السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

إيحاءات خمسة من زيارة فرنسوا هولاند

شبلي ملاّط
إيحاءات خمسة من زيارة فرنسوا هولاند
إيحاءات خمسة من زيارة فرنسوا هولاند
A+ A-

لا بأس من إطلاق المخيّلة لمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان، وهو في ملأ القيادات العالمية متميّز بنمطٍ خاص من التروّي والأخلاق.


1. تجديد المؤسسات
لن يستطيع الرئيس الفرنسي إخراجنا من المأزق الرئاسي. لكنه إذا أراد المحاولة، فالسبيل الأكثر فائدةً هو في إطلاق حجّة دستورية للتخلّص من النصاب الشاذ الذي يفرض حضور ثلثَي النواب لانتخاب الرئيس. هذا النصاب العبثي الذي يترجمه المعطِّلون بغالبية الثلثين شرطاً لانتخاب الرئيس، هو السبب الأصيل في سلسلة الشواذات الطويلة التي نعيشها من:
(أ) المهزلة الدستورية المتمثلة في عقد أكثر من 36 جلسة عقيمة، والتي أدّت إلى تصويرنا عن حق، في رسوم كاريكاتورية مصدرها السعودية، بأننا كذبة نيسان – للمناسبة، لا أفهم لماذا نعمد، هنا أو في فرنسا، إلى منع رسم كاريكاتوري، أو نرضى بالعنف ضد الرسّام الكاريكاتوري أو الجهات حيث يعمل؛
(ب) إفراغ اللعبة الديموقراطية من معناها، عبر فرض الإجماع في الإنتخاب بدلاً من الغالبية التي يقوم عليها أي بلد يحترمها. فالرئيس المنتخب بغالبية الأصوات هو دائماً أكثر شرعية، وبالتالي أقوى من رئيس منتخَب بالإجماع. الغالبية المطلقة، لا غالبية التعطيل، تقليد لبناني توقّف بسبب الحرب، ويجب إعادة العمل به؛
(ج) تعطيل البلاد على كل المستويات. عندما يكون الشغور رئاسياً، تُقَوّض المنظومة المؤسسية بكاملها، ويتفشّى التعطيل تسلسلياً بدءاً من الفراغ في رأس الدولة وصولاً إلى النفايات. الأزمة المقبلة عنوانها المطار...؛
(د) إرساء سابقة غريبة تضرب عرض الحائط بتوازناتنا الدستورية؛ تخيّلوا لو أن الجمهورية تعتمد انتخاب رئيس مجلس النواب أو الوزراء في الحكومة أو رئيس مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين شرطاً. التعطيل الرئاسي، للأسف، بات حكراً على التمثيل الطائفي للمسيحيين.
لن يقنع الرئيس الفرنسي لبنان بمجرّد تسطيره للشواذ، لكن المحاججة الدستورية قد تساعد على التعبئة الناجحة في المدى المتوسط، فيرتفع مزيد من الأصوات ضد إملاء التفسير العبثي للدستور. هولاند، على الأقل، يرفع مستوى الخطاب السياسي إذا أطلق الحجّة الرافضة للتعطيل. وإذا استخدمت فرنسا أو أصدقاؤنا وسائل أكثر جدّية من مجرّد الحجة، قد يفيد النظر في إمكان معاقبة من يتصدّرون قائمة المعطّلين دولياً.


2. تجديد اقتصادي: نيسان - توتال في "مشروع فرنساوي"
يقع العالم، اقتصادياً وعلمياً، تحت تأثير "تسلاTesla "، البدعة الكاليفورنية المدهشة التي يتردّد صداها في لبنان وكأنها من كوكب المريخ. وسيارة "تسلا" نظير سيارة "نيسان" التي يدير منحاها المستقبلي المواطن اللبناني-الفرنسي كارلوس غصن. هل يستطيع الرئيس الفرنسي أن يقنع شركة "نيسان"، بالتعاون مع شبكة "توتال" وعبر إنشاء محطّات استهلاك التيار الكهربائي في طول البلد وعرضه، بأن تتجاوز البنى التحتية القديمة الرثة، كما حصل في إفريقيا مع الهواتف الخلوية؟ هل تساعد الحكومة الفرنسية استثماراً خاصاً بهذا الحجم على تخطّي الدسائس الحكومية التي تعمد على إبطائه وتساعد – لا محالة - إلى تقويضه؟
تسمح الزيارة في حلم اللبنانيين بمشروع خاص بين "نيسان" و"توتال" لإقتناء أسطول سيارات لبنانية تطغى فيها الطاقة الكهربائية على سواها من مركبات النقل النفاثة للسموم، على أن يُنفَّذ على امتداد عقدين، في حال حصلنا على إقبال الرئيس الفرنسي عليه خلال زيارته. "مشروع فرنساوي" لتاريخ لبناني - فرنسي بيئي واقتصادي مختلف؟


3. تجديد ثقافي: "الأبحاث على نسق "collège de france"
لا أحلام من دون مشاريع وطموحات كبرى، بما في ذلك مشاريع وطموحات فكرية على مستوى الكون. فرنسا الأعظم فكرياً هي فرنسا ميشال فوكو في ما يجسّده عالمياً وتاريخياً باعتباره الناتج الثقافي الفرنسي الأشهر الذي قدَّمه الكوليج دو فرانس في القرن المنصرم. هل يمكننا فتح نسقٍ خاص للكوليج دو فرانس في بيروت، والاستناد إلى برنامج من المحاضرات العامة السنوية، والمتجدّدة باستمرار، بمشاركة خيرة أساتذتنا اللبنانيين (وضيوف من فرنسا)؟ مع تأمين الرعاية العلمية على مستوى مستقبلي، وبالتالي التمويل المشترك لهذا المشروع الريادي بالتعاون مع جامعاتنا الكبرى؟ ومع قيام الكوليج دو فرانس بضمان الجودة؟


4. تجديد إقليمي، فلسطين: "مشروع القدس الموحَّدة"
لا بصيص أمل في فلسطين، يقطع فيها المتطرفون الطريق أمام تحقيق أي تقدّم. لن نصل إلى شيء مع نتنياهو وعباس، أو مع قادة الفاشية الإسلامية في حركة "حماس". لا يمكن تحقيق التجديد إلا من خلال القيادة الإسرائيلية العربية، وعلى رأسها أيمن عودة، وتحالفها مع يهود الوسط في إسرائيل. على ضوء انعزالية الرئيس الأميركي، أوروبا مدعوّة إلى سدّ الفراغ الذي بدأ الروس، واخيرا الصينيون، بملئه. لكن فرنسا تتمتّع بنقاط قوة مهمة في قلب إسرائيل. في خطوة أولى، مفيد للرئيس الفرنسي أن يبادر إلى استضافة قياديين من طراز عودة، يعتمدون خطاباً غاندياً لدرء العنف المزمن، في باريس (ثم في بيروت!؟)، برفقة شخصيات يهودية من اختياره، للتفكير في مقاربة أخرى للنزاع بعيداً عن تقسيم فلسطين التاريخية الى دولتين، والذي أصبح مستحيلاً بسبب الاستعمار اليهودي. "مشروع القدس الموحّدة (والعادلة)" بوحي فرنسا العلمانية، هل من يهودي إسرائيلي يمكن أن يعترض عليه؟


5. تجديد إقليمي، "نساء سوريا مستقبل لا عنفي"
في سوريا، يقع العالم في شباك عملية الأمم المتحدة التي تجد فرنسا نفسها مضطرة إلى التقيّد بها. تتحمّل الأمم المتحدة قدراً كبيراً من المسؤولية في سيل الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها المسؤولون السوريون، والإسلاميون الذين هم نسخة عنهم، وتقع مسؤولية كبيرة على عاتق مبعوثي الأمين العام الذين توافدوا إلى دمشق الواحد تلو الآخر، مجردين شرعية رئيس مأزوم في أصعب أوقاته.
يستحيل الالتفاف على العملية التي أطلقها دو ميستورا، إنما فرنسا قادرة على تعديل وجهة هذه العملية في بديل للقضاء على النظام الديكتاتوري السوري والمتطرفين الإسلاميين على السواء. لكن واهمٌ من يعتقد أن الرئيس السوري، أو أنداده في الحكم في روسيا وايران، سيتخلّى عن السلطة إذا لم يتضح جلياً له أنه يخسر ميدانياً. الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الثورة السورية هو اللجوء إلى السلاح. فالسؤال إذاً الأهم هو في سبيل استعادة الروح اللاعنفية التي تجلّت في بداية الثورة السورية. لا بأس، إذا صحّت هذه القراءة، أن نشرع في الإجابة خلال زيارة الرئيس الفرنسي، أختصرها بأمرَين اثنين: قوّة موجِّهة وأرض.القوة الموجِّهة تتمثّل في قيادة نسائية سورية، أظهرت ريادتها رزان زيتونه ورفيقاتها بالملايين.أما الأرض، فلا بدّ من إنشاء مناطق خالية من الإسلاميين و/أو من النظام على أراضٍ محمية عالمياً، ما يتيح أيضاً تغيير منطق الهجرة التوراتية التي تقضّ مضاجع أوروبا في نكبة سوريا.
وفي موضوع الهجرة الى أوروبا، قد يرى فرنسوا هولاند مفيداً قراءة كتاب المفكّر الاشتراكي الأرفع شأناً في نصف القرن الأخير، روبير فوسير، الذي توفّي عام 2015، وعنوان الكتاب "مئة مليون فرنسي ضد البطالة".


محامٍ دولي وبروفسور في القانون


ترجمة نسرين ناضر.
المقال ينشر لاحقاً بالفرنسية على سبل التواصل الإجتماعية، منها mallat.com

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم