السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تيار فضل الله غاضبٌ من جامعة تابعة لـ"حزب الله": ما معنى تكريم جعفر مرتضى؟

المصدر: "النهار"
وليد حمود- عميد كلية التربية في جامعة العلوم والآداب
تيار فضل الله غاضبٌ من جامعة تابعة لـ"حزب الله": ما معنى تكريم جعفر مرتضى؟
تيار فضل الله غاضبٌ من جامعة تابعة لـ"حزب الله": ما معنى تكريم جعفر مرتضى؟
A+ A-

مع بدايات القرن العشرين، بات الحديث عن الدور المتوقع من المؤسسات الأكاديمية لغة مشتركة في الشرق والغرب، لجهة التأكيد على وظائف انتاج ونشر المعرفة العلمية المتخصصة وتوظيف نتاجاتها في خدمة المجتمع، ربط التعليم بحاجات سوق العمل، وإعداد نخب المجتمع وقواه المحركة، فضلاً عن الأدوار البنيوية المرتبطة بعلاقة هذه المؤسسات الأكاديمية بقضايا التنمية المستدامة من خلال تكريس وضبط الممارسات المرتبطة بالتنوع الثقافي، التعددية، الأقليات والأكثرية، المواطنة في ظل التنوع، وادارة التنوع .


لقد أصبحت التحديات التي تواجه المؤسسات الجامعية اليوم في عالمنا العربي وفي لبنان على وجه الخصوص، مع ما يعصف بنا من تأزمات تتسم بالتطرف، العصبيات، والتكفير، في قائمة الأولويات التي يجب أن تدفع بها الى تطوير مقاربة أكاديمية تأخذ بعين الاعتبار بناء الثقافات وتعزيز الممارسات التي تؤسس للاعتراف بالتنوع الثقافي كحقيقة أصيلة الى جانب الاعتراف بالخصوصيات الدينية، المذهبية والفكرية. باختصار أن تتحول المؤسسات الأكاديمية في لبنان اليوم الى الى بيئة حاضنة تُختبر فيها آليات الحوار الحقيقي الذي ينظر الى التنوع والغيرية كمصدر للغنى وللثراء.


ولم تكن مقاربة أهداف التعليم في لبنان بمعزل عن هذا الدور، من خلال تأكيد هذه الأهداف على تكوين "المواطن المستوعب تاريخه الوطني اللبناني الجامع، بعيداً عن الفئوية الضيقة وصولاً إلى مجتمع موحد ومتفتح إنسانيا، في ظل تأكيد هذه الرؤية على أنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، وصولاً بهذه التجربة الى بناء "النموذج الرائد في المنطقة وفي العالم". وفي هذا السياق أخذت الجامعات اللبنانية الدور الذي لا يتعارض مع ميثاق العيش المشترك كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر في تجربة معهد الدراسات الاسلامية المسيحية في الجامعة اليسوعية الذي يعتمد الى جانب الأساتذة المسيحيين أساتذة مسلمين في المقررات اللاهوتية من أجل أن يعبر المسلمون بشكل ذاتي عن هويتهم الخاصة انطلاقاً من مقاربتهم الخاصة التي يمثلونها، والتي تعبر بالتالي عن تنوعهم وغيريتهم التي يحتاج الآخر الى فهمها ووعيها.
ولم تختلف التجربة الأكاديمية في الجمهورية الاسلامية الايرانية عن تجارب الكثير من الدول المتقدمة في ريادتها ونجاحاتها الملفتة، فقد حصدت ايران المرتبة العشرين في سلم ISI الخاص بالإنتاج العلمي علي مستوى العالم ، بحيث شكلت تجربة هذه الدولة الاسلامية الناشئة مفارقة بارزة في عالمنا اليوم من خلال تقديم نموذج شديد الوضوح حول قدرة الدولة الدينية (الاسلامية) الناشئة على المساهمة في الحراك العلمي والبحثي على مستوى العالم. أي القدرة على المزاوجة بين الفكر الديني والابتكار العلمي. إن ما تشهده ايران اليوم من طفرة مذهلة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفكرية هو نتيجة لاحتضان هذه الدولة التنوع والابداع في كافة مستوياته الأكاديمية والاجتماعية.


وفي خروج واضح عن التجارب الأكاديمية في لبنان والخارج، يُرسل الفرع اللبناني لجامعة المصطفى (ص) في لبنان رسائل الى اللبنانيين حول تكريم "العلامة المحقق" السيد جعفر مرتضى، إحدى أكثر الشخصيات الدينية جدلاً في حربه على المقاربات التجديدية للمرجعية الشيعية للسيد محمد حسين فضل الله، في استفزاز واضح لتيار السيد فضل الله المنتشر بشكل واسع في لبنان والعالم. لقد تناول السيد جعفر مرتضى في كتابه المعروف "مأساة الزهراء" الرأي الآخر من منطلق الخروج على "الثوابت الإسلامية" ليحول معه التنوع والقراءة التاريخية التجديدية للحدث التاريخي خروجاً عن الثوابت العقدية للشيعة، في منطق اقصائي يشبه ما نعيشه ونختبره اليوم مع تيارات عصبوية تكفيرية الغائية تنهش جسد التعدديات في العراق وسوري.
ان مبادرة جامعة المصطفى اليوم في لبنان هي خروج عن التجربة الأكاديمية للجمهورية الاسلامية وانقلاب واضح على تقاليد وأدوار أكاديمية وسوسيولوجية متوقعة من الجامعات التي يجب أن تعمل في خدمة المجتمع وصيانة وحماية وحدته، بعيداً عن اعادة انتاج الفكر المتطرف وتظهيره و "تكريمه" تحت عناوين فضفاضة تسوق لمفردات" المحقق" و"المسيرة العلمية" لشخص المكرم، في اقصاء واضح لأدبيات "المنهج التاريخي"، وانتاج المعرفة، وقبول التنوع الفكري والانتاج العلمي العابر للخصوصيات المذهبية والدينية، والذي يتطلب من أية مؤسسة أكاديمية أن تلتزم الموضوعية والحيادية اتجاه أي تنوع فكري وعلمي، بل أن تمارس مسؤوليتها الاجتماعية في احتضان ودعم أي فكر تجديدي.
لقد أكدت جامعة المصطفى (ص) في أهدافها على "احترام القيم الأخلاقية"، "والاستناد إلى المنطق والعقل والحوار في التعامل مع الأديان والمذاهب، واتخاذ أسلوب التحقيق العلمي والتربوي"، وتبنيها لمفهوم "الوحدة"، مع ملاحظة أن الوحدة اليوم لا تعني التجانس، والتنوع لايعني الانغلاق على ثوابت الذات، والحديث عن الوحدة لا معنى له إلا في ظل احترام التعدد والتنوع. إن أكاديميات اليوم تنحو باتجاه تشكيل وترسيخ وعي إنساني تضامني في كل الفضاءات الثقافية والأنظمة التربوية.
إن جامعة المصطفى اليوم تحتاج الى اعادة تصحيح هذا الخطأ، واعادة التفكر في مسؤولياتها الاجتماعية والأكاديمية الجامعة والحاضنة للتنوع والتعددية بعيداً عن الممارسات المثيرة للصراع والتمزق في مرحلة حرجة تحتاح الى استشراف الواقع والمستقبل بعقل حواري واع، قادر على بناء ثقافة الحوار والقبول بالتنوع في تجربتها اللبنانية التي تحتاج الى الابتعاد عن تلميع تجارب المتطرفين العابثين بعقول البشر.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم