الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

كانّ ٦٩- "فقط نهاية العالم" لكزافييه دولان: تمزقات موت معلن

المصدر: "النهار"
كانّ ٦٩- "فقط نهاية العالم" لكزافييه دولان: تمزقات موت معلن
كانّ ٦٩- "فقط نهاية العالم" لكزافييه دولان: تمزقات موت معلن
A+ A-

في #مهرجان_كانّ (١١ - ٢٢ الجاري) هذه السنة، عددٌ من الأفلام وضعنا في مزاج صعب، ملقياً بنا تحت تأثير جوّ ضاغط يهيمن على النصّ السينمائي من أقصاه إلى اقصاه. أحد هذه الأفلام هو "فقط نهاية العالم" للمخرج الكندي الشاب كزافييه دولان، وهو عمل ثرثار لا أستطيع القول أنني استمتعتُ به. وهكذا أيضاً فيلم الروماني "المسعفن" كريستيان مونجيو، "باكالوريا". فيلمان لا يمكنك إلا أن ترفع لهما القبعة، لكنك ستفكّر مرات قبل أن تنصح صديقاً بمشاهدتهما. ذلك أنّ الواحد منّا يحتاج إلى جهد وتركيز كبيرين لالتقاط التفاصيل الضرورية لفهم القصة ومتابعة الحوارات الطويلة والدخول إلى عمق النصّ الذي يمنح انطباعاً بأنه يهرب منك كلما اقتربتَ منه. بديهي جداً أنّ المخرج - في هاتين الحالتين تحديداً - يتوجه إلى جمهور محدود النطاق والاهتمام (الـ"هابي فيوز") عليه أن يمرّ عبر درب الجلجلة لالتقاط شيء من السينما. اللافت أنّ المهرجان كان بدأ بملاحظة وردت في فيلم وودي آلن، "كافيه سوسايتي"، على لسان بطله، مفادها أنّ "الحياة كوميديا من تأليف كاتب سادي". وها إننا نكتشف بعد أيام قليلة أنّ الحياة ألّفها سادي، لكنها بعيدة كلّ البعد من الكوميديا، أقله من منظور المخرجين المذكورين أعلاه. علة أخرى تعتري التشكيلة الرسمية في هذه الدورة: الأفلام طويلة جداً، وثرثارة، وبعضها يحتاج إلى إعادة النظر في توليفاتها. إنّه زمن الديجيتال، حيث تخزين المادة المصوّرة في قرص لا يكلّف كما كان يكلّف التصوير أيام الشريط الخام.



دولان، ابن السابعة والعشرين، يأتينا بفيلم جديد في المسابقة بعد سنتين فقط من نيله في كانّ جائزة لجنة التحكيم مناصفة مع جان لوك غودار عن "مومي". البصمة جاهزة منذ اللقطة الافتتاحية، أجواء وتمثيلاً وإخراجاً وحوارات. دولان مخرج ينضج على مرأى منا. موهبته لم تعد تحتاج إلى نقاش. المشكلة هنا أنّه يقدّم فيلماً خارج الزمن و"متعباً"، وليس المقصود بالتعب الإرهاق الذهني الذي يهدف إلى إحاطة المُشاهد بكلّ ما تعانيه الشخصيات على الصعيد النفسي. فالفيلم مقتبس من مسرحية لجان لوك لاغارس (١٩٥٧ - ١٩٩٥) وضعها خمس سنوات قبل موته بالسيدا. وهذا يعني اننا أمام مسرح مصوّر إلى حدّ ما، حيث الحوادث تتحرّك داخل فضاء مقفل، وإن حاول دولان الخروج منه عبر بعض لقطات التهوئة، إلا أنّ المحاولات الخجولة لم تنتشله من سمته الممسرحة الطاغية جداً.


ميزة هذا فيلم تمثيلية في المقام الأول: فنسان كاسيل وليا سايدو أولاً (في واحد من أفضل أدوارهما)، وماريون كوتيار وغاسبار اولييل وناتالي باي ثانياً. قائمة ممثلين كهذه تضمن وحدها فيلماً بأداءات رصينة، ولكل ممثل خاصيته. ثمة أيضاً الإخراج وهو الميزة الرقم الثاني هنا. في فيلمه السادس (بدأ العمل في نهاية العقد الماضي)، اختار الـ"وندر بوي" الكندي ممثلين فرنسيين يتكلمون الفرنسية. وداعاً للكنة الكيبيكية الثقيلة على السمع.



الفيلم عن كاتب مصاب بمرض قاتل (السيدا؟)، يعود إلى عائلته التي تقطن في الريف بعد ١٢ سنة من الغياب عنها، ليخبر أفرادها عن موته القريب. عندما نقول "ليخبر"، نجدنا نبالغ ربما في استعمال الكلمة، ذلك أنّه رغم الأحاديث الطويلة والمتداخلة التي يتشبع بها الفيلم، ليس ثمة ما يشير بوضوح الى المرض ولا إلى كلّ هذا الموت المعلن! انها لغة الإيحاءات والمسكوت عنه. مواضيع كالمثلية كانت تمزّق العائلات سابقاً تبدو عادية اليوم، بل صارت تنتمي إلى زمن ولّى. فشل التواصل إحدى التيمات الرئيسية. فنحن سندور طوال ساعتين حول مسألة الموت هذه، من دون أن يتجرأ أحدهم حتى على لفظ اسمه. هذا الغريب (الموت) الذي يحوم في انتظار اللحظة الحاسمة، لن يأتي لوحده بل سيجلب معه كلّ الأحاسيس التي كانت مكبوتة طوال سنوات، حبّ وغيرة وتوتر، في نوع من هستيريا جماعية يلتقطها الكندي الشاب بقسوة، حدّ أنّه يسود شعور بأن الكادر الضيق المقاس يقمع المواقف ويضيف شعوراً بالاختناق. دولان لا يحتاج إلى فضاء، لا نرى شيئاً مهماً من المكان باستثناء مشهد غداء سيغادره الجميع سريعاً. الوجوه والنظرات المتبادلة هي المكان وهي الكادر الذي يرسم عليه تفاصيل مصالحة عائلية غير ممكنة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم