الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أوروبا بعد خروج بريطانيا أكثر أوروبية

المصدر: "النهار"
جهاد الزين
جهاد الزين
أوروبا بعد خروج بريطانيا أكثر أوروبية
أوروبا بعد خروج بريطانيا أكثر أوروبية
A+ A-

بمعزل عن النقاش الطويل الذي بدأ فور صدمة فوز خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء البريطاني، يجب ورغم هذه الصدمة أن نتذكّر أن بريطانيا العظمى لم تكن يوما أوروبية لا بالمعنى القاري ولا بالمعنى حتى الثقافي.
أوروبا هي مشروع فرنسي ألماني التحقت به بريطانيا، بعد جهد جهيد.
الثقافة والتاريخ البريطاني شيئان مختلفان، ربما في بعض المجالات أكبر وأعظم من دول أوروبا، ولكنهما، أوروبا وبريطانيا، في أي حال مختلفتان رغم التاريخ اللصيق.
يعطي التاريخ العالمي منذ عصر الأنوار الانطباع أن إنكلترا (ودولتها على الجزر البريطانية) لم تكن بحاجة إلى هوية أوروبية بسبب تفوقها في التوسع الجغرافي التجاري في أقاصي الكرة الأرضية. كانت أوروبا حديقتها الخلفية المهمة ولكن ليس مداها الحيوي. لذلك لم نشهد بونابرتية بريطانية من الناحية العسكرية بل بريطانيا هي التي قضت على نابوليون بونابرت بالنتيجة ولو بالتعاون مع حلفاء قاريين.
المشروع الأوروبي يحتاج الآن إلى صدمة إيجابية إن لم تكن تعادل وترد على الصدمة السلبية البريطانية فهي تواجهها. وإذا كان الخروج البريطاني أساسيا في إعادة تشكيل المؤسسات والمشروع الأوروبي فإن خطر الخروج اليوناني الصيف الماضي كان هامشيا بالقياس مع الأول رغم رمزية اليونان الثقافية، أو حسب كلمة فاليري جيسكار ديستان الشهيرة: لا "يمكن أن يقول أحدٌ لا لأرسطو".
أحفاد "شكسبير" فعلوها وخرجوا من مشروع لم يقتنعوا به تماما يوما رغم كثافة الجزء المؤيد للبقاء. أما أحفاد أرسطو فهم أضعف من أن يفعلوها.
كان الانكليز ينأون بأنفسهم أصلا عن أي اندماج رغم وجودهم في الاتحاد بدءا من العملة إلى الفيزا. وربما أحد أسباب قوتهم أن لندن بقيت المركز المالي الذي لا ينازَع في المجال العالمي رغم القيادة الاقتصادية الألمانية وعاصمتها المالية فرنكفورت.
أوروبا أضعف من دون بريطانيا الآن: لا شك. ولكن أوروبا أكثر انسجاما مع نفسها ومع مشروعها الفرنسي الألماني وردائفه الثلاثة ايطاليا وأسبانيا وبولونيا. لا شك أيضا.


ماذا عن #الشرق_الأوسط بعد الخروج البريطاني:
يستطيع هذا الشرق الأوسط ولاسيما على شاطئه الآسيوي العربي أن يعتبر أن محنته الوجودية الحالية قد ساهمت في الأزمة الأوروبية وبالتالي في الخيار البريطاني عبر قضية اللاجئين الضخمة الأبعاد والتي أعادت تحريك وتأزيم مسألة الهوية في كل أوروبا.
لكن الخروج البريطاني ليس حدثا في الجيوبوليتيك وإنما في الاقتصاد والثقافة. أما إذا عادت مسألة الانفصال السكوتلندي إلى الواجهة بسبب التباين بين الخيار الأوروبي الاسكتلندي والخيار الانكليزي غير الأوروبي عندها سيعود الجيوبوليتيك وتفاعلاته في النظام العالمي والأوروبي إلى مجال البحث من حيث آثار تغيير خرائط الدول.
تبقى ملاحظة في هذه العجالة: الخروج البريطاني سيساعد في حسم تركيا لمعركتها مع نفسها من حيث اقتناعها النهائي بأن أوروبا التي لامكان لبريطانيا فيها من المستحيل وجود تركيا فيها... فقبل أسلمة تركيا كانت هناك استحالة. اليوم الاستحالة في طابقها السابع.


 


[email protected]
Twitter: @ j_elzein

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم