الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

في نقد المسلسل رقم 1 و"صدمته"

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
في نقد المسلسل رقم 1 و"صدمته"
في نقد المسلسل رقم 1 و"صدمته"
A+ A-

اعتبرنا "مش أنا" مفاجأة رمضان بعد يومين فقط على انطلاقه. وخشينا حينها أننا نبالغ، فالمسلسل لم يكن واضح الاتجاهات. الآن نقولها بثقة: نعم، "مش أنا" مفاجأة #رمضان و"صدمة" رهاناته، وإن اعتراه بعضٌ قليل من البطء. انتُقدنا بقسوة عاطفية في رمضان الفائت لأننا لم نرَ في "قلبي دق" أثراً تلفزيونياً قيّماً، فيما الجميع تقريباً كان يمدح ويستمتع. هذه السنة، نعترف لكارين رزق الله بأنّ ما تؤدّيه في "مش أنا" ("أل بي سي آي") رائع. كأنها في الدراما صاحبة تجربة. تمثّل بانسياب من دون تكلّف. عيناها في الدور اختزالٌ لممثلة صادقة. في بريقهما شيءٌ لم يتبلور من قبل. وفي الملامح شيءٌ آخر جديد لافت. تماماً كما لفتنا الدور والمسلسل واستحقّ نجاحه.


لم تعلم هنا (رزق الله) بأنّ للمرحوم زوجها ابن أخ ظهر فجأة يوم دفنه. مجد (بديع أو شقرا) مصادفة غير متوقّعة في حياة امرأة انتظرت طويلاً موت الزوج العجوز للانقضاض على ثروته. الثنائي منسجم، يملك مفاتيح اللعبة، كوميدي، لا يستعرض. المسلسل (كتابة رزق الله وإخراج جوليان معلوف) لا يحتاج إمكانات إنتاجية ضخمة لاستمالة المُشاهد (إنتاج ميلاد ومي أبي رعد). فيه أمٌ تسأل عن ثمن كيلو الكوسا وتلوم الزوج على غلائه، وأب تُطرح من خلاله إشكالية قانون الإيجارات. وفيه كاراكتيرات لا تفتعل الحضور المشهدي. البساطة تصنع من مسلسل رزق الله الرقم واحد وفق الأرقام التي نشرناها لكم. رغم فخامة القصر والترف من حولها، لم تكتب رزق الله حواراً يعتلي العرش ويتكبّر على ناسه. القصة "خفيفة نظيفة"، لا متاعب فيها ولا ما يسبّب وجع الرأس كالصراخ الدارج في المسلسلات. قوّة "مش أنا" قدرته على خلق توازن بين البساطة والعمق، والبقاء على مسافة من التسطيح.


انتظرنا جميعاً موعد قراءة وصية المرحوم. نحن، هنا، مجد، العمتان المشوّشتان (سمارة نهرا ونوال كمال في دورين يرطّبان الأجواء) والموظّفات الخائفات في المنزل. في بال هنا أنّ الأملاك بيدها: القصر، المصنع، المال، والسلطة، ولا علم لها بالحقيقة المرّة: المرحوم مات يداً إلى الأمام وأخرى إلى الخلف. لا ثروة طائلة ولا ثروة غير طائلة. وعوض أن يصدمها مجد بحقيقة أنّه مالك الثروات والمعيل الوحيد للعائلة، شاء خوض التحدّي. سيذلّها ويهشّم رأسها ويروّض ما يتراءى له كبرياء أنثى وهو في الحقيقة جراحات وخيبة. لم نعلم بعد الدافع خلف كراهية المرحوم والشماتة بموته. ولا اللغز المُجمِّل تركيبة الشخصية. ما نعلمه أنّ حجم الوجع يبدو عميقاً. لا يخفيه وجه ولا تكذّبه مشاعر. وجعٌ يجعل الرجال في نظرها سواسية، فيسيطر عليها الغضب ويملأها الرفض إلى أن يغيّر الحبّ الطباع ويهدِّئ الأعصاب ويصفو القلب.


بديع أبو شقرا يتلقّى الإهانات بابتسامة ذئب يعلم ما يجري. هو بين الرغبة في فكّ ألغاز الماضي والحاجة إلى ضمّ هنا إلى حضنه ومشاركتها آلامها. لم يهبط إيقاع المسلسل بعد حلقات على بدايته (هذا نادر في رمضان). الشخصيات فيه معرّضة للكمات: الصديق فؤاد (رودريغ سليمان) وزوجته زينة (ريتا عاد في دور يكاد يبدو بليداً لولا الاعتراف بتعاسة حياتها)، عائلة هنا (الأم التي لم يرقها غلاء كيلو الكوسا، الأب المتمسّك بكرامته، الحامل بضميره قضية المستأجر والمالك، الأخت المكبّلة بعقدها والنظرات الدونية تجاه الذات، والأخ المتردّد الباحث عن فرص)، وأيضاً الصديقة نادين (اندره ناكوزي) المُلازمة هنا في ليلها ونهارها، وعاملات المنزل اللواتي يتحمّلن النكد والغضب والأوامر، مع تحية للمى مرعشلي لإتقانها العفوي دور جميلة المطيعة.


لا تختزن رزق الله في العينين طعنات تُشفى سريعاً، فالجرح المحفور يتطلّب وقتاً لمداواته. خوفها في الليل، كوابيسها، إحساسها بالأشباح تخنقها، أدويتها المهدّئة، مزاجيتها وإفراطها في السهر والتجريح وكؤوس النبيذ، تترك روحية الشخصية في مهبّ الأسئلة. هبَّ المسلسل علينا كنسمة، والنسائم وسط هذا الحرّ أمنية.


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم