الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

اللعنة لمن لا يتذكر

لور غريّب
اللعنة لمن لا يتذكر
اللعنة لمن لا يتذكر
A+ A-

صباح الخير يا أصحاب المرؤة. أتذكر الآن النكتة التي كان يخبرنا اياها الشاعر الصديق الراحل محمد الماغوط وكنا نضحك حتى الجنون. وتقول الخبرية إن محمد الصغير ذهب الى مدرسة في القرية القريبة من البيت في سوريا ليتعلم "التقاط الحرف"، وكان في الخامسة من عمره.


في اليوم التالي وقبل مغادرة البيت تقدم من والده وقبل يده فصرخ به: "ماذا تفعل يا صبي؟" أُقبِّل يدك يا أبي.


فجحظ عينيه وقال له "يعلمونك الكذب في المدرسة. لن تذهب ابدا الى ايّ مدرسة في الدنيا"


لم يتعلم الشاعر الكبير واللامع، الفريد والمرتجل والحامل التصورات العبثية والواقعية والتجريدية والحنونة. ولن تكفي الاوصاف لتقديم ما أنتجه الشاعر خلال حياته في المدينة التي حضنته غالبية السنوات من حياته وكانت مدينتنا بيروت.


كتب الكثير. اخترع الكثير بقلم ساخر، مختصر ومباشر أحيانًا، وإيحائيًّا أحيانًا أخرى، ومليء بذكريات المآكل عندما كان يجوع.


كان ينادي امي " ام ريمون"، وكانت تغضب وتقول لي لا اريد ان يناديني هكذا، وكنا نضحك جميعًا.


أوّل ما جاء الى بيروت استأجر في شارع الحمرا "دكانة"، حيث كان ينام، واستأجر جهاز راديو لمدة شهر، وكان يدخن كثيرا ويرمي ارضا "القرامي"، وعندما لا يجد سجائر ليدخنها ليلا كان يولع البقاياالمنتشرة ارضا. هذه كانت بداياته في بيروت وفي الستينات.


وذات يوم أعطاه الشاعر الراحل يوسف الخال له ولفؤاد رفقة بعض المال ليمسحوا "الصبابيط" لأننا كنا سنذهب الى زيارة شارل مالك العظيم. ليلى بعلبكي وفؤاد ومحمد (كنا غالبًا معًا في المهمات الصعبة). تجمّعنا في منزل يوسف، وكانت ايامها الفنانة هلن الخال زوجة يوسف الاولى تنزعج من تصرفات الشاعرين، وكانا "نكاية بها" يجلسان أرضًا ويقشّران البرتقال بالاسنان ويرميانه قربهما.


نظر يوسف الى الصبابيط وقال لمحمد وفؤاد: "لماذا لم تمسحاها؟" أجابا "أكلنا بالمصاري فلافل".


لا ادري لماذا اتذكر هذه السنوات البعيدة الآن في مكان بعيد جدا عن الواقع. مات الكثيرون منذ الستينات، واختفت أسماء ولمعت أسماء أخرى، وولدت أسماء وبهتت وتحوّلت بعضها الى ايقونات نعتزّ بها في حركة الشعر الحديث، ونذكر منها انسي الحاج وشوقي ابي شقرا وأدونيس وخليل حاوي وسلمى الخضرا الجيوسي وفدوى طوقان ونازك الملائكة وسواهم.


انا في برلين. في منزل محاط بالشجر وعصافير تزقزق وهدوء تام، مع اننا في الساعة الحادية عشر (توقيت محلي) وحولي حفيداتي التوأم علا ونور. وهذه الاخيرة تأكل الخبز المحمص كالقنفذ لأنها "تفرّم" أسنانها.


ما بالي أمزج الماضي بالحاضر فجأة.


سأتوقّف لأرسل السلام الى من رحل ومن بقي.


 


[email protected]
Twitter:gmail.com.lb


.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم