها أنّ القومية السياسية وتفكيك تكتلات الدول هما فقط يضمنان نشر السلطان الأميركي ويجلبان البحبوحة الإقتصادية، ولو عُنوةً، الى الشعب الأميركي. نشأت حربٌ باردة جديدة من نوع معقد ضمن النظام الواحد ودخلنا نظاماً عالمياً جديداً لقوميات ودول ودويلات متنافسة متناحرة غير متناغمة تدفع الثمن فيه الدول والأنظمة الهشًة. وبعد أن كانت أميركا تعمل لمشرق حوض متوسطي إقتصادي موحد بمشاريع متكاملة، تبدّل نهجها، ورأت المنطقة دولاً وأنظمة متناحرة غير منسجمة تتعامل مع كل منها على انفراد في سياسة متبدّلة غير ثابتة، فأربكت هذه الدول التي راحت تفتش عن تحالفات ثنائية هنا وتتوسل الدعم هنالك.
لبناننا العظيم، محط أنظار الطامعين، صاحب الثروات والطاقات، وآخرها اكتشاف ثروة الغاز الطبيعي، هل هو مستعد ومحصَن للتماشي مع النظام العالمي الجديد؟ هل هو قادرٌ بما هو عليه لإدارة ثرواته، وفي مقدمها ثروة الغاز واستثمار طاقاته بما يضمن البحبوحة والأمان لشعبه؟
كما جاء في الدستور أنّ لبنان بلد حر مستقل نهائي لجميع أبنائه، وأنّ الشعب فيه هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. يمتلك بلدنا حصةً من مكامن الغاز في شرق حوض المتوسط تحدّدها القوانين الدولية ويزود عنها الشعب اللبناني عبر مؤسساته الدستورية. لتنظيم هذا القطاع أصدر مجلس النواب القانون 132 للموارد البترولية في المياه فحدّد صلاحيات مجلس الوزراء ووزير الطاقة وكيفية التحضير لإطلاق التراخيص وإنشاء هيئة لإدارة قطاع البترول بصلاحيات كبيرة. وتعيّنت الهيئة وصدر المرسوم 10289 الذي ينصً على الأنظمة والقواعد البترولية. ودعت الهيئة الشركات المتخصصة في الإستكشاف والإستخراج الى تقديم مستنداتها لتسمية المؤهلة منها، وصدرت لائحة بذلك. وسيُصدر مجلس الوزراء مرسومين: الأول لتحديد البلوكات، والثاني لإتفاقية الإستكشاف والإستخراج.
كلامٌ إيجابي جميل تحت سقف القانون وفي كنف النظام. لم نقل إنّ القانون والمرسوم الصادرين تشوبهما ثغرات عدة تفسح المجال لتفسيرات مطاطة واستنسابية، ولا قلنا إنّ كثيرين من أعضاء هيئة إدارة قطاع البترول الموكلة اليها إدارة هذا الملف الصعب مع شركات متمرسة، هم جدد في هذا المجال، ولا قلنا إنّ بنود مرسوم إتفاقية الأستكشاف والإستخراج ما زالت سرية، ولا قلنا إنّ السادة النواب شرَعوا القانون 132 واستراحوا، ولا قلنا إنّ وزير الطاقة في يديه معظم الخيوط وقد يأتي وزيرٌ لا يحسن تحريكها. ما نقول في كنف نظامنا وتحت عباءته لنعمل ما تقتضيه مصلحة المواطن الذي كل مطلبه أن يعيش حياةً أفضل من التي يحياها الآن. ما هو الضرر أو الإنتقاص من شأن المسؤولين إذا طرحت الهيئة الفنية على وزير الطاقة فمجلس الوزراء تكوين مجلس قوامه رجالات متمرسون في القانون والبيئة والتكنولوجيا والأبحاث والمال والإقتصاد والسياسة والإجتماع من الأكاديميين وأصحاب الخبرة الطويلة، وبرئاسة عالم متمرس بالعمل العام، نظيف الكف، مفاوض بارع، بعيد الرؤيا، وطني الهوى؟ مهمة هذا المجلس إستشارية مٌلزِمة وضابط أيقاع. أولى مهماته أن تزوده الهيئة الطروحات الأساسية للشركات كحجم الإستثمار المتوقع والبرنامج الزمني لاستعادته، والطرق المحاسبية، وخطط التسويق وأسواقها، ومنهاج التسعير، وتصور تقاسم العائدات ونسبة الضرائب والجعالات والمُنَح، وتقنيات الإستكشاف والإستخراج والإستخراج الإجمالي مقارنةً بالموارد، مع الإستخراج السنوي مقارنةً بالمخزون الموجود، وبرامج درء المخاطر وإدارتها، وخطتها لمكافحة الفساد داخلها ومن حولها، مسؤولياتها الإجتماعية، وتقييمها للأثر البيئي والإجتماعي.
متى وصلته هذه الطروحات بوًبها ونشرها للعامة في الجريدة الرسمية وجريدتين محليتين فاسحاً للمواطنين إبداء الرأي خلال مهلة شهر من تاريخ النشر. ومتى استلم رد المواطنين درسها بموضوعية واستخلص منها مع ما لديه من الخبرة أسساً متينة رفعها للهيئة لاعتمادها ونشرها في الجريدة الرسمية وجريدتين محليتين. الأكيدٌ أن هذا المجلس الحكيم العارف سينبئ الجميع أنّه لَضرورة تطمين الشركات في عملها، المرتفعة مخاطره ضمن ما تقتضيه مصلحتنا، سيٌنبئ رغم بُعد الإنتاج عن ضرورة العمل من الآن لنشر ذهنية الإنتقال لاستعمال الغاز والبدء بالبنية التحتية وإيجاد مناطق صناعية يسهل في نطاقها استعماله، سينبئ عن حاجتنا الى شركة بترول وطنية، وأهم ما سينبئ عنه ضرورة تعاملنا مع قطاع البترول كأي قطاع إنتاجي آخر، فيه إزدهار وفيه ركود، فيه ربح وفيه خسارة، هو ثروة وطنية والزراعة هي ثروة وطنية. من يضمن المستقبل؟ من يضمن السعر الجيد للغاز؟ من يضمن تطور المبادئ والقوانين البيئية لصالح الطاقة النظيفة؟ لا أحد. نحن نتكهن والشاطر من يحسن التعامل مع تكهناته والمخاطر المحيطة بها، والمجلس الوطني المحنك ضرورة في الرياح الأميركية الهوجاء التي لا تتحرك صفحات ملفنا البترولي ألا بهبوبها .

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم