الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

السراج دخل طرابلس... هل تخرج ليبيا من محنتها؟

المصدر: النهار
أمين قمورية
السراج دخل طرابلس... هل تخرج ليبيا من محنتها؟
السراج دخل طرابلس... هل تخرج ليبيا من محنتها؟
A+ A-

نجح رئيس حكومة الوفاق الليبي الجديدة فايز السراج في دخول طرابلس مع بعض أعضاء حكومته والمجلس الرئاسي ولم يحدث ما كان يتوقعه كثيرون من مواجهات وحرب تطول. فالبيانات والتصريحات النارية التي صدرت عن مجموعات محسوبة على المعارضين للاتفاق السياسي في الصخيرات والتهديدات المباشرة للسراج ووزرائه، لحسها أصحابها وكأنها لم تكن. لكن هل ينجح السراج بعد دخوله الميمون الى ليبيا في إخراج ليبيا من محنتها المخيفة؟


لا شك في ان الصعوبات المالية التي عانت منها حكومة "فجر ليبيا" غير المعترف بها، والتي اتخذت طرابلس مقرًّا، وأبرزَ عجزُها عن مواجهة الخطر المتصاعد لتنظيم "الدولة الاسلامية" تثبيت حكومة الوفاق الوطني سلطتها في العاصمة من دون إراقة دماء.
ونقلت "وكالة فراس برس" عن سياسي ليبي مقرّب من رئاسة حكومة الوفاق الوطني: "أفلست حكومة طرابلس، وبات بعض أعضاء الجماعات المسلحة بلا رواتب وبلا أموال، بينما اصبح آخرون يخشون ان يلقوا المصير ذاته". واضاف "هؤلاء العناصر يسيرون مع الجهة التي تملك الاموال، وليس مع الطرف المفلس. وبما ان حكومة طرابلس وجدت نفسها امام ازمة مالية كبرى، وباتت عاجزة عن دفع الرواتب، اندفعت الجماعات المسلحة لتأييد حكومة الوفاق".


وفعلاً فإن حكومة السراج حظيت بسرعة قياسية بدعم سياسي كبير مع إعلان بلديات مدن في الغرب وفي الجنوب الولاء لها. كما نالت تأييد المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسية، وهي المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس.
وانشقّت غالبية الجماعات المسلحة التي كانت داعمة لحكومة طرابلس عنها لتنضم الى حكومة الوفاق، وهذا ما دفع بالحكومة غير المعترف بها في طرابلس الى مغادرة الحكم، على رغم ان رئيسها خليفة الغويل اعلن في وقت لاحق رفضه تسليم السلطة، داعيا الوزراء إلى العودة الى وزاراتهم، الا انه يبدو معزولا الى حد ما في هذا الموقف.


وتلاشت تاليًا سلطة الحكومة غير المعترف بها، مقابل خطوات قامت بها حكومة الوفاق المحملة بوعود الاصلاح المالية والامنية، من دون اي مواجهة مباشرة بين الطرفين، ومع تفادي اي اشتباك مسلح بين الجماعات التي تؤيد السلطتين. فلواء الصمود في مصراتة الذي يتصدر القوى العسكرية الرافضة للاتفاق والمتحفظة على السراج وحكومته، كان سيجد نفسه في مواجهة ليس فقط مع قوات من مدن عدة شاركته المعارك التي أدت إلى إخراج كتائب القعقاع والصواعق ولواء المدني من طرابلس، بل ايضا في مواجهة مع كتائب تنتسب إلى مدينته نفسها.
ونظرا الى رجحان كفة الكتائب الداعمة للاتفاق وللمجلس الرئاسي والحكومة من ناحية العدد والعدة، فالكتائب الأقوى في مصراته مع الاتفاق، والقوى المتنفّذة في طرابلس أيضا، ولأن الرأي العام مع التوافق بحثا عن مخرج للأزمة الطاحنة، فإنه سيكون نوع من المغامرة تنفيذ التهديدات في شأن السراج وحكومته.


وجاء خطر تنظيم "داعش" الذي اتخذ من مدينة سرت موطئ قدم، وحاول الدخول الى مدن اخرى مثل صبراتة، ليفاقم مشكلة حكومة الغويل في طرابلس، واتهمت المدن الغربية، سلطة طرابلس بالعجز عن المساهمة في وقف تقدم هذا التنظيم المتطرف.
ويرى المحلل في مركز "كارنيغي اوروبا" مارك بييريني الذي كان سفيرا سابقا للاتحاد الاوروبي في ليبيا ان اندفاع المدن الليبية لتأييد حكومة الوفاق ينبع ايضا من "الخوف من تنظيم الدولة الاسلامية". واضاف ان "الليبيين يخشون حدوث تدخل غربي" (ضد داعش)، و"يفضلون تجنّب رؤية قوات اجنبية على ارضهم".
لكن على رغم ذلك، لا يزال وضع حكومة الوفاق هشا. فهي لم تحظ بعد بتأييد الحكومة المستقرة في طبرق في الشرق، والتي كانت تتمتع بتأييد المجتمع الدولي قبلها.
وانبثقت حكومة السراج عن اتفاق سلام وقّع في الصخيرات في كانون الاول برعاية الامم المتحدة من اعضاء في برلمان طرابلس (غير المعترف به) وبرلمان طبرق المعترف به دوليا. لكن التوقيع حصل بصفة شخصية. ووقع مئة نائب من 198 من اعضاء برلمان طبرق بيان تأييد لحكومة الوفاق، بعدما فشل البرلمان في مناسبات عدة في عقد جلسة للتصويت على الثقة.
وتشترط الحكومة المستقرة في الشرق ان تحصل حكومة الوفاق على ثقة مجلس النواب المعترف به دوليا قبل تسليمها الحكم. والمسألة الثانية تتعلق بموقف السراج من قائد الجيش اللواء خليفة حفتر المناهض للاسلاميين، الذي يرى أن سلطته مهددة بمقتضى الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، ويحذّر من انقلاب من جهة الغرب ينفذه المسلحون أصحاب التوجّه الإسلامي في طرابلس ومصراتة، ما يعني أن سلطة السراج على الجناح العسكري الشرقي للجيش الوطني الليبي ستبقى ضعيفة.


وعلى حكومة الوفاق ايضا مهمة شاقة تتمثل بتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات المنهارة وتعزيز إنتاج النفط وحلّ أو استيعاب الفصائل المسلحة وتوفير رواتب موظفي الدولة.
وهذه الخطوات ضرورية ليس فقط لبقاء الحكومة، ولكن من أجل جهود التصدي لتنظيم "داعش" ولإنقاذ اقتصاد يتراجع بسرعة بسبب انخفاض إنتاج النفط وانهيار أسعاره العالمية.
وأثبتت الأحداث أن وجود الفصائل المسلحة - التي اعتبرت نفسها حامية انتفاضة 2011 التي أطاحت معمر القذافي- غير ثابت وأن ولاءاتها غير مستقرة. وربما يتفجر العنف أمام أي محاولة لدمج هذه الفصائل في قوة أمنية وطنية تخضع لحكومة الوحدة أو لدى التوقف عن دفع رواتبها إن هي اتخذت مثل هذه الخطوة.


وقال ريكاردو فابياني محلل شؤون شمال أفريقيا بمجموعة أوراسيا لـ "رويترز" إن الفصائل "تدعم حكومة الوحدة الوطنية لأنها تتخذ أوضاعًا جديدة بمهارة شديدة في الأجواء المستجدة". وأضاف: "ذلك لا يعني أنها ستدعم الحكومة طول الوقت. بمجرد أن تظهر انقسامات في حكومة الوحدة ستقف مع وزير أو آخر مثلما كانت تفعل حتى عام 2014 ".
وهكذ يظل وضع حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية في ليبيا معلقاً. فلا هي حكومة منفى تنتظر الضوء الأخضر لممارسة مسؤولياتها، كما حدث في تجارب المفاوضات النهائية لتحقيق الجلاء عن الدولة المستقلة الناشئة. ولا هي حكومة انبثقت من وفاق الأطراف المتناحرة، إلا بالقدر اليسير الذي مكّن من تنفيذ جانب من قرارات مفاوضات الصخيرات.
المشكلة المحورية أن مهمات هذه الحكومة التي لم يرافقها سند سياسي على أرض الواقع، تبدو أكبر من قدراتها، لأنه لا يمكن أي سلطة تنفيذية، مهما أوتيت من أشكال الدعم الخارجي، أن تفرض برنامجها وأسبقيّاتها ذات العلاقة باستتباب الأمن وفرض القانون وشطب تأثير الميليشيات، من دون أن تلتف حولها معظم القوى والأطراف السياسية المتصارعة.


وإذا كان مجرد انتقال الحكومة إلى طرابلس التي كانت عاصمة ليبيا ما قبل تفتيت مصادر القرار، يطرح إشكالات أمنية بالغة التعقيد، فكيف يمكنها أن تقر خطة انتقالية طموحة، تبدأ بإلغاء الوجود المسلح للتنظيمات المتحاربة، وتؤسس مرجعيات السلطة التي تضمن احترام القانون، خصوصا أن مسؤولياتها أكثر تشعباً في غياب وحدة السلطتين القضائية والاشتراعية الموزعتين بين أطراف عدة.


[email protected]
Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم