الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

كتاب - "المضلَّلون" تروي رحلة داخل عقل إرهابي من الموت إلى الهلاك الأبدي

جوزف باسيل
كتاب - "المضلَّلون" تروي رحلة داخل عقل إرهابي من الموت إلى الهلاك الأبدي
كتاب - "المضلَّلون" تروي رحلة داخل عقل إرهابي من الموت إلى الهلاك الأبدي
A+ A-

في الحي الذي ولد فيه وترعرع وتعلّم، فجّر المدعو أبو قتادة نفسه بأبرياء مدنيين من أبناء جلدته، لأنه يعتبرهم كفاراً ومرتدّين وضالين وجب قتلهم. هذا ما تحكيه رواية "المضللون" (دار الفارابي) لدريد عوده.


رواية "المضلَّلون" لدريد عوده رحلة داخل عقل أبي قتادة، كيف تحوّل على يد شيخه الداعية التكفيري عبد الرحمن، من شاب طيّب خلوق الى إرهابي مجرم. وهي أيضاً رحلة بعد موته، بالجهاد في سبيل الله، طمعاً بالجنّة و"حور العين" (التي لا معنى لها في العربية، لأن أصلها وقبل أن تحرّف بنقلها من السريانية إلى العربية "زوجو نهمو حوارو عِينو" وتعني الزبيب الأبيض والماء وهذا تحديداً ما يفيده السياق القرآني). فماذا حلّ به بعد الموت؟ وماذا جرى له في "يقظة القبور" على يد ملاكي الموت، منكر ونكير؟ وماذا حدث معه في "الجنة الموعوده"؟ وماذا صار بعدما التقى الملاك جبريل عند "بوابة السماء"؟ وهل فتحت له كما وعده مضلِّله عبد الرحمن، أم أُقفلت في وجهه، كما يحتِّم الإسلام والديانات السماوية، والعقل والمنطق؟
تنتمي "المضلَّلون" الى الرواية المجازية، ويمكن ادراجها في خانة "أدب الفانتازيا"، إذ تسافر مع روح مريضة وعدمية و"مسكونية": يسكنها مرشدها الى الضلال في الحياة وبعد الممات وحتى العدم. تغوص الرواية في غياهب العقل التكفيري بكل تشوّهاته الاخلاقية والانسانية ومتاهاته الفكرية العبثية وغيبياته الدينية، حيث تكتب "فانتازيا" الجنة بدماء أبطالها وضحاياهم. تخبرنا القصة عما حدث لأبي قتادة في يقظة القبور على يد ملاكي الموت وعما جرى له مع "الحوريات" في "الجنة الموعوده".
ليست رواية من خارج النص الديني، إذ تستعير من الإرهابي ومرشده قاموسهما وتعابيرهما. وبذلك دخلت عقل الارهابي "بشروطه"، أفكاره وقناعاته وتخيّلاته وإسقاطاته هذه، من دون جدل في ما هو حق أو باطل. وتسافر الرواية مع روحه بشروط "الفانتازيا الدينية"، فانتازيا الجنة التي خطّها لنفسه، من دون جدل عقلاني في المعقول واللامعقول الديني، في الحقيقي والوهمي، في الواقعي والخيالي.
مشهدية الدم فرضها ابو قتادة على الراوي الذي دخل السيناريو الدموي المريع، أمانة لدماء ضحايا الارهابي. ثم نزل معه الى الجحيم – حيث كان مرشده الشيخ عبد الرحمن يسكنه كروح شبح. تضحك الرواية من كاتبها بالنزعة التنويرية العقلانية المتشدّدة، تحتال عليه، وتأخذه حيث يريد بطلها اللاعقلاني بتشدد: تأخذه في "كوميديا إلهية" هي تراجيديا بشر. تأخذه في "فانتازيا جنة" جنائزية بامتياز. لقد أخذه الارهابي حيثما شاء إلى مسرح الجريمة، أراده أن يقتل ويُقتل جهاداً في سبيل الله. ثم صعد معه الى الجنة التي افترض انه سيذهب اليها! لقد فعل أبو قتادة وعبد الرحمن ما يشاءان، وصار من حق الكاتب أن يقول: "لم أتدخّل في مسار الرحلة الإلهية، لم أجادل، أنا العقلاني الجدلي حتى السقراطية "الشيطانية" الساخرة، ولم أشاكس فكرياً، "لئلا أفسد عقول الناشئة" (الدينية) كما اتهم سقراط قبلي، فجُرّع السم. أما أنا فقد جرّعت افيون اللاعقلانية الدينية القاتلة، وهو سم للعقل ولكل روح حر".
الرواية في مسارها العام، من داخل النص الديني المقدس، لكنها ليست رواية دينية. ففي منعطفاتها الحاسمة، هي "من داخل نص آخر أكثر قداسة هو "النص الإنساني". هل يواجه الانساني الله، أو الدين؟ بالتأكيد هو يواجه المضلِّلين والمضلَّلين التكفيريّين. تقيم الرواية المواجهة الإنسانية الأخلاقية بين أخلاق الموت وأخلاق الحياة، بين أخلاق التكفيريين وأخلاق أبناء الحياة. فهي رواية إنسانية لا تجادل ولا تحاجج في فقه الجهاد، ولا تريد أن تجتهد فيه ولا في الدين، لتقدّم تفسيراً لهما ينقض فقه التكفيريين، فهؤلاء يستندون إلى آيات دينية لتبرير ظلامياتهم الفكرية وتشوّهاتهم الأخلاقية وأمراضهم النفسية وانحرافاتهم الجنسية.
الرواية ملحمة انتحاري امتزج لحمه بلحم ضحاياه، ودماؤه بدمائها، ومقاربة الملحمة من زاوية الحياة لا الدين والانسان لا الله، أي من وجهة إنسانية الإنسان التي إذا فقدناها نصير بهائم على هيئة بشر، وإذا أضعناها باسم الدين نصير أبالسة وشياطين في لَبوس رُسُلٍ وقدّيسين. إن الأخلاق والفضيلة والإنسانية تحرّم كلّها "غزوة" أبي قتادة، فهل يمكن أي دين أن يحلّلها؟! لأنه لا اجتهاد في القيم الأخلاقية والفضائل كالحق والخير والجمال التي جاءت قبل الديانات السماوية. إن "الحياة مطلقة أي لا يمكن أن تكون "نُص نُص" باسم النصّ، إما أن تكون معها، وللجميع، فتكون أخلاقك أخلاق الحياة. وإمّا أن تكون ضدها، فتكون أخلاقك أخلاق الموت... أن تصل إلى القتل إلى إلغاء حياة ما من أجل أفكارك ومعتقداتك الدينية، فهذا يعني أنك عبد لها، وعبودية العقل والروح، العبودية للأفكار، هي أعتى العبوديات، لأنها العدميّة، ذاتها".
يعيد الكاتب أبا قتادة الى الأرض ليريه ماذا جنت يداه، وما ارتكبه هو ومرشده عبد الرحمن من آثام وجرائم، إذ أضاعا إنسانيتهما بحثاً عن جنة مفقودة. وبذلك يرمي الى جعل الضمير الإنساني بمنزلة وحي الله الحي فينا: "الضمير هو إنسانياتنا الخالدة أو ألوهيتنا المستعادة".
إن المسار الأخلاقي يجعلك متديناً حكماً، عميق التديّن، إنما المسار الديني لا يجعلك باللزوم، أخلاقياً، فليست الطقوس والعبادات هي الدين إنما المعاملة والأخلاق. ويقول دريد عوده: "طريقنا إلى الله يمر بالإنسان والحياة. لكن الطريق إلى الله عند الارهابي التكفيري أبي قتادة وسواه من الإرهابيّين من كل ملّة ومذهب ودين، يمر بقتل الإنسان، والأدهى بقتل أبناء حيّه...".
هل يجوز عند الله أن يقتل الفرد الجماعة كي يكسب الجنّة؟ هل يجوز عند الله أن يقتل المرء الآخرين، كي يفوز برضاه؟! إذا كان هذا جائزاً، أهذا هو الله الذي نعبده؟!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم