السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

وداعاً يا "مٌتّحِدات"

امين قمورية
A+ A-

منذ نحو عقدين، صارت صفة "اتحاد" او "متحدة" كابوسا للاقليات أو القوميات صغيرة كانت أم كبيرة. لم تبق دولة تحمل هذه الصفة الا وكانت لوثة التقسيم من نصيبها او تكاد.الاتحاد السوفياتي افتتح الموسم بانهياره وتشظيه الى 15 دولة، وبتلاشيه تلاشت المنظومة الاشتراكية التي شكلت اتحاداً لدول الستار الحديد والتي خرجت منها دول لم يعد يجمعها شيء سوى معاداة قائدته السابقة موسكو وسياستها. الضحية الثانية كانت يوغوسلافيا الاتحادية التي لم تكتف بتفريخ ست دول صغيرة، بل طاول التقسيم أيضاً اتحاد صربيا مونتينغرو ليصل لاحقا الى صربيا نفسها التي طلقها اقليم كوسوفو. وكلما انهار اتحاد ارتفعت أعلام جديدة على سواري الامم المتحدة وزادت المقاعد في الجمعية العمومية. وبعد انتهاء الحرب الباردة فقدت الأمم المتحدة دور الحكم في خلافات الكبار ودور القاضي الذي يحمي دولة تنتهك حقوقها دولة اخرى، ولم يبق من المنظمة الا الاسم بعدما تغير العالم ونصبت واشنطن نفسها سيدة له من دون منازع. وفي الوقت الضائع أو في وقت الضياع، تلاشت كل الاتحادات العربية بدءاً بالجامعة غير الجامعة وصولاً الى الاتحاد المغاربي الذي ظل حبراً على وقت، فيما حال الاتحاد الافريقي ليس بافضل.
لوهلة ظننا ان التشرذم حكرعلى العالم الثالث ولا يصيب الا بلدان التخلف السياسي والاقتصادي، فاذا بالاتحاد الاوروبي يقلب كل التوقعات باهتزاز وحدته بعد اختيار بريطانيا الانفكاك عنه. قررت المملكة المتحدة الطلاق مع بروكسيل وصارت هي نفسها مهددة بالمصير نفسه وبالتفكك الى ممالك وكيانات. وهكذا لم يبق موحداً سوى الاتحاد السويسري في انتظار ان يقرر اي من كانتوناته العكس، والولايات المتحدة الاميركية التي بدأ حلم الاستقلال يدغدغ بعض ولاياتها وقد يعجل وصول ترامب الى البيت الابيض في اجراءاته العملية.
وعندما تنتصر القوميات الضيقة الافق وتتطلع الى وطن صغير على حساب الاوطان الكبيرة ذات المدى الحيوي، فهذا تقوقع وانعزال. وعندما تتحدث هذه القوميات لغة الاقليات وتطالب بالحقوق والانفصال وحق تقرير المصير والانزواء خلف الحدود، فهذا خوف يولد العصبيات. وعندما يخسر الشباب المندفعون نحو المغامرة والانفتاح والاختلاط بالآخر أمام الكهول الراغبين في الهدوء والسكينة بعيداً من كل حديث ومختلف، فهذا عائق أمام الحرية. وعندما يتغلب قرار الريف على رأي المدينة الصناعية والكوسموبوليتية، فهذا كبح لعجلة التاريخ. وعندما يتغلب الحذر من جديد يتقدم الماضي على حساب المستقبل.
هذا ما حصل في الاستفتاء البريطاني، وهذا على الارجح ما سيحصل في كل الاستفتاءات الاوروبية المماثلة والمتوقعة، وبهذا لن نكون وحدنا من يسبح في مجاهل الماضي.


[email protected] / Twitter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم