الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

غول المسلخ سقط على أرض سورية... فكثُر جلّادوه!

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
غول المسلخ سقط على أرض سورية... فكثُر جلّادوه!
غول المسلخ سقط على أرض سورية... فكثُر جلّادوه!
A+ A-

ندرك أنّ ما يُقدَّم هنا مجرّد جزء من المشهد. المشهد الكامل لا تختزله شاشة ولا يعالجه نصّ. نصوصٌ تحاكي القهر الإنساني تقف غالباً حيث الظلّ لا الشمس الحارقة. كيف بالقهر السوري وعذاباته؟ وبالمرء المتقلّب في جحيم عمياء؟ "الندم"، مسلسل سوري يلامس أطراف الجرح ويطبّب بالسرد بعض التهابه. لئيم من دون عنجهيات اللؤم، لا يدّعي أنّ في جعبته عصا الجنيّة. يقدّم المسلسل- وهو المستمد قوّته بتجدّد اللقاء بين الكاتب حسن سامي يوسف والمخرج الليث حجو- طرحاً مغايراً لإشكالية الحرب، آخذاً في الاعتبار أنّ الجميع مذنب، ولم يعد أمام حجم الخراب فارقٌ بين الضحايا، أكانوا أحياء يتألمون أم أمواتاً ظلمهم القدر.


تعرض "الجديد" مسلسلاً أغلب الظنّ أنّه قد يكون من مسلسلاتنا المفضّلة خلال هذا الشهر. "الندم" ليس المشهد السوري في زمنين جريحين فحسب. إنّه امتداد الحرب في أعماقنا وعلاقاتنا ودمائنا ومصائرنا في مواجهة خرائط تشتعل. عبر الراوي عروة (أداء رقيق موجع لمحمود نصر)، ثمة عودة دائمة إلى الوراء، إلى اصطدام الماضي بالحاضر والذاكرة باللحظة. "الفلاش باك" هنا ناطق، يخبرك بأنّ الأزمان تتغيّر، لكنّ الأثمان الباهظة يدفعها البشر.


تدور الأحداث كدوّامة تطفح بالغرقى ولا سبيل إلى إنقاذ أحد. كلّ شيء بارد، حتى العلاقات الأُسرية ولون الشارع. كاتبٌ تلفزيوني أربعيني يوثّق مأساة الإنسان السوري وتقلّباته وتبدُّل جلده كأنه جرحٌ فوق جرح، يمسك يد المُشاهد ويرميه في المسلسل. هنا حسن يوسف سامي والليث حجو يطرحان قلق الإنسان الممزق بعدما قضت الحرب على الأمن والأمان والضمير والإنسانية. من خلال دور أبو عبده الغول (سلوم حداد في أداء لافت)، يقارب سامي- حجو التسلّط مقروناً بلحظات غفران عابرة. ليس عبثياً زجّ الشخصية في مسلخ واعتيادها على مشهدي الذبح والدم. كلّ شيء في هذا المسلسل معانٍ ودلالات تواجه إنسان الحرب بمرآته. يحضر النقاش السياسي بصيغته المباشرة حيناً، عبر التوصيف المشهدي للشارع السوري والغلاء المعيشي والتسوّل على أرصفته كما في مذكرات الكاتب، وعبر مفردات الحرب كنقاش الموالي والمعارض، والاعتقال السياسي والتجسس والمخابرات وهشاشة الأمن.


المسلسل إنساني- سياسي، يُطلق صرخة من دون قبضات ويتوجّع فلا يذرف دمعة. أبطاله اختزالات التشرذم، فيبرز الابن المتمرّد (أفضل أدوار أحمد الأحمد بشخصية سهيل) وهو شقيق عروة، الرافض "سياسات" والده، الغاضب باستمرار، والذي وضّب أغراضه ورحل، في مقابل الأخ الأكبر عبده (باسم ياخور)، الديبلوماسي المتمسكن، الدافن رأسه في الرمال، الطمّاع الحاصل على ما يشاء بأيِّ ثمن. تناقضات العائلة يحكمها أب صنع نفسه من العدم وأم (سمر سامي) تضبط بحنانها الخلل وتحاول لَمّ الشمل. تركيبة أُسرية مضطربة، تخرقها بين الحين والآخر هواجس آنية وتحدّيات على مستوى الوجود والبقاء.


كما في مسلسلات حجو، يُفتح الجرح السوري ليظلّ مفتوحاً، لا ليُغلق بالمهدّئات. تتراءى سوريا مُعنَّفة مُرهَقة من غير كتف تتكئ عليها. ما يسبّب النزف ليس السلاح وحده وهول المعارك والقصف أكان بقذائف الهاون أم بصواريخ غراد. إنه مشهد الذل اليومي الكامن في بريق العينين وتجاعيد الوجه. ذل الطفولة وضبابية خيارات الشباب وانهيار الآمال. آه من الوجع السوري في عالم القساة.


على الهامش، يحضر الحبّ بوجه مرتبك وخطى متعثّرة. لا شيء يكتمل في هذا المسلسل. عروة الشاهد على الزمن وأحداثه، لا يقوى هو نفسه على تصويب أخطائه. يمسك بالكلمة ثم يفلتها، وباللحظة ثم يدعها تفرّ منه. كلٌّ في حال فرار. الأب من مسالخه وأبقاره وذاكرته وماضيه وعذاباته، والأم من تحمّلها وانتظارها وتخبّط أبنائها، والأبناء من دوائرهم الضيّقة والوطن من جنونه وهلوساته.


[email protected]


Twitter: @abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم