الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات البلدية وظاهرة الاحتجاج الشعبي المتصاعد

موريس نهرا
A+ A-

حملت الانتخابات البلدية طابعاً خاصاً طغى فيه تحالف ثنائيات سلطوية في معظم المناطق، ولوائح تجمع الاطراف السلطوية كلها في بيروت وطرابلس. هدفها الاساسي اظهار قدرتها في بسط سيطرتها والغاء من يواجهها. ولكن طبيعة العمل البلدي التي تتعلق أساساً بالتنمية والحاجات الاصلاحية المحلية تستوجب الاتيان بالمؤهلين والمهتمين بالقيام بذلك. وهذا ما لم يجد الكثيرون من الناس توافره في الثنائيات السلطوية أو ائتلاف اطرافها، خصوصاً أنّ اهمالها معالجة المشكلات والقضايا التي تهم الناس، أدى الى الوصول الى ما نحن عليه من تراجع وازمات في مختلف المجالات التنموية والاجتماعية والوطنية. وحتى مشكلة النفايات التي فجّرت غضبة شعبية عارمة لا تزال بدون حلول صحيحة، اضافة الى حالة الشلل وتعطيل مؤسسات الدولة. ومن لا يبالي بمشكلات مجتمعه وبلده بالجملة لن يكون صادقاً ومندفعاً للاتيان بمجالس بلدية تتصدر مهماتها اولوية تنموية محلية بالمفرق، وتمثيل صحيح على اساس معايير الكفاءة والنزاهة وخبرة العمل في الشأن العام .


لا شك في أنّ غايتهم الاولى، بعد اضطرارهم الى اجراء هذه الانتخابات، هي الاتيان باتباع لهم واظهار نفوذهم السياسي كمقدمة للانتخابات النيابية .
أمّا الدافع الآخر للثنائيات السلطوية فهو اظهار كل منها انه الممثل الاقوى لطائفته ومذهبه. وهذا العنوان يحمل الانتخابات البلدية عبئاً وغرضاً ليس من طبيعتها، ويوجد مناخاً سلبياً في المجتمع المحلي المتنوع وفي المدى الوطني، ولا يعني ذلك أنّ الشخصيات السياسية التقليدية التي تجهد للحفاظ على نفوذها وموقعها لا تتحمل هي ايضاّ مسؤولية السياسات السلطوية الطائفية الفاشلة، وهي مشاركة فيها، فصراعها مع الثنائيات المتحالفة ليس على أساس المفاهيم الحديثة للعمل البلدي أو الوطني، ولا في برامج ومهمات تلبي الحاجات الانمائية للبلدة والاجتماعية للناس.
كشفت هذه الانتخابات زيف القرار السلطوي بالتمديد للمجلس النيابي بذريعة عدم توافر الظروف الامنية، كما اظهرت عدم قدرة الثنائيات السلطوية او اللوائح الجامعة لاطرافها أن تحدث "تسونامي" جارفاً في المناطق والمدن. ورغم فوزها باكثرية عددية للبلديات، إلاّ أنّ خسارتها في بعض مناطق وبلدات مهمة مثل المتن وتنورين والقبيات ورحبة لها دلالاتها ورمزيتها. وحيث استطاعت هذه الثنائيات والائتلافات الفوز، فانها واجهت صعوبات جدية، وكانت النسب متقاربة بين اللوائح المتنافسة، كما في مدينة جونية وفي بيروت .
وكانت المفاجأة في هذه الانتخابات بفوز معظم اعضاء اللائحة المدعومة من الوزير السابق اشرف ريفي في طرابلس، الذي شكل موقفاً عقابياً للائحة ميقاتي – الحريري – الصفدي، اكثر مما هو تأييدا لمواقف ريفي، وذلك نظراً لاهمالهم طرابلس واحيائها الفقيرة وهم في مواقع السلطة، وهذا ما استغله ريفي ليشن حملته على منافسيه، ليس من منطلق التغيير الاجتماعي، بل بمنحى التشدد والحدة والعصبيات التي ادت الى استبعاد ممثلي الاقليات المسيحية والعلوية خلافاً لتقاليد طرابلس وتاريخها العريق في العيش المشترك. مما يكشف مجدداً خطورة العصبيات الطائفية والمذهبية التي يستولدها نظامنا التحاصصي، وقانوننا الانتخابي الاكثري الذي يقوم على الغاء الآخر وتشويه التمثيل الشعبي .
والظاهرة اللافتة تتعلق بتصاعد الاحتجاج الشعبي في وجه الثنائيات السلطوية والسلطويين والاسقاطات الفوقية، وتجاهل الخصوصيات المحلية، السياسية والانمائية والعائلية. وبروز حضور واسع للحزب الشيوعي اللبناني ودوره مع اوساط مستقلة وديموقراطية وعائلية في عشرات البلدات والقرى، وخصوصاً الجنوبية. ويعود ذلك لتميّز خطه السياسي في الجمع بين دوره المقاوم وترابطه مع قضية التغيير والدفاع عن حقوق ومصالح الطبقات الشعبية والفقيرة، وتحقيق التنمية محلياً ووطنياً.
اكدت نتائج الانتخابات البلدية ضرورة اعتماد قانون انتخاب ديموقراطي على اساس النسبية والدائرة الوطنية وخارج القيد الطائفي. وأنّ القانون الاكثري يفضي الى الغاء الآخر، ويثير محلياً انقسامات وشروخا بين العائلات وداخل العائلة الواحدة، ويجعل تركيب اللوائح على اساس هاجس الاصوات، بعيداً عن معيار الكفاءة والنزاهة، في حين أنّ النسبية تريح الاجواء وتصحّح التمثيل، وتعكس الواقع الشعبي بكل توازناته وتلاوينه.


كاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم