الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كانّ ٦٩- "أنا، دانيال بلايك": الغضب الذي يهزّ سينما كَن لوتش

المصدر: "النهار"
كانّ ٦٩- "أنا، دانيال بلايك": الغضب الذي يهزّ سينما كَن لوتش
كانّ ٦٩- "أنا، دانيال بلايك": الغضب الذي يهزّ سينما كَن لوتش
A+ A-

ثمة دائماً في أفلام كَن لوتش ما يوحي بالصراحة، إحساس هائل بأننا أمام معطيات حقيقية بعيداً من الأشياء المُستعادة بافتعال. الرجل الثمانيني الشاب وفيٌّ لخطّه السينمائي، ولا يزال يملك الاستعداد والقوة للتصدي للظلم الاجتماعي في بلده بريطانيا من خلال سينما تلتزم قضايا الفرد. جديده "أنا، دانيال بلايك"، يسير على هذه الخطى، خطى الانتصار للذين يعيشون على هامش المجتمع. ورغم أنّ لوتش كان أعلن سابقاً أنّ "ردهة جيمي" (٢٠١٤) سيكون فيلمه الأخير، عاد عن هذا القرار- وذلك لحسن حظنا- لأنه بعد مشاهدة الفيلم الذي يتسابق به على "السعفة الذهب"، يصبح واضحاً أنّ بئره لم تجفّ. والأهم أنّ فيلماً كهذا يمكن اعتباره إعلان موقف مفاده أنّه يمكن عزف تنويعات مختلفة على اللحن نفسه من دون أن ينتج نشازاً. لا شك أيضاً أنّ أوضاع الشعب العامل ازدادت سوءاً منذ مدّة، مع وصول ديفيد كاميرون إلى السلطة، الأمر الذي أجبر لوتش على الخروج من صمته ليقول كلمة تستحقّ أن تُناقَش من على أكبر منبر سينمائي، وهي كلمة لا تشمل فقط السياستين الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا وحدها، بل تطال الغرب في مجمله، وربما ضمنياً نظام العالم بأسره.



 


"ردهة جيمي" كان عن بطل قومي، أما هنا، فالبطل هو الرجل العادي، "رجل كلّ يوم"، ربما من الذي لا تلتفت إليه عندما يمرّ بالقرب منك في الشارع، ومع ذلك فهو بطل حياته وسيّد نفسه، وحكايته تستحق أن تُروى وتُسجل. هذا الرجل العادي هنا هو دانيال بلايك، ستينيّ خفيف الدمّ، من سكان أحد الأحياء الشعبية البريطانية المتروكة لمصيرها والمهملة من السلطات. سكانها يتصدّون إلى الحتمية الاجتماعية باللحم الحيّ، يطبطبون على ظهور بعضهم بعضاً، ويتابعون طريقهم من دون أن يعلموا ماذا يخبئ لهم الغد. دانيال بلايك عاملٌ مثل أيّ عامل آخر، إلا أنّه بعد تعرّضه لأزمة قلبية، اعتقد أنّ الحل هو اللجوء الى المساعدة الاجتماعية. فهو لم يعد قادراً على متابعة العمل. إلا أنّ الجهات الرسمية المعنية بقضيته لها رأي آخر، فتجبره على البحث عن عمل وإلا تعرّض لملاحقة قانونية. الفيلم بأكلمه رحلة دانيال مع البيروقراطية التي ستُدخله في دهاليزها القاتلة، خصوصاً أنّ صديقنا ليس ملماً بالوسائل التقنية الحديثة التي تجبره الدولة على التعامل بها. دانيال سيجد في معركته ضدّ القوة الضارية مناسبة ليثبت حقّه في عيش كريم. إنّه نضال رجل ليس لديه ما يخسره. في شخصيته، نرى ظلّ لوتش، اليساري القديم الذي لا يزال يطعّم أفلامه بهموم الطبقة الكادحة.





وكأن في الثمانين، يكتشف لوتش بغضب شديد الـ"سيستم" وعيوبه، فيصبّ جام الغضب على كلّ وحدة تصويرية في نصّه المباشر الذي يذهب رأساً إلى الهدف من دون لفّ ودوران، فلا شيء يهمّ هنا أكثر من دانيال. والأجمل أنّ الفيلم مشبّع بروح هذا الاكتشاف، وهي روح تظلّ طازجة عند لوتش حتى بعد عشرات الأفلام. يعرف مخرجنا الذي يتعاون هنا مع شريكه الأبدي في الكتابة بول لافيرتي، أنّ نضاله لن يُجدي. صحيح أنّه فنان غاضب وسيّد معارضة، إلا أنّه يعرف حدود غضبه. فلوتش عاش ما يكفي من الوقت وصوّر ما يكفي من الأفلام ليدرك أنّ السينما ليست أداة تغيير بل اعتراض، ومن هنا يتأتى صدقه، صدق كلّ لحظة في هذا العمل المصنوع بالقلب. دانيال بلايك يضطلع بدوره رجل يظهر على الشاشة للمرة الأولى، إلا أنّ طلته البهية تخطف الأفئدة وتعطي الشخصية التي تواجه يومياً بشراً هم في الحقيقة آلات قتل مبرمجة، بُعداً آخر.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم