السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تمنّيات أمٍّ كانت فقيرة !

لور غريّب
تمنّيات أمٍّ كانت فقيرة !
تمنّيات أمٍّ كانت فقيرة !
A+ A-

هذا الصباح خرجت الى بلكون بيتنا في شارع عبد الوهاب الانكليزي، في الاشرفية، في الطابق الخامس. نظرت الى "زريعاتي" التي اهتم بها وأُكلّمها وأُشحِّلها وأُريحها من الورق اليابس. وقلت لنفسي "في شهر مريم زهّرت الوردات التي اشتريتها يوم عيد الام، لن اولادي ليسوا هنا ليهدوني الوردة التي احلم بها منذ نزلنا من دير القمر الى بيروت، وتعرّفت على أشياء كثيرة ومنها عيد الامهات في 21 آذار.
ذهبت الى سوق الازهار واشتريت سلّة، جمعتُ فيها 5 شتلات من الورد القزم والحامل بعض الازرار تدلّ على ألوانها القادمة.
اليوم استطيع ان اشتري ما اشتهيه من دون ان اشعر بالخجل، لانني اهتم بما احلم به على حساب حاجات الاولاد.
من زمن بعيد أحلم بوردة زهرية تشبه الشريطة التي كانت تربط شعري في بدايات الحرب العالمية الثانية. كنا آنذاك في دير القمر. كان في الدار الباطونية الكبيرة حوضان زرعت في أحدهما شتلة ورد جورية رائحتها لم أنسها رغم السنوات العديدة التي تفصلنا عنها.
في البركة كانت "النوفيرة" الوديعة توزع علينا رذاذ المياه، يُسعدنا ويجعلنا نرقص من الفرح. امي تصرخ: خلص يا ولاد. يلا عالحمّام.
الحمام كان يعني كل قبل الظهر. كنا 8.
لم ولن تهمّكم الاسماء. منذ تلك الأيام ذهبوا تقريبًا جميعهم لمواجهة ربّهم. البطن الذي حمل 8 مرّات وخلّف 4 صبيان و4 بنات استقبلهم بعضهم تباعا، كما تخلّص منهم بعد حملهم.
انا باقية بعناد وفخر. اعتقد ان قَدَري "مطوّل بالو علييّ".
اشعر ان انتمائي الى والد واحد وام واحدة هرطقة.
مرت امهات كثيرات منذ ولادتي. منهم سيدة التلة شفيعة دير القمر.
عند الشدّة يصبح الاولاد يلعبون دور الابوين. احيانا وليس دائمًا يحاولون القرار عنا لأنّهم مقتنعون بأنهم يعرفون مصلحتنا أكثر منا.
هذه سنّة الحياة.
لم أعرف شيئًا، وطبعًا ابدًا، ما هي حقوق الانسان. ما معنى الزواج والحقوق والابراج والاعياد، كلّها كانت تخصّ الخواجات الذين يعيشون في قارة بعيدة اسمها بيروت.
نحن نعرف فقط عيد الميلاد و"البسترينة" وعيد "الشعنينة" وعيد الموتى.
امين. رحمة الله على موتاكم.
ماذا قلتم عيد الامهات؟ اين؟ من؟ كيف؟ متى؟
"يا ربي ما بحياتي شفت ولد جاب لامو شي بكل عمره".
جارتنا انجيل التي كانت تغزّ الابرة لتحيك "ليزوز" للنسوان الاكابر ما حدا "جبلها" زهرة. صحيح ما كان عندها ولاد، ولكن جارتنا من بيت رنو وكان عندها "عرّ ولاد" وما حدا أهداها شيئًا على ذمتي. إذًا لا أعياد لسكان المناطق. عالمهم مختلف. فكّوا عن ظهرنا يا "حشورين".
خالتي فدوى لم تتزوج. كانت تحمل الكيلة وقت يدق جرس سيدة التلة عند الظهر، لأن خالي وديع اللي كان عندو شوارب بتخوّف حتى الشياطين، يأتي من المقهى ليتغدى ويرتاح.
قالوا اعياد؟ قالوا مدينة؟ قالوا مدرسة لا تعلّم الدين ولا توزّع "السينيال"، لأننا نتحدث باللغة العربية بالملعب.
عيد امهات قلتم لهذه الصغيرة التي يحمرّ خدَّاها كلما وجّهت اليها سؤالا؟
كم المسافة بعيدة بين الصغر والاربعة وثمانين سنة. صار لازم عيّد عن الام والجدة وام الجدة. ونكاية بالجميع مع ورداتي التي زهّرت وقطفتُ منها زهرة واحدة لسيّدة التلة شفيعتي الى الابد.

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم