الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بين الأشرفيّة والحمرا... نادين فاجأت الجميع والسائقون لم يصدّقوا عيونهم

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
بين الأشرفيّة والحمرا... نادين فاجأت الجميع والسائقون لم يصدّقوا عيونهم
بين الأشرفيّة والحمرا... نادين فاجأت الجميع والسائقون لم يصدّقوا عيونهم
A+ A-

كل شيءٍ في لبنان يحكمه المزاج. حتى تلك الإشارات المروريّة المتسمّرة في أزقة المدينة تتحرّك أحيانًا على خاطرها. الإشارة الحمراء وقعها ثقيلٌ على النظرات، فتطوّل في المكوث رغم علمها أنها غير مستحبّة. أمّا الخضراء، فتُنسي البعض أنه حان وقت المرور، فيتفرّج عليها وكأنه يشاهد منظرًا طبيعيًّا خلّابًا. يأتي ذلك في ظلّ بنية تحتيّة رديئة. فلا يتبقّى على اللبناني سوى الانتظار الصامت لساعاتٍ أو لدقائق في الزحمة، وفق نظريّة الحظّ التي تتحكّم بوضع الطرق: حادث سيرٍ أو شرطيّ بلديّة غائب أو الرغبة في شقّ الطريق لإصلاح عطلٍ تقنيّ في شبكة المياه التي لا تزور المنازل في عزّ الشتاء... أو أحيانًا مظاهرة مطلبيّة عادةً ما تتمحور حول هدفٍ سياسيّ أو حزبي، لا إنمائيّ.


موجعٌ ذلك الموقف، حين يصف المغنّي الكنديّ الفتي جاستن بيبر بيروت بعاصمة "زحمة السير الخانقة". كان هذا كلّ ما اكتسبه عن وطن الأرز وتفوّه به أمام الملايين من البشر. الّا أن بعض اللبنانيين قرّر التمرّد على الواقع، ومواجهة أزمة جراد سيّارات بأفكار وطرق خلّاقة، ومنهم كانت نادين الأستاذة الجامعيّة التي فاجأت الجميع بخطوة استثنائيّة.


على درّاجةٍ ناريّة
لم يصدّق الطلاب ذلك المشهد، حين شاهدوا استاذتهم  تقتحم الحرم الجامعيّ على متن درّاجةٍ ناريّة. وربما لم يسبق للكثير من النساء في لبنان أن قدن هذا النوع من وسائل النقل، سوى في مرّات استثنائيّة، بهدف التسلية لا التنقّل اليوميّ. كذلك دُهش السائقون ايجابيًّا حين وجدوها تتمايل بين السيارات في مشاويرها اليوميّة فعبّروا عن تفاجئهم بعبارة "واو" وكلمة "برافو".


تروي نادين في حديثٍ لـ"النهار" تجربتها في عالم القيادة بعدما استبدلت سيّارتها بدرّاجة ناريّة صغيرة: "قرّرت شراء "الفيسبا" لسببين. الأول هو حبّي لقيادة الدراجات الناريّة حيث عشت لفترة طويلة في فرنسا قبل انتقالي الى لبنان، وهناك كنت أقود هذا النوع "الفيسبا" بكلّ سهولة في حين أن القطاع في اوروبا منظّم وقانونيّ وسائق الدرّاجة محترم من المجتمع والدولة، أمّا في لبنان فالصورة فوضويّة في حين أن بعض السائقين لا ينتبه الى وجود الدراجة الناريّة أو لا يأخذ سائقها على محمل الجدّ ما يتسبب بالعديد من حوادث السير. أمّا السبب الثاني فيتمثّل بزحمة السير الخانقة التي تسيطر على غالبية طرق لبنان".


تسرد نادين أن اقتنائها الفيسبا وفّر عليها إهدار الوقت وساعدها في احترام مواعيدها المهنيّة والشخصيّة أكثر ووفّر عليها المشاحنات العصبيّة التي يعانيها كلّ من يقود سيّارة. من الأشرفية وصولًا الى وسط المدينة فالحمرا في بيروت، تتمتّع الدكتورة الجامعيّة برحلاتها الترفيهيّة القصيرة التي لا تستغرق أكثر من 20 دقيقة، في حين أن المشوار داخل السيارة يتطلّب نحو ساعة من الانتظار الطويل. وكذلك تفعل حين تصل الى الجامعة من دون خوفٍ من التأخر على الطلاب ما أكسبها شهرةً ذائعة وجعلها أقرب الى قلوب كلّ من رآها.


شريحة واسعة لا تلتزم معايير السلامة
ليست نادين وحدها من اشترى درّاجة ناريّة واعتمدها في تنقّلاته، بل هكذا فعلت صديقتها المقرّبة على رغم امتلاكها سيّارة يفوق سعرها الـ 50 ألف دولار. وقد اتجهت الى هذا الخيار بعدما توسّع نطاق شراء الدراجات الناريّة في لبنان وباتت موضة امتلاك النساء لها رائجة نوعًا ما بهدف التخلّص من زحمة السير من جهة والتميّز من جهة أخرى. الّا أنه ورغم صورته الإيجابيّة وفوائده في بلدٍ كلبنان، يعاني ما يعانيه من أزمات السير والبنى التحتيّة، يبقى للدرّاجات الناريّة وجهٌ سلبيٌّ شديد الخطورة تمثّل محليًّا بحوادث كارثيّة جمّة زاد معدّلها خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، بحسب ما أشارت إليه "يازا" في موقعها الإلكتروني.


وتبيّن أن حادث سير الدراجة الناريّة يتسبب بأضرار ماديّة تبلغ 35 مرّة ضعف الأضرار التي تسبّبها حوادث السيارات، إضافةً الى كسورٍ في الرأس تبلغ معدّلات مرتفعة خصوصًا مع التخلّف عن وضع الخوذة التي تحمي دماغ الدرّاج بنسة 88% وتساهم في إنقاذ السائق من موتٍ محتّم بنسبة 75%. وأشارت الدراسة نفسها، التي أجرتها مؤسّسة البحوث العلميّة، أن قلّة قليلة من الدراجين تلتزم قوانين السير وتعليماته، وتتمحور المخالفات بين عدم احترام الإشارات الضوئيّة وعدم التزام السرعة المحدّدة التي يجب الا تتجاوز 30 كيلومتراً في الساعة إضافةً الى تجاوزات أخرى كاستخدام الهواتف المحمولة خلال القيادة والسير عكس الإتجاه المحدّد.


ولفتت الدراسة الى أن 23% من إجمالي سائقي الدراجات الناريّة في لبنان يستخدمون الخوذ الواقية في تنقّلاتهم. وتابعت الدراسة أن ثلث الدراجين الذين يتعرّضون لحوادث السير يصابون في الرأس ومن المحتمل ان يتسبّب الحادث في هذه الحالة بفقدان الذاكرة أو يؤدي الى اضطرابات في النطق والإصابة بحالات شللٍ جزئيّ أو كليّ.


حلٌّ دائم أم حلٌّ موقّت؟
لا يمكن اعتبار الدراجة النارية حلًّا دائمًا لأزمة السير في لبنان. عوائق عدة تصطدم في إمكان الاعتماد عليها في كلّ الأوقات وكلّ الظروف. ويلخّص نقيب أصحاب مكاتب قيادة السيارات وعضو لجنة السلامة المروريّة في لبنان الاستاذ عفيف عبّود في حديثٍ لـ"النهار" المعوّقات التي تحول دون اعتبار الدراجات الناريّة جزءًا من حلّ أزمة السير في وطن الأرز: "المشكلة الأولى تكمن في ارتباط الدراجات الناريّة في لبنان بواقع استخدامها لأغراضٍ غير قانونيّة كالنشل والسرقة وتنفيذ أغراض إجراميّة، ما يجعلها محطّ نفورٍ من شريحة واسعة من اللبنانيين. كما أن نوعيّة الدراجات المستوردة رديئة في غالبيّتها حيث أن عمرها تخطّى الـ 10 الى 15 سنة وهي تفتقر الى مواصفات الأمان المطلوبة".


ويدخل عبّود في السلبيات المتمثّلة بشخص الدرّاج وأسلوبه الخاطئ في القيادة: "القطاع غير منظّم في حين يخال الدرّاجون أنهم دائمًا على حقّ ويعمدون الى تجاوز الإشارة الحمراء، وبعضهم يتمنّع عن وضع الخوذة الواقية في حين أن القانون يغلّب البعد الإنساني على البعد القانوني". وعن البنى التحتية اللبنانية غير المؤهّلة لسير الدراجات يقول: "في البلدان الأوروبيّة ثمة خطّ سير خاص بالدراجات الناريّة والهوائيّة ولا يمكن أحداً تجاوزه، أمّا في لبنان فالدرّاج يواجه عوائق مخيفة كالحفر والعيوب التي تعتري منشآت الصرف الصحي، إضافةً الى تلوّث الجوّ الذي يعرّض الدرّاج للإصابة بالأمراض والأوبئة"."كيف يتجسّد الحلّ إذًا؟" يعتبر عبّود أن "الأولويّة تبقى لإقامة معهد مروريّ وتشكيل لجان فاحصة مجازة وتأهيل الطرقات والإشارات المروريّة بما يكفل تطبيق صحيح لقانون السير ويحدّ من أزمات السير المتلاحقة".


بين تبنّي فكرة المغامرة والتفرّد، والسير في نظريّة الالتحاق بالمألوف، اختارت الأستاذة الجامعيّة خيار الشجعان. قد يُصدم البعض من فكرة اعتماد المرأة درّاجة ناريّة في تنقّلاتها اليوميّة في بلدٍ كلبنان. لكن فعل التعجّب هذا، لا بدّ أن يتخّذ طابعًا ايجابيًّا لا سلبيًّا، لأنه يحمل في خباياه انتفاضة على واقعٍ مرير. ولو أن حماسة نادين تنتقل الى شريحة واسعة من المجتمع اللبنانيّ، لم نكن لنجد آلاف الدراجات الناريّة تجتاج طرقات لبنان... بل وجدنا أن لبنان بألف خير، دون الحاجة لوجود درّاجةٍ ناريّة واحدة في الشارع.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم