الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

اللجوء السوري وفزاعة التوطين

المصدر: "النهار"
حسن بيان- محامٍٍ
اللجوء السوري وفزاعة التوطين
اللجوء السوري وفزاعة التوطين
A+ A-

عد فترة على بدء اللجوء السوري إلى لبنان ودول الجوار الجغرافي، بدأت "مفردة التوطين" تشق طريقها إلى صلب خطاب سياسي لبعض القوى في الساحة اللبنانية. واليوم بعد خمس سنوات على تفجر الوضع في #سوريا، وتعرض أكثر من نصف سكان سوريا لترك أماكن سكنهم بحثاً عن ملاذات آمنة داخل الأراضي السورية وقلما وجدت، أو خارجها، بدأ العزف مجدداً على وتر التوطين بعيداً عن معايير التوصيف الموضوعي وخارج سياقات الحدود الدنيا من المبرّرات. فالتوطين شعار يرفع عادة لإسكان فئة من الناس اقتلعت من أرضها ونزعت هويتها الوطنية ودفعت إلى خارج حدود أرضها الوطنية، ويمنع عليها العودة بقوة الأمر الواقع أو بالتشريع الظالم واللاقانوني. والعنوان الصارخ لهذه الحالة هي ما وقعت تحت تأثيره حالة النزوح الفلسطيني. وإذا كانت الحركة الصهيونية ومعها كل القوى الدولية الداعمة لها تضغط لفرض التوطين على الكتل الشعبية التي أخرجت من أرضها، فلكي تفرض واقعاً يسقط حق العودة إلى أرض استلبت واغتصبت بالقوة وحل مستوطنون استقدموا من كل أنحاء المعمورة مكان السكان الأصليين للبلاد، ومع هذا فإن الكتلة الشعبية الفلسطينية وهي تواجه ظروفاً معيشية صعبة وتحرم أبسط الحقوق المدنية، ترفض التوطين وتصر على العودة إلى أرضها، لأن هذا الحق الوطني هو حق غير قابل للتصرف، وبالتالي فإن هذه المسألة لا تزال أهم نقاط الاستعصاء التي تطرح نفسها بقوة في إطار مشاريع التسوية، وخصوصاً في ما يتعلق منها بما يسمى الحل النهائي.



هذا الواقع الذي يرخي بظلاله على الواقع الفلسطيني، هل يسحب نفسه على الواقع السوري حتى ترفع بين الحين والآخر شماعة التوطين لمن يريد أن ينشر عليها "غسيل مواقفه"؟
بطبيعة الحال إنّ الحالين مختلفتان، لأن اللجوء السوري إلى لبنان يختلف بسياقاته السياسية عن اللجوء الفلسطيني. إذ جاء الأول في سياق الصراع السياسي الداخلي الذي تعسكر وما ترتب على ذلك من نتائج، أما الثاني فجاء في سياق مشروع الاقتلاع الوطني لشعب فلسطين من أرضه، وبالتالي فإنّ استحضار مصطلح "التوطين" في التعامل مع موضوع اللجوء السوري، هو من قبيل التوظيف السياسي في سياق تقاذف المواقف في الداخل اللبناني حول قضايا خلافية. وأن تستعمل ورقة اللجوء الإنساني للابتزاز السياسي، لا يخدم وحدة الموقف اللبناني الذي يفترض فيه أن يكون موحداً في تعامله مع هذه المأساة الإنسانية التي طالت أكثر من اللازم، وأن يكون أيضاً موحداً تجاه تعامله مع الجهات الدولية المانحة لزيادة تقدماتها بالشكل الذي يجعلها تحقق غاياتها المنشودة، لجهة توفير شروط أكثر أنسنة للّاجئين ولجهة تمكين لبنان من تحمل هذا العبء الكبير بالنظر إلى إمكاناته المحددة بالقياس إلى حجم اللجوء. أمّا وأنّ الخلل في وحدة الموقف في التعامل مع هذا الملف قد كُشفت عوراته وظهرت من خلال التعامل مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسي البنك الدولي والبنك الإسلامي، فإنّ هذا الخلل أعطى انطباعاً سلبياً عن حقيقة الواقع السياسي اللبناني وهو العائم بسلبياته أصلاً، وبيّن أن بعضاً من القوى السياسية يتعامل مع قضايا حيوية، ومنها قضية اللجوء بنزق وخفة سياسيتين، ومن خلال إسقاط شعار "التوطين" على قضية ليست مطروحة أصلاً، لا عند اللاجئين الذين ينتظرون اليوم قبل الغد للعودة إلى منازلهم وأرضهم التي تركوها درءاً لخطر على أمنهم الحياتي، ولا عند الذين يطبخون الحلول السياسية على موقد المحرقة السورية.



وإذا كانت الأمم المتحدة والجهات المانحة ترغب في تفعيل مساهماتها للبنان وزيادتها للمساعدة على تلقي النتائج التي فرضها عبء اللجوء، فهذه لا تسجّل في خانة توفير أرضية لمقومات التوطين بقدر ما ترمي الى تجنّب تجرّع علقم كأس اللجوء إلى مجتمعات الغرب السياسي، خصوصاً التي ارتفعت وتيرته في الآونة الأخيرة، وهذا مبادرة يجب التقاطها بالتعامل الإيجابي معها لتوفير مستلزمات دعم إنساني من ناحية ولدفع المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته حيال أزمة باتت مدوّلة بامتياز في شقها السياسي، وبما يوجب التعامل باهتمام أكبر مع شقها الإنساني.



أما إذا كان من يرفع فزاعة "#التوطين" لديه معلومات أن ثمة تغيير ديموغرافي سيطرأ على الخارطة السورية، فليفصح عن هذه المعلومات وعندها سيأتي الجميع إلى أرضية موقفه ليس بإعلان رفض التوطين فحسب، بل بمقاومته، وما دون ذلك فإن الموقف لا يعدو معها بروباغندا (إعلامية – سياسية) لا علاقة لها بقضية اللجوء السوري بما هي قضية إنسانية يجب النظر والتعامل بمنظار الأخوة القومية وبعيداً عن أي استغلال سياسي رخيص لها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم