الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

16 متذكِّراً يضعون الإصبع على الجرح في "وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية" لنبيل المقدّم

جوزف باسيل
16 متذكِّراً يضعون الإصبع على الجرح في "وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية" لنبيل المقدّم
16 متذكِّراً يضعون الإصبع على الجرح في "وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية" لنبيل المقدّم
A+ A-

حوادث كثيرة عايشناها بحكم عملنا في "النهار"، لكن خلفيّات كثيرة وتفاصيل لم نعرف بها، يطلعنا عليها كتاب "وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية" لنبيل المقدم. 16 متذكّراً، لديهم زبدة الحوادث، من العسكريين: ابرهيم طنوس، نبيل قريطم، لطفي جابر، فهيم الحاج، أحمد الخطيب، شريف فياض، رياض تقي الدين، انطوان الدحداح، هشام جابر. ومن الحزبيين: اسعد شفتري، فؤاد ابو ناضر، رياض رعد، شارل غسطين. ومن السياسيين: جوزف الهاشم، عصام نعمان، وعمر مسيكة.


استوقفني غنى المعلومات العسكرية والأمنية لدى ابرهيم طنوس الذي أسّس "تجمّع عسكريي زحلة" بعد سقوط ثكنة أبلح في يد المنظّمات الفلسطينية، ثم ساعد القوات السورية في الانتقال من البقاع إلى بيروت، وفي خروج كتيبة سورية من مخيم تل الزعتر قبل الهجوم عليه لإسقاطه في العام 1976. بالرغم من هذه المساعدة تعرضت قواته لقصف مدفعي سوري لمدة ساعتين حين حاولت التوجه من زحلة إلى صنين. شارك في معركة المئة يوم في الأشرفية ودرّب كوادر "القوات اللبنانية"، وامتنع عن ذلك حين فجّرت "القوات" عبوة ناسفة بسيارة فؤاد بطرس، لكنه نجا فخطفت مرافقه الملازم قزحيا شمعون وقتلته، ورداً على ذلك قاطع بشير الجميل حتى ولادة ابنته مايا، فزاره مهنئاً، فقال له بشير: "عليك أن تختار بيني وبين شقيقي أمين، وإذا اخترته فإنك تعرف جيداً ما يمكن أن يحلّ بك".
انتقل طنوس الى نهر ابرهيم خوفاً من بشير الذي استدعاه بعد ثلاث سنوات وطلب منه "مساعدته في القيام بانقلاب عسكري على الياس سركيس وأخبره أنه سبق وعرض الأمر على المقدم ميشال عون الذي أبدى استعداده لقيادة الانقلاب، إلاّ أنه شخصياً لا يثق بأهليّة عون للقيام بمثل هذه المهمة". فرفض طنّوس. وبعد انتخاب بشير رئيساً رفض تعيين طنوس قائداً للجيش قائلاً أنه "ضابط ممتاز، لكن مشكلته أنه لا يخضع".
إنّ الأميركيين بشكل قاطع يتدخّلون في اختيار رئيس جمهورية لبنان، ويهتمون كثيراً بقائد الجيش، لذلك اعترضوا على تعيين حبيب فارس قائداً، ورفض طنوس أن يكون مديراً للمخابرات، لكن الأميركيين فضّلوه قائداً. واختار فارس أن يكون مستشاراً في القصر الجمهوري، فقال له طنوس: "انت لا تعرف أمين الجميل جيداً، كان الأفضل لك أن تظل بعيداً عنه، فمن يقترب منه كثيراً يحترق. وإن خيارك أضعف فرصك في الوصول الى منصب قائد الجيش".
اقترح طنوس على الجميل أسماء العمداء: ايلي حايك، اميل لحود، وعامر شهاب ليختار منهم مديراً للمخابرات، وعزا اختيارهم الى أنهم "ضباط أوادم وليس لهم في تركيب الفخاخ للناس، وهم قادرون على بناء جهاز مخابرات نظيف". لكن الجميل اختار سيمون قسيس، فقال له طنوس إنه "ضابط طيار لا يرى الأمور على الأرض بشكل جيد، وستثبت لك الأيام ذلك".
اختلف الجميّل وطنّوس على تعيين قادة الألوية، فأصر قائد الجيش على انها من صلاحياته، وتمسّك الجميل بتعيينهم بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، ولما احتكم طنوس الى السوريين أيّدوه، وبعد عودته من دمشق اتصل به رئيس الحكومة شفيق الوزان، وأبدى عتبه عليه لتوجّهه الى دمشق لحل مسألة يمكن حلّها في بيروت، فذكّره طنوس بموقفه بتعيينهم في مجلس الوزراء. ففوجئ الوزان بهذا الكلام وتعجّب، ثم قال: "اذهب وعيّن من تشاء". وفي الحديث عن أمين الجميل لا ينسى صفقة مروحيات "البوما"!
كيف خسر طنوس عينه؟ لماذا التقى المبعوث الاميركي روبرت ماكفرلين وليد جنبلاط في منزل منعزل في الشويفات ليلاً؟ ما هي المعلومات عن تفجير السفارة الأميركية في عين المريسة 1983؟ من هو المصري سامي الحاجي؟ وما هو دوره في تفجير السفارة، ولمصلحة من؟
إدعى الحاجي الذي كان يعمل لحساب المخابرات السورية أنه شارك في نسف السفارتين العراقية والفرنسية واغتيال بشير الجميل، ثم اعترف أنه فجّر السفارة الأميركية. وتبيّن أن أشخاصاً من داخل السفارة كانوا يزوّدونه المعلومات، وأنه يتلقّى تعليماته من ضابط في فرقة "سرايا الدفاع" التابعة لرفعت الأسد، ولا علم لحافظ الأسد وأجهزتها بها، وأنها نفّذت "لحساب جهات غير سورية". في التحقيق مع الحاجي عن علاقته باغتيال بشير الجميل، أدلى بمعلومات عن شخص يدعى الياس النمر كان يعمل في جهاز أمن "القوات اللبنانية" وقال إنه كان صلة الوصل بينه وبين رئيس جهاز الأمن إيلي حبيقة. اعتقل النمر واقتيد الى وزارة الدفاع للتحقيق معه، وبعد أيام عثر عليه ميتاً في زنزانته، ولم يتوصّل الأطباء الى تحديد سبب وفاته بالرغم من تشريح جثته.
ويروي طنوس نقلاً عن ضابط شارك في دورة في الولايات المتحدة أن محققي الـ"أف بي أي" صفّوا النمر، لئلا يبوح بمعلومات لا تريد المخابرات الأميركية أن يكشف عنها تتعلّق باغتيال بشير. وبقي الحاجي في سجن رومية حتى العام 1990، ثم هرّبته القوات السورية مع حبيب الشرتوني عندما اجتاحت المنطقة الشرقية بعدما أطاحت ميشال عون.
ويتذكّر طنوس أنه خلال مراحل مفاوضات اتفاق 17 أيار، أبدى تخوّفه من أن يعرقل سعد حداد تنفيذ الاتفاق، فأجابه ضابط أميركي: "لن يبقى سعد حداد حيّاً حتى تلك المرحلة". وبعد أيام على ذلك الحديث اتصل أحد الأطباء اللبنانيين العاملين في مستشفى مرجعيون بقائد الجيش وأخبره أن بقعاً حمراء ظهرت فجأة على رقبة سعد حداد وتبيّن بعد الفحص أنها تشير الى وجود أعراض مرض السرطان.
يبدو أن أساليب الأميركان لا تختلف، فاذا لم يسيطروا على السلطة السياسية يحضّرون لانقلاب عسكري عليها، وهذا ما حاولوه مع طنوس، إذ وضعوا خطة لإزالة الجميل من الحكم واحلاله مكانه بدعم كامل من الادارة الأميركية، بذريعة أنه فشل بادارته السياسية في أن يكون مقبولاً من دمشق. وتبيّن له لاحقاً أنه لا يمكن الوثوق بالأميركيين ما اضطرّه للقول لهم: انتم والاسرائيليون لا تزالون مع سوريا ضدنا وانتم تلعبون معنا لعبة مزدوجة.
ويحمِّل طنوس أمين الجميل المسؤولية السياسية عن معارك الجبل وتهجير المسيحيين منه لأنه رفض الاستماع الى مطالب وليد جنبلاط وشيخ العقل محمد ابو شقرا. ويحمّل "القوات" المسؤولية العسكرية، والعدو الاسرائيلي دوره في استشراء الفتنة، والأميركيين في السكوت عنها. والحزب الاشتراكي تصدّى للجيش لمنعه من الانتشار في الجبل بطلب من السوريين وتحريض من اسرائيل.
قبيل سقوط الشحار الغربي تلقى طنوس اتصالاً من المقدّم عادل أبو ربيعة (اغتيل لاحقاً) يبلغه فيه أن المقدم ن. ك قبض 500 ألف ليرة من الحزب الاشتراكي لتسهيل سيطرته على المنطقة فحمل حقيبة بالمبلغ وذهب اليه وواجهه بالخبر، فلم يستطع الانكار، فدفع اليه الحقيبة لكنه لم يدرك ان النقيب وليد سكرية سيكون "حصان طروادة" الشحار الغربي. أما من ساهم في خسارة المعركة فهو تشويش الأسطول السادس الأميركي والبوارج الاسرائيلية، على اتصالات الجيش.
بعدما اتخذ مجلس الوزراء قراراً بإعفاء طنوس من مهمّاته في قيادة الجيش "بضغط من السوريين" وعيّن عون مكانه، زاره ضابط أميركي وسلّمه ورقة عليها أرقام حسابات مصرفية في مصارف سويسرية تبلغ قيمتها سبعة وأربعين مليون دولار أميركي وهي تخص موظفاً في احدى البلديات. فسأل طنوس عن مصدر هذه الأموال الضخمة لموظف بسيط، فأوضح له "أن هذه الأموال وإن كانت مودعة باسم هذا الموظف، انما هي تخص شقيقه الضابط في الجيش الذي كان على خلاف دائم معه، وقد حاول اكثر من مرة تدبير محاولة اغتيال له".


مخيم تل الزعتر
في موضوع تل الزعتر يقول رياض رعد انه فيما كانت خطة تعدّ لفك الحصار عنه، "كان ياسر عرفات يعقد اتفاقاً من تحت الطاولة مع حزب الكتائب جرى بموجبه تهريب المقاتلين الفلسطينيين المحاصرين داخل المخيم عن طريق المونتيفردي، ما أدى الى سقوطه في أيدي ميليشيات "الجبهة اللبنانية". كذلك يتهم ياسر عرفات بعرقلة جهود المصالحة بين كمال جنبلاط وحافظ الأسد، لأن عرفات كان يعتبر جنبلاط ورقة في يده يضغط بها على النظام السوري. و"اننا (الكلام لأبي علي مهدي بسيسو) مستعدّون لاستعمال القوة لمنع المصالحة إذا لزم الأمر".
في هذا السياق، ينقل رعد عن القاضي ر. ط. أن تقريراً سرياً وصل إلى المحكمة العسكرية في بيروت، يتضمن معلومات بأن المخابرات السوفياتية هي وراء تصفية الأمين العام لمنظمة الصاعقة الفلسطينية زهير محسن في مدينة كان الفرنسية عام 1979 لضلوعه في عملية اغتيال كمال جنبلاط الذي كان يحمل وسام لينين. ويعتبر محسن من الأشخاص المقربين لرفعت الأسد. ويضيف رعد أن حافظ الأسد فوجئ باغتيال جنبلاط، "وهو شكّل أحد أسباب الخلاف بينه وبين شقيقه رفعت". يقول رعد أن وليد جنبلاط تلقى تهديدات من بشير الجميل بتصفيته إذا قرّر البقاء في بيروت بعد الانسحاب الفلسطيني. ولاحقاً، يوضح أن الرئيس الأسد وافق على فكرة التفاهم مع عون فأجرى رعد سلسلة لقاءات معه "كانت توحي بإمكان التوصّل إلى قواسم مشتركة... ولكن فجأة تغيّرت الأجواء وانقلبت الأمور رأساً على عقب، وذلك عندما انهمرت القذائف على منطقة الأونيسكو صبيحة يوم 14/3/1989 وأدت الى مقتل أكثر من أربعين مواطناً، وسرعان ما تبيّن أن مصدر القصف هو مدفعية "القوات اللبنانية" في الشرقية، وان القصف جاء بناء على طلب أميركي من سمير جعجع بهدف تعطيل التفاهم بين سوريا وعون".
كان عبد الحليم خدّام يحاول عرقلة أي تقارب بين القيادة السورية وعون. في احدى المرّات طلب من صحافي سوري يقيم في لبنان يدعى أبو منير الحصول على تصريح من رياض رعد يهاجم عون، فقال له: "إذهب الى خدّام وقل له إن رياض لا يعمل شتاماً بالأجرة، ونقطة على السطر". وقد عمل رعد لدى المسؤولين السوريين على عودة عون الى لبنان عام 2005 فوافقوا، لكن المسؤولين اللبنانيين رفضوا، وفي مقدمهم رفيق الحريري.


بري رئيساً لـ"أمل" ولمجلس النواب
يروي هشام جابر أدوار "المكتب الثاني" في التدخلات السياسية خصوصاً، ما شاهده في القاع، وما يشهد عليه من تسلم حزب الكتائب سلاحاً من السعودية عام 1974، وعلاقته ببعض قادة الجيش ومديري المخابرات، وبالصحافي سليم اللوزي الذي "تبيّن من التحقيق أن الزعيم الليبي معمر القذافي طلب من أحد التنظيمات الفلسطينية تصفية سليم اللوزي لقاء مبلغ كبير من المال، وأن العملية تمّت بالتعاون مع جهاز مخابرات عربي". ويشهد على قسم من التدخلات السورية في السياسة اللبنانية وتفاصيلها الادارية، كاجبارهم تقي الدين الصلح على الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، حتى بلغ الأمر اطلاق النار فوق رأسه. وعلى بداية الفساد من صفقة بيع طائرات الميراج 3. وما هو مصير الأموال التي كانت مودعة لدى شركة الأسلحة الفرنسية "ديبون"؟
أدى جابر دوراً في انضاج طبخة وصول والد زوجته حسين الحسيني الى رئاسة مجلس النواب من خلال الاتصالات بعدد من النواب، بالتعاون مع مدير المخابرات سيمون قسيس. حاول نبيه بري رئيس حركة "أمل" قطع الطريق على الحسيني بترشيح عادل عسيران "لكن هذا المسعى لم ينجح بسبب وجود اتفاق مسبق بين أمين الجميل وحافظ الأسد على اسم الحسيني". بعد انتخاب الحسيني رحّب بري به قائلاً "إنه ابن حركة أمل"، فعلّق الحسيني: "من المؤكّد انني ابن حركة "أمل"، لكن من المؤكد أيضاً أن نبيه بري ليس والدها". بعدما اختلف الحسيني مع ياسر عرفات الذي وجّه دعوة الى معمر القذافي لزيارة لبنان، ووقوع اشتباكات بين "فتح" و"أمل"، حاول السوريون اجراء "تفاهم" بين الطرفين فرفض الحسيني، مفضلاً الاستقالة، فتلقّفها برّي وأعلن ترشيحه بدعم من الفلسطينيين والسوريين وبمسعى من محمود مطر الذي لعب دور الوسيط، ورافقه الى اجتماع مع محمد غانم. لكن الجرة انكسرت بين السوريين والحسيني عندما قرر منفرداً الغاء "اتفاق القاهرة" وعيّن جابر ملحقاً عسكرياً في باريس، فأجرى اتصالات بشخصيات هناك للضغط على الحكومة الفرنسية لرفع الحظر عن المساعدات العسكرية للجيش، وهكذا تقرّر ايفاد وفد أمني للقاء القادة العسكريين والأمنيين. بوصول جابر الى اليرزة وجد قائد الجيش اميل لحود ونائب مدير المخابرات "في حالة ارباك، لأنهما لم يكونا يريدان لزيارة الوفد الفرنسي أن تتم قبل أن تعلم بها دمشق. وفي أثناء تداول كيف ستحل المشكلة اتصل غازي كنعان بلحود وابلغ اليه أن الوفد موجود عنده في عنجر، وأنه سيرافقه الى بيروت".
على رغم تعيين جابر مديراً للادارة في الجيش، راجع لحود في شأن وعده له بتعيينه سفيراً في الخارج، ولمّا لفته الى تعيين ريمون روفايل سفيراً في تونس، قال له: "عليك مراجعة نبيه بري وغازي كنعان". ويروي جابر كيف تألب رفيق الحريري وغازي كنعان وعبد الحليم خدام على الحسيني لاسقاطه في الانتخابات، بعدما رفض مشروع الحريري لضم النورماندي الى "سوليدير". لكنه فاز مع يحيى شمص من لائحته، فألّب عليه حافظ الأسد لاخراجه من رئاسة مجلس النواب. وهكذا عزف عن ترشحه، فخلفه بري.
يروي جابر أنه بعد الانتخابات النيابية عام 2005، وعندما أحسّ بري "أن عودته الى رئاسة المجلس النيابي لم تعد مضمونة اتصل بالأميركيين وأقنعهم بأنه الوحيد على الساحة الشيعية القادر على مواجهة "حزب الله" كما اتصل بكل من طهران ودمشق لاقناعهما بأن غيابه عن رئاسة المجلس سيفقدهما حليفاً قوياً على الساحة اللبنانية، وخصوصاً الشيعية". وينقل جابر عن فيلتمان قوله "إن القرار بإعادة انتخاب بري جاء من وزارة الخارجية الأميركية، التي بعدما حزمت أمرها بتأييد بري أبلغت رغبتها الى المملكة العربية السعودية التي طلبت من سعد الحريري اعلان تأييده لبري".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم