السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كانّ ٦٩- "هي" آخر أفلام المسابقة: بول فرهوفن يستفزّ حراس الأخلاق الحميدة!

المصدر: "النهار"
كانّ ٦٩- "هي" آخر أفلام المسابقة: بول فرهوفن يستفزّ حراس الأخلاق الحميدة!
كانّ ٦٩- "هي" آخر أفلام المسابقة: بول فرهوفن يستفزّ حراس الأخلاق الحميدة!
A+ A-

بول فرهوفن ختم صباح أمس مسابقة #مهرجان_كانّ (١١ - ٢٢ الجاري) بـ"هي"، فقدّمت ايزابيل أوبير، جرياً للعادة، أداء متقناً هو خلاصة السمات التي تراكمت في شخصيتها دوراً بعد آخر (لا سيما عند هانيكه وشابرول)، وسمات جديدة ظهرت للمرة الأولى مع وقوفها المثير أمام كاميرا المخرج الهولندي الكبير الذي "فرّ" من هولندا إلى أميركا، ثم "فرّ" من أميركا إلى فرنسا، في نوع من "هجرة سينمائية" موقتة. وها إنّه يعود إلى الشاشة الكبيرة بعد عشر سنوات من الصمت، فآخر فيلم له كان "كتاب أسود" عن حكاية تجري خلال الحرب العالمية الثانية. جديده مقتبس من رواية لفيليب دجيان، "أوه..."، كاتب فرنسي سبق أن نقل إحدى رواياته المخرج جان جاك بينيكس في "٣٧.٢ درجة مئوية صباحاً".



أولاً، لا بدّ من قول كلمة عن أوبير - الفائزة مرتين في كانّ بجائزة التمثيل - في معرض الحديث عن هذا الفيلم الجريء. فلو اضطلعت أوبير بدور عود أسنان، ستفعلها بتفانٍ ورقي. فرهوفن أدرك ذلك، وأسند لها دور سيدة ستينية تتعرض للاغتصاب في بداية الفيلم، إلا أنّ الحدث يأخد منحى مختلفاً عما نتوقعه ونراه عادة في الأفلام، مع "المتعة" التي تجدها شخصية أوبير في "المحنة" التي تعرّضت لها، حدّ أنّها ترفض رفضاً قاطعاً الخضوع للاجراءات القانونية ورفع شكوى عند الشرطة. كلّ شيء في "هي" برائحة الكبريت المشتعل. رغم سنواته السابعة والسبعين، لم يملّ فرهوفن الاستفزاز الذي كان دائماً على موعد معه في أفلام مثل "ستارشيب تروبرز" و"فتيات الاستعراض" و"غريزة أساسية" المعروض في كانّ قبل ٢٤ عاماً، ويومها أطلق شارون ستون رمزاً للجنس والشهوة. هذا من أكثر أفلام المسابقة (مع "شيطان ضوء النيون" لنيكولاس فيندينغ رَفن) انتهاكاً للقوالب الاجتماعية المعمول بها. كان فرهوفن ينوي (بطلب من المنتج سعيد بن سعيد) تصوير الفيلم في أميركا، إلا أنّه لم يجد ممثلة أميركية تقبل بتجسيد الشخصية التي لا تخرج عن المألوف فحسب، بل تذهب بعيداً في فرض منطق خاص بها. شخصية كهذه أميركا ليست جاهزة لها بعد.


الحكاية برمتها هي عن ميشيل (أوبير)، سيدة أعمال بورجوازية تبدو لوهلة صلبة، لا شيء يهزّها. فهي تتولى إدارة شركة لألعاب الفيديو. ذات يوم، يقتحم بيتها رجلٌ ملثم ويعتدي عليها جنسياً، لتبدأ مذذاك رحلة ميشيل في البحث عن هوية المعتدي. رحلة لا تلبث أن تتحول إلى تجاذب بين قطّ وفأر يجرّ خلفه سادية واستيهامات جنسية، على شاكلة تلك الألعاب الفيديوية العنيفة التي تشرف على تصميمها. ثمة تفصيل مهم في الحكاية: والد ميشيل ارتكب في الماضي جريمة فظيعة زُجّ على إثرها في السجن. جريمة مروّعة ظلت تلازم عقل ميشيل وضميرها. جمال "هي" يقتصر على أنّ فرهوفن يصوّر هذا كله بلا أي مقاربة أخلاقية للموضوع، الأمر الذي أثار وسيثير حفيظة حرّاس الأخلاق الحميدة الذين يبحثون عن "درس" في كلّ شيء، إلا أنّ الدروس لسوء حظّهم لا يحبّها السينمائيون الكبار!



نحن إزاء سينما منحرفة، تقول كلمتها وتمشي، لا تشرح ولا تعلن موقفاً ولا تدين ولا تبرّر، ولا شيء آخر من كلّ الذي يرتكبه بعض السينمات التجارية. "هي" من الأفلام التي تتجرأ على النظر إلى حادث خطير من منطلقات مغايرة لتلك التي عهدناها، ولا تخشى الإضحاك من دون الوقوع في التسخيف. مع فرهوفن، لم نكن نتوقع أقل من فيلم يجاري صيغته الفنية المفضلة من جنس وعنف ومشاعر مكبوتة المطعمة بالكثير من البسيكولوجيا، فما بالك إذا تكاتف مع أوبير التي توظّف كلّ ما سبق وذكرناه لتتحرّر من الضغوط، في مقدمها طيف الوالدين الثقيل، أيّ من الأب القاتل والأم المتصابية، ثم من طليق مكتئب، ومن كلّ تداعيات العيش في "حماية" العائلة. ينجز فرهوفن فيلماً متفلتاً من كلّ منطق، غير سليم بالمعنى السياسي، لكن في النهاية ما يهمّ هو النتيجة: فبقدرتها على استيعاب الحدث، تتحول ميشيل من شخص خاضع إلى شخص يتحكم برغباته ويمسك بزمام المصير. وهذا يتطلب التفكير خارج الإطار الاجتماعي والأخلاقي والقانوني.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم