السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هل يداوى العراق بداء علته؟

المصدر: "النهار"
امين قمورية
هل يداوى العراق بداء علته؟
هل يداوى العراق بداء علته؟
A+ A-

من المفارقات العراقية أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يتصدر في بغداد الدفاع عن التجربة الديموقراطية التي أخمدها بنفسه قبل أكثر من عقد من الزمن، فبعدما استخدم العنف لتحقيق مكاسب سياسية وأفاد هو ومنظمته من الفساد في النظام العراقي الذي يعارضه الآن، فإن أتباعه اليوم هم الذين يوفرون القوة السياسية التي يحتاج إليها رئيس الوزراء حيدر العبادي لتفعيل الإصلاحات الضرورية لإنقاذ العراق من أزمته السياسية والاصلاحية والمالية. فهل أن الاحتلال الموقت الذي نفّذه الصدريون للمنطقة الخضراء في بغداد قد يساعد العبادي على تفعيل عملية الإصلاح المتوقفة؟ وهل يمكن للتغيير ان يرى النور من دون دعم الولايات المتحدة؟
وكان أتباع الصدر اخترقوا بوابات "المنطقة الخضراء" المحصنة في وسط بغداد واستولوا لفترة وجيزة على البرلمان لتأييد لائحة من الوزراء التكنوقراط الذين يقترحهم العبادي لتشكيل حكومته ودعم الاصلاحات المتواضعة التي يقترحها رئيس الوزراء. وهذه الإصلاحات ترمي إلى منع انزلاق البلاد الى أتون كارثة تعتمل منذ سنوات بسبب الفوضى والفساد والتخمة في الجهاز الوظيفي للدولة وانخفاض اسعار النفط والكلفة الباهظة للحرب على تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) .
لكن هذا التناقض في أفعال الصدر مثّل لغزاً لواشنطن التي تعمل وراء الكواليس لتأمين قرض من صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات التمويل الدولية الأخرى يقدر بمليارات الدولارات للحفاظ على حكومة العبادي خلال الشهور والسنوات المقبلة، أملاً في أن يستطيع تنفيذ مزيد من الإصلاحات الجوهرية.
ومن المعروف أن إدارة الرئيس باراك أوباما كانت غير راغبة في توسيع تدخّلها في العراق بحيث يتجاوز الدور العسكري الذي حددته، غير أن الأمر الذي يزداد وضوحاً هو أن الاستقرار طويل الأمد في العراق لا يمكن تحقيقه من دون عملية إصلاح سياسي كبيرة¬ وأن مثل هذا الإصلاح سيكون من المستحيل أن ينجزه العراق بمفرده ومن دون معاونة من أحد. بالنسبة لواشنطن٬ تعتبر محاولات مقتدى الصدر لتأجيج السخط الشعبي لإجبار الحكومة على إجراء تغيير سياسي في بغداد٬ كانت إلهاءً محبطاً عن المهمة الخاصة بتحرير الموصل من قبضة "داعش".
وحتى إذا ما هُزم "داعش"٬ فإن الاستقرار في العراق لن يتحقق ما لم تكن هناك حكومة قوية وشرعية لديها القدرة على الإمساك بزمام القيادة في عملية نزع سليم لـ80 ألف فرد من أفراد المليشيات التي ساعدت الجيش العراقي النظامي في قتاله ضد التنظيم والمنضوية في اطار الحشد الشعبي او الحشد الوطني (مسلحي العشائر). ورغم أن العديد من تلك المليشيات قد تنزع سلاحها بنفسها بمجرد ما أن يتراجع تهديد "داعش" فإن بعض المليشيات الأكثر تطرفاً والأكثر تنظيماً والمدعومة من دول اقليمية تظل تمثّل تهديداً. وفي مرحلة معينة ستجد الدولة العراقية نفسها مضطرة لمواجهة هذه الجماعات، إذا ما واصلت استخدام العنف في البلاد. وفرض امر واقع في مناطق نفوذها. لكن المشكلة أن الحكومة العراقية لن تكون في وضع يسمح لها بمواجهة هذه المجموعات المسلحة إذا ظلت قطاعات واسعة من الشعب العراقي فاقدة للثقة بها. قدرة الدولة العراقية على الحياة في المدى الطويل ستتوقف هي الأخرى على قدرة تلك الحكومة على تنفيذ خطة الإصلاح اقتصادي جادة مصممة للتكيف مع عهد جديد من أسعار النفط المنخفضة.
اكثر من ذلك فان الاصلاح الحكومي نفسه سوف يصطدم بعائق الكتل السياسية الرافضة لهذا الإصلاح داخل البرلمان، إذ إن النظام البرلماني المعمول به في العراق، ينص على موافقة البرلمان على أية مشاريع قوانين تصدر من الحكومة، لهذا فان بعض الكتل البرلمانية المعارضة للإصلاح سوف تفتعل الأزمات مع الوزراء الجدد وسوف تضع العراقيل لإفشالها، ومن ثم إنهاء حلم الإصلاح. كما انّ المستهدف بالإصلاح بالدرجة الأساس هو جوهر النظام القائم في البلاد، في ظل شيوع قناعة شعبية عامة بأنه نظام فاسد برمته يتطلب التغيير الشامل لا الإصلاح، وهكذا معضلة الإصلاح في العراق تتمثل في أن المنظومة الفاسدة لا يمكن أن تصلح نفسها ذاتيا، وليس ادل على ذلك من ان بعض المستفدين الكبار من فساد النظام السابق هم الآن يحاولون ركوب موجة الإصلاح، وما اعتصام البرلمان إلا نموذج على هذه الحركة. كذلك فان اغلب المسؤولين العراقيين، وحتى الذين كانوا ينادون بإلغاء المحاصصة الطائفية قد غيروا رأيهم الآن وصاروا ينادون باحترام الدستور والتوافق السياسي، وذلك بعد تعرض مصالحهم الشخصية للخطر.
الى ذلك لم تكن الكتل السياسية المتنفذة هي الجهة الوحيدة التي لا تريد إصلاحات جذرية في عمل الحكومة، بل كان هناك طرف خفي يعمل على إفشال جهود العبادي، وهو مافيا الفساد المتغلغلة في كل كيان الدولة والمستندة إلى دعم وتحالف قوي مع الكثير من القوى السياسية الفاعلة، لذا فان بقاء المافيات في منأى عن الحساب حتى الآن، والتي ليس من مصلحتها إجراء تغييرات حقيقية قد تفضي إلى كشفها ومحاكمتها إضافة إلى تعطل مصالحها، ستكون أطرافا معرقلة للإصلاح.
والاهم من ذلك كله ان رغم رضوخ طهران والدول الأخرى المجاورة للعراق للإرادة الأميركية، بعدما لمست جديتها في دعم الإصلاح في العراق، إلا إن حيتان "العملية السياسية " يرون أن تشكيل أي حكومة خارج نظام المحاصصة الطائفية والعرقية سيفقدهم مناصبهم وامتيازاتهم وحصتهم من موازنة البلاد، كما يدركون تماما إن الأمور لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه لتشمل فتح ملفات فساد وجرائم الطبقة السياسية التي تصدرت المشهد العراقي بعد عام 2003، وبهذا فان هؤلاء المتنفذين، ومثل كل الساسة الآخرين، يعرفون جيدا إن خسارتهم للسلطة والنفوذ تعني بداية طريقهم نحو السجون والمحاكمات.
اليوم العراق في مفترق الطريق، رئيس الوزراء لا يزال مرتبكًا بالإصلاحات والتغيير الوزاري، والأحزاب السياسية لا زالت لا تمتلك ورقة إصلاحية تتفق عليها جميعا، والناس لا يزالون غاضبون من تدهور الوضعين الاقتصادي والمعيشي ، والأوضاع الأمنية لا تزال في ذروة توترها، والوضع العربي والإقليمي والدولي لا يزال في صراع بارد وساخن، فمن اين المفر من هذا الوضع المذري؟
[email protected]
Twiter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم