الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ذهبوا إلى عشاء السفارة ورفضوا القدوم إلى الاستوديو: "صُنع في لبنان"

المصدر: "النهار"
إيلده الغصين
ذهبوا إلى عشاء السفارة ورفضوا القدوم إلى الاستوديو: "صُنع في لبنان"
ذهبوا إلى عشاء السفارة ورفضوا القدوم إلى الاستوديو: "صُنع في لبنان"
A+ A-

لم يتراجع سياسيّو الصف الأول في لبنان عن إجراء حواراتهم السياسية مع وسائل الإعلام في بيوتاتهم تذرّعاً بإجراءات أمنيّة تضيّق عليهم الخناق في تحرّكاتهم. لا يهمّ إن تحسّن الوضع الأمنيّ أو ساء. فهذا التقليد بات متحكّماً في أصول إجراء المقابلات، ويدلّ على أهميّة الضيف حيناً وعلى شدّة الخطر الذي يتهدّده ومعه الأمن الوطني والقومي حيناً آخر. أثناء التصوير المباشر نتبيّن البذخ في قصور العائلات السياسيّة المتجذّرة في البلد. لكلّ بيت سياسي زاوية ثابتة لإجراء المقابلات. تعرض فيها أعلام لأجل وطنيّة يصونونها، وكتب للدلالة على ثقافة يجدّدونها، وصور عائليّة تعرّفنا إلى صغارهم الذين سيخلفونهم حتماً بعد عقد أو عقدين من الزمن.


نتفاجأ في سحر ساحر ومن دون أسباب واضحة أن السياسيين يخرجون فجأة من مربّعاتهم الأمنيّة. يزورون الشوارع قبيل الانتخابات. يأتون جميعاً إلى إحدى السفارات للتحلّق حول مائدة عشاء رسميّ من دون تغيّب. تنتفي الأعذار فجأة ويستتبّ الأمن. فلماذا المكابرة على المجيء إلى الاستوديوات؟ هل باتت المقابلات التلفزيونية في المنازل عرفاً لا رجوع عنه؟ وأين خطأ الإعلاميين والمحطات في مجاراة رغبة الزعماء؟


رخص إعلاميّ وتراجع
يعزو الباحث والدكتور في علم الاجتماع السياسي ميشال سبع هذا التقليد إلى "رخص وسائل الإعلام وقلّة احترامها لمكانتها ودورها ما يدفعها إلى نقل عدة الاستوديو إلى منزل السياسي". ويرجّح "أن الخطأ على وسائل الإعلام وليس على السياسيين. ففي الأساس تجري المقابلات خارجاً في حالات الخطر الأمني الشديد أو المرض أو الإعاقة أو إذا كان من نقابله أحد قادة الثوار الخارجين عن القانون. الناس ممتعضة من البرامج السياسيّة والسياسيين بدليل ارتفاع نسب مشاهدة برامج التسلية كما نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة. لبنان مميّز بهذه الظاهرة أكثر من باقي الدول، فالمحطات تبيع نفسها من أجل الإعلانات متراجعة من محطات درجة أولى إلى ثالثة".


أما مستشارة المظهر والصورة كريستينا حجار فتجد أن "المسألة أصبحت اتجاهاً عاماً ينطوي على إهمال السيّاسي موفّراً على نفسه عناء التنقّل. ليس أمراً حسناً لصورة السياسي. الإيجابي هو قرب المشاهد من الزعيم لكن المنزل يبقى شأناً خاصاً، ويُفضّل ألا تدخله الكاميرا إلاّ في البرامج التي تضيء على الجانب الشخصي من حياة المشاهير أو السياسيين".


عرض وطلب وفانتازيا
في اتصال لـ"النهار" يوضح أحد المنتجين في البرامج الحوارية السياسيّة، رفض ذكر اسمه، أن "ثمة سياسيين لديهم عذر أمني، وبعضهم يعتبر نفسه من زعماء الصف الأول والقدوم إلى الاستوديو يقلّل من شأنه. لكننا نعلم أن في الولايات المتحدة مثلاً يأتي الرؤساء والمرشحون إلى الاستوديوات. هذا له علاقة بالثقافة العامة وطريقة تفكيرنا". ألا يمكن الإعلامي رفض الانتقال من الاستوديو؟ "بلى، لكن فلنسأل: إذا كانت البرامج على استعداد لخسارة جمهور معين ومقابلة هامّة مع زعيم من الصف الأول؟ وإذا كان يستحقّ الأمر إزهاق حياة إنسان والمجازفة بأمنه الشخصي؟". من هو صاحب العرض والطلب والقرار في مكان إجراء المقابلة؟ "لكل حلقة حيثيّاتها وظروفها، يحدّد الأمر خلال التحضير للمقابلة. على الإعلامي أن يبادر ويطرح السؤال على الزعيم إن كان مبرّراً إجراء المقابلة في منزله. أما إذا كانت مسألة فانتازيا اعتادها الزعيم فهنا على الإعلامي أن يرفض بإصرار".


Peoplisation من دون حريّة
يرى الأستاذ والباحث في مجال الإعلام الدكتور روي الجريجيري أنه وفق المفهوم السياسي الحديث "أصبح تعاطي الإعلامي مع السياسيّين يشبه تعاطيه مع المشاهير (peoplisation)، إذ يدخل إلى حميميّة المرشّح وديكور منزله أي إلى حياته الشخصيّة. هذه العوامل الخارجيّة المؤثّرة تشكّل جزءاً من صورة السياسي العامّة (ethos) وهي منفصلة عن أفكاره السياسيّة وبرنامجه. صحيح أنّ المقابلة تتمّ بهدف محاكاة جزء من فكر الرجل السياسي، إلاّ أن الإعلامي يبحث في الأساس عن جزء من صورته. وفي الدخول إلى منزله تفرض صورته نفسها وكذلك الديكور، وهذه شخصنة واضحة للسياسي".


ويضيف "في المبدأ لا نستطيع الجزم بمن يجب أن يأتي إلى الاستوديو، فالسؤال يكون وفقاً لطبيعة الحدث: مَن بحاجة لِمن؟ تماماً مثل الحاجة للحديث إلى أحد المصابين أو شهود العيان أو الاختصاصيين حيث نضطر إلى زيارته والبحث عنه". أما لناحية الحريّة المتاحة للإعلامي للحوار في منزل السيّاسي، فيشير إلى "أنه في حال التواجد في منزل السياسي فإن المسافة تتقلّص بينه وبين مُحاوره، وتتراجع قدرة الأخير على المحاججة والاعتراض وطرح الأسئلة المُحرجة. وإذا كانت الوسيلة الاعلامية - بما فيها الاستوديو- هي جزء من المساحة العامّة أو الحيّز العام (espace public) حيث يتفاعل النقاش ويتساوى طرفاه ويحدث ما يُسمّى عصف الأفكار، فإن المنزل هو مساحة خاصّة تنكمش فيها حريّة الإعلامي ويتحدّد النقاش والأفكار".


[email protected] 
Twitter: @ildaghssain


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم