الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

طبيب السرطان فيليب سالم يتحدث عن سرطان الطائفية

جان داية
طبيب السرطان فيليب سالم يتحدث عن سرطان الطائفية
طبيب السرطان فيليب سالم يتحدث عن سرطان الطائفية
A+ A-

بعض أطباء الأبدان، عالجوا أمراض البلدان، وبخاصة مرض الطائفية. فهل نقرأ اسم فيليب سالم في لائحة أطباء الأبدان والبلدان؟ ثمة تساءل آخر: إذا كان سجل هؤلاء يحتضن اسم هذا الطبيب الألمع في العالمين العربي والغربي على صعيد معالجة السرطانات، فهل يشمل تخصصه سرطان الطائفية الذي يعتبر أخطر الأمراض الاجتماعية في لبنان؟


لقد أخذ القرّاء علماً وخبراً بكل شاردة وواردة تتعلق بتشخيص الدكتور سالم لكل الأمراض السرطانية التي تتسلل الى أجسام الأفراد لتفتك بها، وذلك عبر ما قرأوه له وعنه، وسمعوه منه، بدءاً من مقالته الأولى في الصحفة الأولى من هذه الجريدة (النهار) التي احتلت مكان أحد الاعلانات الخاصة بالتدخين. لذلك، تمحور هذا اللقاء الذي أجريته معه في أحد الفنادق منذ أسابيع، على سرطان الطائفية الذي اعتبره أخطر من سائر السرطانات "الإفرادية"، لأنه يفتك بالمجتمع كله.
بعض أطباء الأبدان والبلدان، وفي مقدمهم شبلي شميل، الذين انخرطوا في العمل السياسي وطالبوا بفصل الدين عن الدولة، اتهموا بالإلحاد بسبب فتورهم الايماني وعدم ممارستهم للطقوس الدينية. أما البعض الآخر الذين يتصدرهم المعلم بطرس البستاني، فكانوا ممارسين دينياً وعلمانيين وطنياً. أين هو موقع البروفسور الطبي فيليب سالم؟
- بعض العلمانيين قاربوا المبدأ العلماني من زاوية الالحاد. أنا أخوض في بحره من منطلق الايمان العميق بالخالق، ولكن المبني على المعرفة، كأني درست الطب لأفهم الله على حد تعبير ابن سينا. لكني أؤمن أيضاً بالدولة المدنية حيث يتساوى الناس بالحقوق والواجبات. هذا التساوي هو الشرط الجوهري لقيام تلك الدولة، لأنه يحرر الدين ويحرر الإنسان، في آن واحد.
نادراً ما يكتفي العلماني برفع اللافتة النظرية التي تنادي بفصل الدين عن الدولة. لذلك نراه يضيف إليها لافتة عملية تحدد بعض الممارسات الطائفية ورموزها، من مثل منع رجال الدين من الخوض في الشأنين القضائي والسياسي. فهل ترفع اللافتة الثانية؟ واذا كان الجواب بالايجاب، فماذا كتبت فيها؟
- أنا أرفع شعاراً يقول ان فصل الدين عن الدولة يتلازم مع مسار آخر هو فصل الدين عن التربية. حين تفصل الدين عن الدولة فأنت تحرر التعليم من الدين، لأن كل شخص يعمل على ايصال الصورة التي تناسبه ويفسرها كما يشاء. ان سوء ايصال الصورة الحقيقية للدين هو الذي أوصلنا الى "داعش". ان اهم ثورة في العالم هي التربية. والتربية ليست ارسال المعرفة وحسب، بل هي تجدد العقل ليصبح الانسان جديداً.
وماذا عن تجسيدك للشعار الذي ترفعه كما يفعل عادة العلمانيون الحقيقيون الذين لا يكتفون برفع الشعارات؟
- حين بدأت في التعليم سعيت الى تدريب طلابي على النقاش وعدم تقبّل كل شيء دون أي تفكير. علّمتهم أن يكونوا أحراراً في تلقي المعلومة والبحث والسؤال والاستفسار والاعتراض، وخصوصاً أن الحرية هي جوهر التربية.
وماذا عن الأحوال الشخصية من زواج وإرث وغير ذلك. هل يبقى في لبنان في عهدة الطوائف ومحاكمها الروحية وما ينجم عن ذلك من تجزئة مجتمعية أم يناط أمره الى المحاكم المدنية كما هو قائم في الولايات المتحدة وسائر الدول التي فصلت بين الدين والدولة؟
- يجب أن يتم الفصل بين الدين والدولة تدريجياً، والعنصر الأهم هو بقاء احترام الدين. فإذا كان الدين الاسلامي يسمح بزواج الرجل من أربع نساء، فلا يمكننا أن نقول ان هذا الأمر غير مقبول لأننا دولة مدنية؟ أنا أؤمن بالدولة المدنية. لكني أؤمن أيضاً باتباع منهج الحكمة في صيرورتها كذلك.
¶ ولكن بعض الدول "الاسلامية" كأندونيسيا وتركيا، قد فصلت الدين عن الدولة ومنعت تعدد الزوجات، ولم تقم القيامة فيها؟
- لقد نجحت أندونيسيا في نظامها العلماني، وهي أكبر دولة اسلامية. والنجاح أصاب أيضاً الدولة التركية لناحية علمانيتها، وهناك دولة دبي التي زرتها ولمست ممارستها للنظام العلماني من غير إعلان. ومع ذلك أصرّ على انتهاج الروية في علمنة لبنان واعتماد الشكل الملائم لمجتمعنا وحضارتنا.
كيف تقارب علمنة لبنان في هذه الأيام التي يكثر فيها الكلام عن الانتخابات وبخاصة رئاسة الجمهورية؟
- تنضج علاقة اللبناني بدولته حين يتم الفصل بين الدين والدولة. أنا، فيليب سالم لا يحق لي أن أصبح رئيساً للجمهورية لأني ارثوذكسي، لكن الماروني الذي يقتل الناس من حقه أن يترشح للرئاسة وقد يصبح رئيساً. عندما تنظر الى الانسان من زاوية انتمائه الديني فأنت تهينه. عظمة أميركا أنها لا تسألك عن دينك أو مذهبك، بل هي تنظر اليك كإنسان في الدرجة الاولى. وفي لبنان نحجّم الانسان وندمره عندما نسأله عن انتمائه الديني.
المغتربون، وأنت منهم، يعيشون في دول تفصل الدين عن السياسة. هل ترى أنهم قد يلعبون دوراً كبيراً في فصل دبس الدين عن طحينة الدولة في لبنان؟
- بالتأكيد، لأنهم شاهدوا الأمر وعاشوه. فالانتشار اللبناني قوة هائلة كآبار النفط. وهي قوة لا يمكن أن تنال منها اسرائيل كما تفعل الآن في سرقة نفطنا. هذه الثروة البشرية المنتشرة التي نملكها لم نستعملها بعد في السياسة، وهي قادرة على تغيير الواقع إذا ما سنحت لها الظروف.
ولكن، ماذا يفعل "النفط" البشري المغترب بالجامعات المذهبية المقيمة التي يفوق عددها، نسبياً، عدد جامعات الصين الشعبية؟ احدى هذه الجامعات، وهي البلمند، ليست غريبة عن أورشليمك؟
- هذه المشكلة حللناها في جامعة البلمند التي تملكها البطريركية الانطاكية للروم الارثوذكس، عندما اعتمدنا قانوناً يساوي بين الطلاب، فلم تعد تفرق بين مسيحي ومسيحي، ومسيحي ومسلم، بدليل انتماء المتخرجين كل نهاية عام دراسي الى كل الطوائف والمذاهب. فالجامعة التي لا تضمن حرية المعتقد والرأي ليست بجامعة.
كيف تقيّم وتحدّد، وأنت الارثوذكسي العلماني، علمانية الشخصيات "الارثوذكسية" الثلاثة: أنطون سعاده، شارل مالك، وغسّان تويني؟
- نظريتي في فصل الدين عن الدولة هي أقرب إلى نظرية أنطون سعاده، رغم أنه لم يشدد على أهمية الدين واحترامه كتراث عظيم. واذا أردت أن أؤسس حزباً، فقد أسميه الحزب القومي اللبناني الاجتماعي بدون الجانب السياسي. أما صديقي غسان تويني فكان يمتلك القدرة على قيادة عمل علماني لو لم تسرقه السياسة المحلية اللبنانية، ناهيك بالأزمات الشخصية التي عانى منها. يبقى نسيبي شارل مالك، فهو لم يكن علمانياً كسعاده وتويني. كان الدين المسيحي محورياً بالنسبة اليه. لكن ايمانه كان فلسفياً وتقليدياً. إيماني الديني يختلف كثيراً عن إيمانه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم