الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ديموقراطيّة البلدات والبلديّات

ريمون توفيق حرفوش
A+ A-

"انتخابات بلديّة تشبه اللبنانيّين. الديموقراطيّة راسخة. والطائفيّة راسخة. والعائليّة راسخة.
والحصص موزّعة".
داود الصايغ – النهار، 24/5/2016؛ ص 1 و14.


تعدّدت في السنين العشر الأخيرة الشعارات والحملات والجوائز والحركات والجمعيّات الديموقراطيّة، على سبيل المثال: "البلديّة – نصّ البلد"، و"بلدي بلدتي بلديّتي"، و"جائزة بشارة الخوري للتوعية الديموقراطيّة"، و"مواطنون ومواطنات في دولة"، و"الجمعيّة اللبنانيّة من أجل ديموقراطيّة الانتخابات".
ولئن كان هدفها كلّها مراقبة العمليّة الانتخابيّة البلديّة والنيابيّة، وضبط المخالفات والتجاوزات، قبل الانتخاب وأثناءَه وبعده، لجهة الصمت الانتخابيّ، أو شراء الأصوات، أو تخويف الناخبين والضغط عليهم، أو مراقبة أعمال العنف، وضبط الممارسات القانونيّة والإداريّة واللوجستيّة على أنواعها؛ فهل يمكنها مراقبة الممارسات الخفيَّة غير الـمُعلَنة، والتأكّد من التصرّفات النابعة من ديموقراطيّة راسخة في العقول، ومن دوافع الترشُّح والانتخاب السليمَيْن والصحيحين؟ واختصاراً، هل يمكن هذه الجمعيّات أن تراقب النفوس، ونيات الأشخاص والأحزاب والمرجعيّات، وما يصدر عنها من أعمالٍ وتصرّفات لا تحترم المعايير الإنسانيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والأخلاقيّة أحيانًا؟
إليكم بعضًا من تجلّيات ديموقراطيّة طَفَت على سطح الأحاديث والوقائع الانتخابيّة البلديّة في "بلدتي بلديّتي" الجنوبيّة، من أعمال جزّين، وهي كلّها على سبيل المثال:
1 - ضغطت المراجع السياسيّة الحزبيّة العليا على أحد أفرقاء المعركة البلديّة، فانكفأت النفوس الضعيفة المرتعدة، وتركت الساحة خائفةً مرغمة، فَـزُكِّي فريقٌ على آخر، ولا سيّما أنّ المعركة البلديّة لا تصلح لحسابات انتخابات نيابيّة فرعيّة متزامنة، إذ في لبنان يكون الانتخابُ اختيارًا أو انتقامًا.
2 - نشطَ ناخبٌ من العائلة ذات العدد الأكبر من الأصوات، ليؤلِّف لائحةً منافسةً تصحيحيّة للائحة العتيدة، برئاسة أخيه المربّي المثقّف، خطابه تغيير النهج السابق المتردّي والاعتراض على الأداء الشكليّ والجوهريّ، فانتهى عضوًا وحيدًا يتيمًا راضيًا على لائحة الرئيس السابق المعترِض عليه.
3 - عضو في المجلس السابق، معتكفٌ وغائبٌ لسنواتٍ خمس، اعتراضه ونقمته لأسباب وأسباب، يدخل اللائحة الجديدة برئاسة الرئيس نفسه راضياً مرضيّاً، ولا اعتراض اليومَ أو شكوى.
4 - خمسةُ أعضاء على الأقلّ في اللائحة الجديدة الفائزة يساهمون ماليًّا في مرفق استثماريّ سياحيّ في محميّة البلدة، وعلى المجلس البلديّ اقتطاعُ رسومٍ وضرائب من المرفق المذكور على الأرض المخصّصة المقتَطَعة، والكهرباء، وأعمال التنظيف، والمياه التي عانت البلدة شحّها عند إنشائه. أليس من تضاربٍ واضحٍ في المصالح بين أعضاء يستثمرون وأعضاء يودّون رفد الصندوق البلديّ بموارده الماليّة القانونيّة؟
وثمّة مفارقاتٌ ثلاث طريفة على هامش العمليّة الانتخابيّة البلديّة.
أ - مَن كان يطلب دعم عائلته الكبيرة ويستعطفها زهاءَ شهرين لتأليف لائحة منافسة، يدخل المجلسَ الخصم عضوًا منفردًا (1 من 14) من دون إعلام العائلة الداعمة أو موافقتها أو رضاها، وكأنّي به في العضويّة يمثّل نفسه، وفي تأليف اللوائح والترؤّس يستنهض الهمم.
ب - يترشّح الرئيس السابق لولاية جديدة بمجلس جديدٍ من دون برنامجٍ محدَّدٍ أو مُعْلن، مطبوعٍ أو منشور. ألا تحتاج المجالس المزكّاة إلى برامج؟ أم إنّ "الشخص هو البرنامج" على قول الرئيس الراحل سليمان فرنجية؟
ج - هل يُعتبر مجلسٌ جديد تبدّل تسعةٌ من أعضائه الأربعة عشر (9/14؛ 64% أي الثلثان) مجلسًا نجحَ وأثمرَ وأفلحَ في أعماله؟ علماً أنّ للرئيس القديم - الجديد اعتراضاتٍ وانتقادات وفيتوات على الأعضاء التسعة المنكفئين المـُحجمين، وعلى حضورهم وجهوزيّتهم وجدّيّتهم في العمل؛ وللأعضاء المذكورين ملاحظات وانتقادات على أسلوب الرئيس المجدِّد ونهجه، وعلى خُبرتَيْه القانونيّة والإداريّة، وتأثّره الواضح بالإيحاءات. لعمري، هل تنجح المجالس التنفيذيّة في المؤسّسات الاقتصاديّة والماليّة والإعماريّة برئيسها وحدَه، أم بكفاية المجلس كلّه وتجانسه وأدائه؟ وماذا نقول بالتحديد عن نجاح الفِرَق العسكريّة والرياضيّة والموسيقيّة على هذا الصعيد؟
إنّ الجمعيّات الديموقراطيّة ستجد نفسها مضطرّة يومًا إلى إدراج برامجها وتثقيفها ودروسها في مراحل التعليم المدرسيّ منذ الصغر، فتغدو الممارسةُ نشأةً وتثقيفًا ونهجًا، تتربّى الأجيال عليها وتطبّقها لاحقًا بالممارسة، ولا تأخذها كما في أيّامنا تقليدًا عن مقلِّد أو وراثةً من مورّث.
في الختام، تحيّة صادقة وحارّة إلى شجعان بلدتي الأحرار الأربعة، الفارسِ والطبيبِ والمهندسِ ونصيرة المرأة، الذين خاضوا سابقًا جميعاً معارك بلديّة ديموقراطيّة، ولو خاسرة؛ فبهم وبأمثالهم تبقى ميادين الديموقراطيّة مشرّعة، ويبقى الصوتُ بوجهَيْه معبّرًا ومدوّيًا، ويبقى القلمُ بمعنَيَيه سيّالًا ومرجِّحًا.
عاشت الديموقراطيّة، وعاش أبطالُها ومريدوها، ولو كانوا قلّةً اليوم؛ فالزمن ليس زمنهم، وهو دائمًا إلى تغيّر وتبدّل فأُفول.


سكرتير تحرير مجلّة المشرق البيروتيَّة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم