الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أميركا تهادن ولبنان يحارب!

محمود حدّاد
A+ A-

تقوم سياسة واشنطن في الإقليم و جواره، في أحد جوانبها الكثيرة، على ما يبدو، على احترام تفاهم توصلت إليه مع طهران يقضي بإنهاء أو تجميد البرنامج النووي الإيراني مقابل أن يتم إطلاق يد طهران في العراق و سوريا ( وربما لبنان). لذلك، لا نسمع شيئا عن اعتراضات أميركية على قيام قوات و قيادات إيرانية عسكرية بالاشتراك مع قوات عراقية في تحويل عملية "اجتثاث البعث" إلى عملية "اجتثاث السُّنة" في العراق كما ألمح كنعان مكية في كتابه الجديد " الحبل" في نسخته الإنكليزية معتذراً عن دوره في تشجيع الولايات المتحدة على احتلال وطنه.


أما في سوريا فتقوم واشنطن ببلع كل تعهداتها السابقة و خطوطها الحمرغير القانية وتضغط ما وسعها و من وراء ستارعلى تركيا والسعودية لترك ما يسمى بـ" المعارضة المعتدلة" عارية دون مساعدة إقليمية جدية بينما يتلقى النظام كل أنواع المساعدات العسكرية وغير العسكرية من حلفائه الإقليميين والدوليين. بالطبع، تساعد الطائرات الحربية الروسية بالتحديد في إنجازهذه المهمة من دون اعتراض. ولا شك في أن القائلين الأيديولوجيين بالممانعة لا يمانعون في السير بهذه السياسة التدميرية والاستبدادية وإنْ كانوا يُرجعون ذلك إلى ضرورة صد جحافل المنظمات" التكفيرية" التي صنعت صنعاً لإعطائهم المبرر للقفز فوق اقتناعاتهم المبدئية التي عاشوا في كنفها طوال حيواتهم وصار بإمكانهم التحرر منها خدمة لمصالحهم الشخصية.
السياسة الأميركية المشار إليها، مهما كانت أسبابها، إذا كانت قراءتنا صحيحة، تنسحب على حلفاء إيران والدائرين في فلكها في المنطقة. لذلك، لم يكن هناك من مسعى فاعل لثني "حزب الله" اللبناني عن الاشتراك في العمليات العسكرية في سوريا وفي غيرها ، وإنْ بدرجة أقل. وإذا كان هذا الأمر مسكوتاً عنه من قبل صانع القرار الأميركي، أليس من الغريب أن يبدأ هو نفسه وفي الوقت نفسه بدفع حكومة لبنان المترنحة ومؤسساته المصرفية إلى إعلان الحرب على "حزب الله" من الباب الماليّ، و تكليف مؤسسات مدنية لا سلاح لديها بهذه المهمة الخطرة؟
ما الفكرة التي تصر على وضع الألواح الزجاجية في مواجهة القنابل والمتفجرات في الوقت نفسه الذي يُرسل فيه المبعوث وراء المبعوث و اللجنة بعد اللجنة صارخة: "إياكم إياكم أنْ لا توقِعوا أقصى العقوبات على الذين نصرّ على مهادنتهم"؟ ما الفكرة التي تقف وراء المهادنة الأميركية – على أقل تقدير- لدور الحزب العسكريّ في الشمال و الشرق ودفع لبنان إلى خط النار الأول للانتحار على مذبح ازدواجية مصالح واشنطن؟
إذا كانت القوة الأقوى في العالم تريد أن تهادن وتغضَّ النظر، فهذا شأنها، و لكنها لا تستطيع أن تهادن و تغض النظر من ناحية و تطلب من هذا الوطن الصغير، من ناحية أخرى، أن يأخذ عنها مهمة التمويه الدمويِّ عن سياساتها الحقيقية التي ليس من الصعب كثيراً انكشافها في هذا العصر.


استاذ في جامعة البلمند

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم