الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مهرجان "كانّ 69" اختُتِم أمس \r\nدولان يواجه المسكوت عنه وفرهوفن يستفز وأرنولد صوّر الهامش

مهرجان "كانّ 69" اختُتِم أمس \r\nدولان يواجه المسكوت عنه وفرهوفن يستفز وأرنولد صوّر الهامش
مهرجان "كانّ 69" اختُتِم أمس \r\nدولان يواجه المسكوت عنه وفرهوفن يستفز وأرنولد صوّر الهامش
A+ A-


في مهرجان كانّ (11 - 22 الجاري) هذه السنة، أفلام وضعتنا في مزاج صعب، ملقيةً بنا تحت تأثير جوّ ضاغط يهيمن على النصّ السينمائي من أقصاه إلى اقصاه. أحد هذه الأفلام "فقط نهاية العالم" للمخرج الكندي الشاب كزافييه دولان، وهو عمل ثرثار لا أستطيع القول إنني استمتعتُ به. هكذا أيضاً فيلم الروماني "المسعفَن" كريستيان مونجيو، "بكالوريا". فيلمان لا يمكنك إلا أن ترفع لهما القبعة، لكنك ستفكّر مرات قبل أن تنصح صديقاً بمشاهدتهما.


يحتاج الواحد منّا إلى جهد وتركيز كبيرين لالتقاط التفاصيل الضرورية لفهم القصة ومتابعة الحوارات الطويلة والدخول إلى عمق النصّ الذي يعطي انطباعاً بأنه يهرب منك كلما اقتربتَ منه. بديهي جداً أنّ المخرج - في هاتين الحالين تحديداً - يتوجه إلى جمهور محدود النطاق والاهتمام (الـ"هابي فيوز") عليه أن يمرّ عبر درب الجلجلة لالتقاط شيء من السينما. اللافت أنّ المهرجان كان بدأ بملاحظة وردت في فيلم وودي آلن، "كافيه سوسايتي"، على لسان بطله، مفادها أنّ "الحياة كوميديا من تأليف كاتب سادي". وها إننا نكتشف بعد أيام قليلة أنّ الحياة ألّفها سادي، لكنها بعيدة كلّ البعد من الكوميديا، أقله من منظور المخرجين المذكورين أعلاه. علة أخرى تعتري التشكيلة الرسمية في هذه الدورة: الأفلام طويلة جداً، وثرثارة، وبعضها يحتاج إلى إعادة النظر في توليفاتها. إنّه زمن الديجيتال، حيث تخزين المادة المصوّرة في قرص لا يكلّف كما كان يكلّف التصوير أيام الشريط الخام.
دولان، ابن السابعة والعشرين، يأتينا بفيلم جديد في المسابقة بعد سنتين فقط من نيله في كانّ جائزة لجنة التحكيم مناصفةً مع جان لوك غودار عن "مومي". البصمة جاهزة منذ اللقطة الافتتاحية، أجواءً وتمثيلاً وإخراجاً وحوارات. دولان مخرج ينضج على مرأى منا. موهبته لم تعد تحتاج إلى نقاش. المشكلة هنا أنّه يقدّم فيلماً خارج الزمن و"متعباً". ليس المقصود بالتعب الإرهاق الذهني الذي يهدف إلى إحاطة المُشاهد بكلّ ما تعانيه الشخصيات على الصعيد النفسي. فالفيلم مقتبس من مسرحية لجان لوك لاغارس (1957 - 1995) وضعها قبل خمس سنوات من موته بالسيدا. هذا يعني اننا أمام مسرح مصوّر إلى حدّ ما، حيث الحوادث تتحرّك داخل فضاء مقفل، وإن حاول دولان الخروج منه عبر بعض لقطات التهوئة، إلا أنّ المحاولات الخجولة لم تنتشله من سمته الممسرحة الطاغية جداً.
الفيلم عن كاتب مصاب بمرض قاتل (السيدا؟)، يعود إلى عائلته التي تقطن في الريف بعد 12 سنة من الغياب عنها، ليخبر أفرادها عن موته القريب. عندما نقول "ليخبر"، نجدنا نبالغ ربما في استعمال الكلمة، ذلك أنّه رغم الأحاديث الطويلة والمتداخلة التي يتشبع بها الفيلم، ليس ثمة ما يشير بوضوح الى المرض ولا إلى كلّ هذا الموت المعلن! انها لغة الإيحاءات والمسكوت عنه.
■ ■ ■
بول فرهوفن ختم صباح أمس مسابقة المهرجان بـ"هي"، حيث قدّمت ايزابيل أوبير جرياً للعادة أداء متقناً هو خلاصة السمات التي تراكمت في شخصيتها دوراً بعد دور (ولا سيما عند هانيكه وشابرول)، وسمات جديدة ظهرت للمرة الأولى مع وقوفها المثير أمام كاميرا المخرج الهولندي الكبير الذي "فرّ" من هولندا إلى أميركا، ثم "فرّ" من أميركا إلى فرنسا، في نوع من "هجرة سينمائية" موقتة. وها انه يعود إلى الشاشة الكبيرة بعد عشر سنين صمتاً، فآخر فيلم له كان "كتاب أسود" عن حكاية تجري خلال الحرب العالمية الثانية. جديده مقتبس من رواية لفيليب دجيان، "أوه..."، كاتب فرنسي سبق أن نقل احدى رواياته المخرج جان جاك بينيكس في "37,2" درجة مئوية صباحاً.
أولاً، لا بد من قول كلمة عن أوبير - الفائزة مرتين في كانّ بجائزة التمثيل - في معرض الحديث عن هذا الفيلم الجريء. فلو اضطلعت أوبير بدور حكاشة اسنان، ستفعلها بتفانٍ ورقي. فرهوفن أدرك ذلك وأسند لها دور سيدة ستينية تتعرض للاغتصاب في بداية الفيلم، الا ان الحدث يأخذ منحى مختلفاً عما نتوقعه ونراه عادة في الأفلام، مع "المتعة" التي تجدها شخصية أوبير في "المحنة" التي تعرضت لها، حد انها ترفض رفضاً قاطعاً الخضوع للاجراءات القانونية ورفع شكوى عند الشرطة. كلّ شيء في "هي" برائحة الكبريت المشتعل. رغم سنواته السبع والسبعين، لم يملّ فرهوفن الاستفزاز الذي كان دائماً على موعد معه في أفلام مثل "ستارشيب تروبرز" و"فتيات الاستعراض" و"غريزة أساسية" المعروض في كانّ قبل 24 عاماً، ويومها أطلق شارون ستون رمزاً للجنس والشهوة. هذا من أكثر أفلام المسابقة (مع "شيطان ضوء النيون" لنيكولاس فيندينغ رَفن) انتهاكاً للقوالب الاجتماعية المعمول بها. كان فرهوفن ينوي (بطلب من المنتج سعيد بن سعيد) تصوير الفيلم في أميركا، الا انه لم يجد ممثلة أميركية تقبل بتجسيد الشخصية التي لا تخرج عن المألوف فحسب، بل تذهب بعيداً في فرض منطق خاص بها. شخصية كهذه أميركا ليست جاهزة لها بعد.
الحكاية برمتها هي عن ميشيل (أوبير)، سيدة أعمال بورجوازية تبدو لوهلة صلبة، لا شيء يهزها. فهي تتولى ادارة شركة لألعاب الفيديو. في يوم، يقتحم بيتها رجلٌ ملثم ويعتدي عليها جنسياً، ليبدأ مذذاك رحلة ميشيل في البحث عن هوية المعتدي. رحلة لا تنفك تتحول إلى تجاذب بين قط وفأر، تجرّ خلفها سادية واستيهامات جنسية، على شاكلة تلك الألعاب الفيديوية العنيفة التي تشرف على تصميمها. هناك تفصيل مهم في الحكاية: والد ميشيل ارتكب في الماضي جريمة فظيعة زُجّ به على أثرها في السجن. جريمة مروّعة ظلت تلازم عقل ميشيل وضميرها. جمال "هي" يقتصر على ان فرهوفن يصوّر هذا كله بدون أي مقاربة أخلاقية للموضوع، الأمر الذي أثار وسيثير حفيظة حرّاس الأخلاق الحميدة الذين يبحثون عن "درس" في كلّ شيء، الا ان الدرس لسوء حظهم لا يحبّه السينمائيون الكبار!
نحن ازاء سينما منحرفة، تقول كلمتها وتمشي، لا تشرح ولا تعلن موقفاً ولا تدين ولا تبرر ولا شيء من كلّ الذي ترتكبه بعض السينمات التجارية. "هي" من الأفلام التي تتجرأ على النظر إلى حادث خطير من منطلقات أخرى، غير تلك التي عهدناها، ولا تخشى الاضحاك من دون الوقوع في فخّ التسخيف. مع فرهوفن، لم نكن نتوقع أقل من فيلم يجاري صيغته الفنية المفضلة من جنس وعنف ومشاعر مكبوتة، المطعمة بالكثير من البسيكولوجيا، فما بالك اذا تكاتف مع أوبير التي توّظف كلّ ما سبق وذكرناه كي تتحرر من كلّ الضغوط، وفي مقدمها طيف الوالدين الثقيل، أي من الأب القاتل والأم المتصابية، ثم من طليق مكتئب، ومن كلّ تداعيات العيش في "حماية" العائلة. ينجز فرهوفن فيلماً متفلتاً من كلّ منطق، غير سليم بالمعنى السياسي، لكن في النهاية ما يهم هو النتيجة: فبقدرتها على استيعاب الحدث، تتحول ميشيل من شخص خاضعة إلى شخص ةتحكم برغباتها وتمسك بزمام المصير. وهذا يتطلب التفكير خارج الاطار الاجتماعي والاخلاقي والقانوني.
■ ■ ■
"أميركان هَني" يبهر بديناميكيته ويتبنى خطاباً مشاكساً. ثالث مشاركة للمخرجة البريطانية أندريا أرنولد في مسابقة كانّ لم تُحدث إجماعاً، فانقسم حولها النقاد، مثلما انقسموا حول العديد من الأفلام في هذه الدورة. نحن من الذين أبهرهم هذا العمل المتكامل العناصر، حيث تولد من رحم كلّ لحظة، لحظة أخرى أكثر تكاملاً. أرنولد، صاحبة "صندوق السمك"، تمرّ طريقها هذه المرة في أميركا. أميركا تلك بطرقها التي لا تنتهي، بجنونها المتفلت، بموسيقاها الصاخبة، بشبابها الحرّ. هذا "رود موفي" مشبع بأغنيات البوب والروك، بالهلوسة والمجون والجنس وأشياء أخرى تعترض الطريق التي يسلكها الأبطال. أسلوب التصوير جذري، فيه استخدام مفرط لانقطاعات النبرة في المونتاج. الفيلم يأخد الطريق مسرحاً له، لكنه لا يتماهى كلياً مع التقليد الأميركي العريق. فهناك تجديد ونفحة حرية وخروج عن الدروب المطروقة، بقدر ما كان في "ايزي رايدر" لدنيس هوبر من هذا كله يوم خرج إلى العلن. لاري كلارك وهارموني كورين وصوفيا كوبولا يحضرون كلهم في هذا الفيلم الذي يحاول تدوير هذه الأسماء بإصرار على هضم الأسلوب. أرنولد تمنح مساحة تعبير للشباب الأميركي المهمش الذي لم يحظَ بفرصة الالتحاق بكبار الجامعات والتمتع بحياة ميسورة. الموسيقى هنا حضن، الجنس بدعة، الحبّ خلاص. وسط كلّ هذه الفوضى، تجد أرنولد ما تقوله.
كلّ شيء يبدأ مع انضمام فتاة اسمها ستار (ساشا لاين) إلى شلّة مراهقين يجوبون المناطق لبيع اشتراكات لمجلات. نشاهد عبورهم الغرب الأوسط الأميركي (الأكثر تخلفاً في أميركا) بسيارات الفان، مُحدثين صخباً رهيباً. يقيمون في فنادق رخيصة ويسهرون حتى بزوغ الفجر. يمتدّ الفيلم على نحو ثلاث ساعات، ويعمل بمنطق التراكم الكيفي والكمي، ثم لا يلبث أن يتحول إلى وثائقي عن بزنس متنقل علمت عنه المخرجة من مقال نُشر في "نيويورك تايمس" العام 2007. الفيلم يتطور بإيقاع متقطّع وسريع، مكرور أحياناً، كنوع من تأكيد للشيء. في هذا الوسط المراهق، تنشأ علاقة بين ستار وأحد الباعة في الشلة (شيا لابوف)، علماً أنّ الأخير دلوع الرئيسة المستبدة التي تشرف على عمليات البيع واختيار الباعة. تحسن أرنولد توظيف هذه العلاقة في إطار الحكاية العريضة، وتتيح مجالاً لبعض المَشاهد الجنسية المبهرة، كتلك التي تجري فصولها على العشب.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم