الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"حكايات" من غازي عنتاب عن معاناة اللاجئين والحروب المتنقلة

ريتا صفير
"حكايات" من غازي عنتاب عن معاناة اللاجئين والحروب المتنقلة
"حكايات" من غازي عنتاب عن معاناة اللاجئين والحروب المتنقلة
A+ A-

تشق الحافلة طريقا وعرة. عن بعد، يبدو مشهد الاسلاك الحديد والعناصر الامنية طاغيا. دقائق، وتظهر مجموعة من الاولاد يلهون في ملعب. خلفهم، مدينة ملاه "محصنة"، فسلسلة حاويات مزودة بصحون لاقطة. "اهلا بكم في غازي عنتاب". العبارة مدونة على لوحة على مدخل مخيم "نزيب كرفان" باللغة التركية. على جانبيها، علم البلاد، فاشارتان "لوكالة التنمية والتعاون التركية" (تيكا) واخرى "لادارة الكوارث والطوارىء" (افاد).


تسهل الاذونات الممنوحة من مكتب رئاسة الوزراء التركية مهمة اجتياز الحواجز. رغم توارد الاخبار عن تبادل للقذائف المدفعية بين القوات التركية والسورية، وتحديدا في مدينية كيليس، تبدو الحدود التركية-السورية هادئة. وحدها "حكايات" الاولاد الذين تحلقوا حول الوفد الاعلامي الزائر تخرق السكون. "انا محمد من حلب. عمري 10 اعوام. اعيش في المخيم منذ 3 اعوام. والديّ يعملان في الزراعة. استشهد اخي خلال مواجهته قوات النظام السوري الى جانب قوى المعارضة. اريد العودة الى سوريا".
ويقاطعه آخر:" انا عمار مرجان، من حلب ايضا. هربت مع عائلتي الى منطقة تل الابيض. عشنا في مخيم اضنة لفترة، قبل ان ننتقل الى غازي عنتاب، بعدما تمكنا من استحصال على تقارير طبية عن صعوبة اوضاعنا الصحية. انا ايضا احلم بالعودة الى سوريا." لحظات ويختلط صراخ الاولاد ببكاء طفل رضيع. تطل سيدة في العقد الثالث من عمرها: " منال دلوني. اعتني بنسيبي، الطفل محمد علي منذ ولادته قبل 3 اشهر، في المخيم. لدي 6 اولاد. زوجي سعد دلوني. اعتقلته قوات النظام السوري مع بداية النزاع. لا اعرف شيئا عن مصيره." تغرورق عيناها بالدموع قبل ان تكمل: انا ايضا احب سوريا."
تكاد تتطابق روايات اللاجئين السوريين في مخيم غازي عنتاب مع روايات المسؤولين الاتراك الذين يشرفون على المخيمات بينهم مخيم "نزيب كرفان"، احد "افخم" مناطق الايواء في البلاد. بحسب مسؤول في "ادارة الكوارث والطوارىء" التركية، فقد ولد 152 الف سوري في تركيا منذ 2011 وهم يحصلون على الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة. ومن بين 2.75 مليون لاجىء تحتضنهم البلاد، ثمة 280 لاجئا يعيشون في المعسكرات، فضلا عن 4.6 مليون غادروا الى اوروبا منذ 2011. الى ذلك، خصصت الحكومة التركية 1.6 مليار ليرة تركية لادارة 10 مخيمات داخل الاراضي السورية، منذ بدء الازمة. اما في محافظة غازي عنتاب الواقعة غرب البلاد والتي تبعد 97 كيلومترا عن حلب، فقد باتت تحتضن 350 الف لاجىء سوري او "ضيف" كما يسميهم المسؤول في المحافظة خليل ويلمز، بينهم 51 الف في المخيمات او "مناطق ضيافة." وخلافا لما هو الواقع في لبنان، يعود الى اللاجئين السوريين الى تركيا اتخاذ الخيار في ما لو ارادوا المكوث في "مناطق الايواء" او خارجها، علما ان "الفئتين" تخضعان لتدابير معينة في ادارة الهجرة التركية تمكنهما من الحصول على مساعدات. وخلافا لما هو معمول به في لبنان ايضا، منح اللاجئون السوريون الى تركيا حق العمل، شرط الا تتخطى نسبة عمال الاجانب في المؤسسة نسبة الـ10 في المئة.


اللاجئون السوريون ينتخبون
تزامنا مع الانتخابات التي شهدتها سوريا، كان اللاجئون السوريون في المخيمات يجرون انتخابات من نوع آخر. هدفها، اختيار "مختار الحي" الذي يقطنوه في المخيم، وفقا للنظم المعمول بها في تركيا، علما ان هذه الانتخابات، اوصلت بحسب ويلمز "وجوها نسائية وشبابية." ومع توارد الانباء عن بدء مقاتلي المعارضة السورية معركة جديدة ضد القوات الحكومية، ردا على انتهاكات الهدنة، لا ينفي ويلمز "اعداد الحكومة التركية خطط لمواجهة الحالات الطارئة" نافيا في رد على سؤال، احتمال تسرب ارهابيين في عداد اللاجئين:" حدودنا محمية ومغلقة امام الارهابيين" يؤكد، " لا ثغر تسمح بتسرب المقاتلين. ثمة مراقبة دائمة لهذه الحدود عبر قوات الدرك والشرطة العسكرية." يعتصم المسؤولون الاتراك بالصمت لدى سؤالهم عن تقارير المنظمات الدولية، بينهم "هيومن رايتس واتش"، والتي تنتقد تعاملهم مع الهاربين من العنف والمنظمات الارهابية ك"داعش"، شمال حلب، وخصوصا ان ال48 ساعة الاخيرة شهدت نزوح 30 الف شخص نتيجة تجدد القتال. وفيما يحيلون السائل الى مراكز القرار المعنية في انقرة، يعتبرون ان التعليق على توجه الحكومة الى انشاء "مناطق آمنة" لا يدخل ضمن اختصاصهم.
بتعبير المسؤولين الاتراك، يخضع اللاجئون السوريون في تركيا الى قانون "الحماية الموقتة" الذي صادقت عليه الامم المتحدة، وهم يؤكدون ان قوات خفر السواحل التركية تتولى رقابة مشددة على "الحدود الطويلة مع سوريا" ولاسيما بعد توقيع انقرة الاتفاق الاخير مع الاتحاد الاوروبي. ورغم اقرارهم بان الاعلام الغربي والعالمي بات ينقل "مشاهد لا تليق بالبلاد" في هذا الخصوص، الا انهم يتحدثون عن اعتماد "تدابير صارمة" حيال العناصر التي ترغب بالخروج من المخيمات خلافا للاذونات، كاعتبار هذه العناصر "هاربة". ومن بين الاجراءات المعتمدة على الحدود مثلا، نزع السلاح من الوافدين، واخضاعهم الى فحص طبي، فضلا عن منحهم بطاقات تعريف وائتمان تخولهم الحصول على دعم (سقفها 85 ليرة تركية شهريا للشخص الواحد).
على مسافة الـ14 الف متر مربع التي يشغلها مخيم "نزيب كرفان"، تكاد تمتزج الموسيقى التركية بالاغاني السورية. معظمها صادر عن "مدارس الاحياء" التي توفر دروسا للطلاب اللاجئين باللغتين التركية والسورية. وضمن 908 حاويات نصبت في المخيم، ثمة مساحات مخصصة للمساجد والتسوق والمدارس والمكتبات والمستوصفات الطبية والنشاطات الرياضية والثقافية واليدوية على اختلافها وفقا للمسؤول في المخيم محمد اوزدليز.
على غرار لبنان، باتت ازمة اللجوء في تركيا تتطلب تنسيقا متزايدا بين الجهات الدولية والمحلية، اضافة الى المحافظات والمجالس البلدية. واذا كانت الازمة الانسانية المستمرة باتت تفرض اعداد "موازنات مفتوحة" ولاسيما في المخيمات الـ26 التي تستضيفها البلاد، فان انظار الاتراك ودول الجوار السوري تبقى مشدودة الى القمة الانسانية التي تستضيفها تركيا لمعرفة مدى الدعم الاقليمي والدولي الذي يمكن ان يحظوا به، علما ان النقطة هذه شكلت محور كلمة رئيس الوزراء التركي محمد داوود اوغلو خلال انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول الماضي.


[email protected]
Twitter: @SfeirRita

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم