الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

هديّة من غجرية إسبانيّة للبنانيين

المصدر: "النهار"
يارا عرجة
هديّة من غجرية إسبانيّة للبنانيين
هديّة من غجرية إسبانيّة للبنانيين
A+ A-

يبقى الغجر الشعب الأكثر حريّة واستقلالية. ثورة ترقص "الفلامنكو" على موسيقى الحزن والسعادة ولغة تعشق الترحال، فتسافر من فنّ إلى آخر وهي تحمل ذاكرة الماضي، وسيرة حياة لا تعرف الملل والاستقرار أبداً. فمتى اجتمع الرسم بالغجر، تطلق الألوان صرخة المولود الأولى وتحكي الرسوم قصة من نسيج خيال ملهم، تخاطب الروح وتداعب الحواس بشهوانية لا مثيل لها.
وصلت قافلة الغجرية Lita Cabellut إلى بيروت للمرّة الأولى، حاملة معها باقة من الورود ومجموعة من النساء الجميلات، فاستقرّت في الـ Opera Gallery التي أخذت على عاتقها عرض الأوديسة الغجرية بأناقة.



كلّ الحبّ للبنان



تبدو الفنانة الاسبانية العالمية Lita Cabellut فرحة ومندهشة باللبنانيين ومعاملتهم لها، وهي تتحدّث لـ "النهار" عن ظروف مجيئها إلى لبنان، مؤكّدة بكلّ فرح وفخر أنّها لم تختر لبنان: "لبنان هو الذي اختارني. اقترحوا في الـ Opera Gallery عليّ أن أعرض أعمالي لديهم في بيروت ووافقت على ذلك. وقعت في حبّ اللبنانيين الذين يشبهون الشعب الغجري. تنتابني الراحة في لبنان إذ أشعر كما لو كنت هنا في منزلي وموطني". كما أعربت عن إعجابها بالمجتمع اللبناني المتميّز بالعيش المشترك قائلة "من الصعب أن يعيش الفرد بسلام مع كثير من التباين، أن يحارب ليسود التسامح والعيش المشترك، فيكون لكلّ فرد مكانته، لاحظت أنّ هذا الأمر موجود في إرادة الجميع".



من هي تلك المرأة؟



أرادت Cabellut أن تخصّ اللبنانيين بعمل يشبههم، ويحاكي نفوسهم، فنشب بين لوحاتها المعروضة واللبناني نوعاً من السرد العاطفي الذي يحمل دلائل أصرّت الفنّانة أن تظهرها بوضوح لأن "للإنسان مكانة كبرى لدي، ولبنان معروف بالتسامح. فاللبنانيون يعيشون بعضهم مع بعض في السراء والضراء يتقبلون اختلافاتهم كما هي، وخصوصاً في هذه الأيّام الصعبة التي نعيشها اليوم". في كلّ لوحة امرأة تحدّق بالناظر إليها؛ امرأة حزينة وأخرى متباهية. واحدة فرحة وأخرى خالية من الأحاسيس... هنّ غجريات اجتحن القارات والمحيطات واستقررن في وسط بيروت لممارسة سحرهن على الأهالي. اللبناني يستسلم منبهراً بجمال هؤلاء النساء اللواتي يضفين الجمال والحياة والأمل. يقف ليصغي لهمساتهن، وأسرارهن.
في هذا السياق تفسّر Cabellut"أردت أن أجلب معي للبنانيين باقة من الورد ولمسة من الاتحاد والأمل اللتين تجسدهما النساء من خلال قدرتهن على وهب الحياة، والزهور رمز للتجدد والجمال. أردت أن أجمع بين هاتين القوتين من أجل منع النفوس من التفكير بسلبية. يجب التسلّح بالشجاعة لرؤية الجمال وتحسس الإيجابية واكتشاف جمالية الحياة من خلال النظر إلى اللوحات التي تبعث الأفكار الإيجابية". إنّ الإيجابية التي تتحدّث عنها الفنّانة تنطبع بشخصها، فتراها تتنقل في المعرض من مكان إلى آخر وهي تضحك وتمرح. كلّها حياة وأمل، فتراها تشبه نساءها السعيدات في اللوحات والحزينات أيضاً لأنها عانت وهي تخطو أولى خطواتها في الحياة: "في الحياة تجارب عدة يخوضها الإنسان، وهذه آلية طبيعية يعيشها الفرد. علينا أن نثق بالآلية التي هي نحن، لأن السعادة تحرك الجبال، ولكن الخوف والحزن يشلّان الحياة بأكملها. أنا اليوم حصيلة التجارب التي مررت بها، لن ألوم الماضي على المصاعب التي كابدتها لأن هذا الماضي هو أنا وهو من أعطاني الأسلحة لأستمرّ بالحياة".
أرادت Cabellut أن تعطي أهميّة خاصة لجسد المرأة الذي يمنح الحياة: "للنساء قدرة وهب الحياة، وهذا شيء مميز في أن تقدم المرأة جسدها للحياة". هي ليست الفنّانة الوحيدة التي لجأت إلى هذه الوسيلة، لأنّ استعراض الجسد أسلوب قديم تناوله فنّانون عديدون عبر الزمن. جسم المرأة الذي ترسمه Cabellut يعكس الطبيعة، وهو يلاقي أحياناً براءة حوّاء وآدم في قبل محاولة الأخيرة إغواءه. هي أيضاً إلهة الجمال والطبيعة فينوس التي تستعرض مفاتنها من دون حياء أو خجل، وإلهة الصيد ديان التي تركض حرّة طليقة في البساتين والغابات. هنا، يصبح الجمال شيئاً ملموساً يمتّع نظر الزوّار. نزعت الفنّانة عن أكتاف نسائها في أغلب لوحاتها الرداء والملابس، لتدعو المشاهد إلى مغامرة إيروتيكية تنقله إلى عالم الحريّة والسعادة والنشوة. Cabellut تماماً كـ Rubens,Van Dyck, Jordaens, Van Balen, Floris, Janssens، تستحضر جسم المرأة عبر تقنية تتميّز بها وحدها، من أجل بعث الحياة والشهوانية. فاستعراض الجسد هذا يظهر تعددية إمكان تجسيد الجسم الأنثوي، بمعنى، تنوّع تمثيل السعادة والحياة حول الإنسان، لأنّه بإمكان الفرح أن ينبع من كلّ مكان، أن يقدّمه أيّ شخص، وأن يتملّك نعمة الحياة.



Cabellut صحافية القرن الحادي والعشرين



تميّزت النساء في اللوحات بالألوان المزركشة والزاهية. تشرح Cabellut في هذا الإطار أنّها تعمّدت "جذب الأنظار واسترعاء انتباهها تماماً كالطبيعة التي ترتدي الفساتين الملوّنة لإسعاد الجميع". إلاّ أنه على الرغم من البهجة التي ترقص على أنغامها اللوحات، يحضر الأسود بقوّة ليذكّر الإنسان أنّ في الحياة مصاعب أيضاً: "الأسود جزء من الحياة. علينا أن نكون واعين للمصاعب التي تعترضنا". تتمكّن الفنّانة من عرض مسارات الحياة بوساطة تقنية تعتبرها جزءاً منها، ولدت "نتيجة حشريتي ورغبتي في نقل المشاعر والأحاسيس عبر اللوحات. فهي مزيج من تقنيات عدة، حديثة وقديمة". تمتزج لوحاتها بالحياة والفرح كلوحات فنّ الشوارع Street art ورومنسية الفنّان الاسباني غويا في القرن التاسع عشر "ملهمي هو غويا، لأنه يجمع كلّ ما هو هام بالنسبة إلي، كان صحافي عصره ينقل ما يحدث عبر الرسوم". تعتمد Cabellut في لوحاتها الأقصوصة "storyteller" وتقنية الـ " storytelling" وهي بحسب الكاتب كريستيان سلمون، استراتيجية متبعة اليوم للتأثير في الجمهور، اجتاحت كل النواحي الاجتماعية، ليتحول الفنّ نوعاً من السرد. وتقول Cabellut صحافية القرن الحادي والعشرين: "أن أكون فنانة يعني أن أشعر بالناس حولي. لدي رغبة شديدة في إخبار الجميع ما يعتمل في داخلي ومحاكاتهم أفكاري وأحاسيسي. أختار الشخصية التي سترافق سلسلة أعمالي، شخصية واحدة تساعدني في نسج القصة وسردها". لا تدرك Cabellut ما ستحصده بعد انتهائها من الرسم. فريشتها تتوقف عن العمل حين تملي عليها الشخصية ذلك. وتضيف "تعلّمت الرسم قبل أن أكتب وأقرأ. الرسم هو الطريقة التي أقول من خلالها كلّ شيء".



لم تعطِ الشعوب عبر الزمن أهميّة للرسّام ولم تنصفهم، هم من جعلوا الحياة أجمل بألوانهم، فقست عليهم. كمّ من الرسامين رحلوا فقراء وبصمت ولم تعرف الأجيال أعمالهم إلاّ بعد رحيلهم. اليوم ينتشر الرسّامون في أنحاء العالم، بعضهم بات معروفاً فيما البعض الآخر يرسم في الكواليس آلامه. ولكن يبقى التقدير موجوداً، لكنه لا يوازي مجهود هذه الفئة من الفنانين التي ترسم الحياة بكل جمالاتها.


[email protected]


Twitter:@yara_arja

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم