الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"إعصار" التمرّد يعصف بالأحزاب مخلّفاً الأضرار

يارا عرجة
"إعصار" التمرّد يعصف بالأحزاب مخلّفاً الأضرار
"إعصار" التمرّد يعصف بالأحزاب مخلّفاً الأضرار
A+ A-

تحتاج الثورة إلى سنوات عدة لتكتمل، لتصل رياح تغييرها للمؤسسات الحزبية، فتطال شرائح المجتمع وكيانه وتحضنه بعبق الحريّة. كنّا نحتاج إلى خروج السوري من لبنان وحرب تموز 2006 لنختبر وطنيتنا. كنّا نحتاج إلى رحيل كبار رجال الوطن لننتفض على واقعنا. كنّا نحتاج إلى انفجارات طرابلس والضاحية لنتوحد. كنّا نحتاج إلى التطرّف لنؤكّد اعتدالنا. كنّا نحتاج إلى تفكك قوى 14 و8 آذار من أجل قيامتنا. كنّا نحتاج إلى كلّ تلك العوامل لنستيقظ من ثباتنا العميق، لننثر عنّا غبار الحرب وندخل المرحلة الانتقالية السياسية التي نشهدها اليوم. تناثرت بثور ثورة الحريّة والتحررّ التي ولدت منذ 11 سنة اليوم على الأحزاب، فاقتحم الحراك هيكلها ونادى أعضاؤها بالتغيير والثورة.


الأحزاب ما بعد الانتخابات البلدية


اجتاحت موجة التمرّد الأحزاب اللبنانية أخيراً بعد الانتخابات البلدية. فجاءت هذه الأخيرة لتمتحن أرضية الأحزاب بعد فترة ركود سياسية دامت سنوات عدة، فكانت مخيّبة لهم بعدما سئم الرأي العام أداءهم السياسي. وقد تجلّت مظاهر التململ هذه أوّلاً مع إعلان اللواء أشرف ريفي استقالته من الحكومة وتأليف لائحة بلدية "قرار طرابلس" مواجهة للائحة تحالف #الحريري - الميقاتي في انتخابات الشمال، وفوزها بغالبية المقاعد. من جهة أخرى، عبّر أحد المنتسبين إلى "تيار المستقبل" لـ "النهار" عن رأيه "نحن نتمنى حصول لقاء بين ريفي وبين الحريري. فهذا الحوار نتمناه اليوم ضمن مكونات هذا البلد، فكيف إذا كان على صعيد عائلة واحدة؟". ولم يسلم التيّار الوطني الحرّ من تداعيات ترشيحات #الانتخابات_البلدية كذلك، إذ تجلّى عدم إلتزام "العونيين" بلائحة "البيارتة" كاملة بإشكالات بين مندوبين مقربين من القيادي زياد عبس ومندوبين محسوبين على نائب رئيس التيار نقولا صحناوي على خلفية تداول لائحة "ملغومة" تخرج عن لائحة التوافق التي طلبت الرابية بالتصويت لها. فحملت نسبة الاقتراع المنخفضة رسالة للقيادة الحزبية حول رفض اللائحة الائتلافية. وأخيراً وصلت رياح التمرّد لحزب #الكتائب، بعدما أبدى وزير العمل سجعان قزي عدم رضاه عن قرار الاستقالة الذي تلاه النائب #سامي_الجميل قائلاً لـ "النهار": "عدم صدور أي موقف سابق عني يشير إلى نية الاستقالة او إعلانها، لا خطياً ولا شفهياً"، مؤكداً أنه من الباب الشكلي على الأقل "يجب أن يتقدم الوزير نفسه بالاستقالة"، وأنّ "إعلان رئيس الحزب الاستقالة محصور بالطابع السياسي". وتعليقاً على إقالة قزي من حزب الكتائب، يتحدّث ألبير كوستانيان مستشار رئيس الحزب سامي الجميل لـ "النهار" قائلاً إنّ "بيان المكتب السياسي كان واضحاً. قزي كان مخالفاً لأكثر من 10 بنود من النظام الداخلي، فكان على الحزب فصله نهائياً. قزي هو من فصل نفسه ولم نفصله نحن.


منذ أسبوع يخالف قزي قرار الحزب في ما يتعلّق بالانسحاب من الحكومة، ويشكك فيه وبصدقيته وصدقية المكتب السياسي. وأقرّ في مقابلات عدة بأنه غير مستعد للاستقالة من الحكومة. علماً أنّ المكتب السياسي أقرّ الاستقالة بـ 27 صوتاً ضد ثلاثة بوجود قزي الأسبوع الماضي. وعندما أعلن رئيس الحزب الاستقالة كان قزي موجوداً إلى جانب الجميل يصفق قبل أن يبدأ حملة إعلامية ضدّ الاستقالة، ليجبر الحزب أن يعيد النظر فيها. هذا الأمر لا يتمّ بالإعلام، لا شيء بإمكانه أن يرغم الحزب بالتراجع عنه. حزب الكتائب اليوم يأخذ منحى ديموقراطياً غير موجود في أيّ حزب آخر في لبنان: كلّ القرارات تحصل ضمن المكتب السياسي حيث تعرض وجهات النظر مع التصويت، وهذا لم يسبق أن اعتمده الكتائب سابقاً. قررنا التمهل للتفكير بالموضوع، وقد بلغ مدة اجتماع المكتب السياسي 4 ساعات لاستعراض وجهات النظر بما فيها وجهة الوزير قزي الذي تحدث لأكثر من نصف ساعة. لقد ناقشنا وصوّتنا. لذلك فالمزاعم التي تقول إنه لم يشارك بالقرار غريبة، لأنه كان موجوداً في المكتب السياسي وأبدى رأيه وصوّت ضد. ولكن إن لم يكن التصويت يعبر عن رأيه يعتبر أن لا وجود للديموقراطية؟ لا بل كان ثمة احترام للأغلبية


سقوط القناع


تصرّف الجميّل بحكمة عندما تدارك الوضع الراهن، لا سيّما بعد هزيمة الأحزاب المدوّية في الانتخابات البلدية الأخيرة والتي أعربت عن حالة اعتراضية واسعة. فسارع إلى محاولة إعادة النظر في سياسته ومدّ يده للمجتمع المدني، معبّراً عن انفتاحه للآخر. وليؤكّد رفضه للطبقة السياسية كالفئة المعارضة اليوم وهي "المجتمع المدني"، أعلن استقالة الوزيرين سجعان قزي وآلان حكيم. إلاّ أنّ إقالة قزي من الحزب وهو رمز أساسي من رموزه بعد معارضته للقرار، أسقطت القناع عن الوجه الذي يحاول إظهاره الجميّل، ليؤكّد أنّ الكتائب تماماً كغيره من الأحزاب.
في هذا الإطار، توضح أستاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتورة فاديا كيوان لـ "النهار" أنّ "ما حصل يعكس الأزمة التي تمرّ بها كلّ الأحزاب نتيجة غياب العمل الحزبي المؤسساتي داخل الأحزاب بصورة عامة، وقد لا يكون العمل الحزبي عملاً ديموقراطيً. فما يحصل اليوم يعكس حالة من التململ داخل المؤسسات الحزبية التي تؤكّد ضعف العمل الديموقراطي داخلها وهيمنة العائلات عليها. وهذا لا يقتصر على حزب من الأحزاب. فعملياً كلّ الأحزاب الرئيسية تعاني المشكلة نفسها تقريباً. فانتقال السلطة داخل الحزب يسبب أزمة، ولهذه الأخيرة حلّان: حلّ قانوني يكمن في إصدار قانون للأحزاب يوضح بشكل دقيق دقائق تشغيل الأحزاب بما يضمن حقوق المنتسبين إلى الأحزاب ويشغل المكينة الحزبية بشكل ديموقراطي. وحلّ عملي يكمن في اعتماد الانتخابات الـ primaire أو الأوليّة وهي انتخابات تمهيدية (هي إجراء تمهيدي يختار من خلاله المنتسبون الأعضاء الذين سيمثلونهم في الانتخابات العامة) تعتمدها الولايات المتحدة قبل تحديد مرشحها إلى رئاسة الجمهورية، فلمَ لا تعتمد داخل الأحزاب؟ يجب تطبيق الممارسة الديموقراطية داخل المؤسسات قبل المطالبة بتطبيقها على الصعيد الوطني. ويجب تقبّل النتيجة". تتنبأ كيوان بأزمة كبيرة ستطاول الأحزاب السياسية لاحقاً، اذ يجب أولاً برأي كيوان "البحث عن هذه الأسباب لمعالجتها، فيكون عمل الأحزاب داخلياً عبر هيئات متلاحقة لديها أدوار ديموقراطية بمعنى التشاور". وهي ترجح أيضاً أنّ حالة الاعتراض هذه جزء من الحراك الذي "ظهر أولاً في الشارع، ثمّ ضمن الأحزاب وأخيراً في الانتخابات البلدية لأنّ الرأي العام لم يشعر بصوابية قرارات القيادات".


وطء الاستقالة على الحكومة


لا شكّ في أنّ كلّ تلك الاستقالات تعبث بهيبة الحكومة وتهدد سلطتها. فبحسب كيوان استقالة الوزيرين "عملياً غير نافذة، لذلك من الممكن أن يسوى الوضع داخل المؤسسة الحزبية التي تعاني اليوم أزمة من خلال إعلان موقف اعتكاف: الاستقالة إمّا تقدّم خطياً فتقبل أو ترفض وبالتالي يعتكف الوزراء المعنيون وهو مخرج يحفظ الحكومة من التصدّع. الجميل أعلن شخصياً موقف الحزب والوزراء لم يقدموا الاستقالة الخطية لأن لديهم مواقف متفاوتة. من جهة، عندما نمثل مؤسسة يجب التقيّد بقراراتها، غير أنها يجب أن تكون ديموقراطية. فاستقالة عدد من الوزراء يزيد من تصدّع الحكومة. ولكن هناك فنّ الممكن، يجب رؤية الحلّ الآخر: إن استقالت الحكومة، تنتقل إلى حكومة تصريف أعمال وهي أساساً حكومة تصريف أعمال منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ولكن أنيط بها بحكم مادة من الدستور. فبين بقاء الحكومة أو الفراغ، يجب على الحكومة عدم الاستقالة".


[email protected]


Twitter:@yara_arja


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم