الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تشارك في الصوم بين الطوائف والسمك ضيف "البشارة"

المصدر: طرابلس - "النهار"
رولا حميد
تشارك في الصوم بين الطوائف والسمك ضيف "البشارة"
تشارك في الصوم بين الطوائف والسمك ضيف "البشارة"
A+ A-

السمك حاضر اليوم على مائدة الصائمين المسيحيين، وليس في ذلك مخالفة لقواعد الصيام لأن اليوم يحلّ عيد "البشارة" الذي يسمح فيه بكسر قاعدة الصوم بأن "كل ما هو حيواني ممنوع تناوله". حتى في "البشارة"، كل ما هو حيواني ممنوع إلا السمك. لا بل من المفضل تناوله استكمالا لعدة الصيام، وكل شخص اسمه بشارة، يحتفل مع أصدقائه، ورجال الدين المحيطين به، بالعيد الذي يحمل اسمه.


أما كيف يتم الاحتفال، فهو بحضور القداس الصباحي، ثم الاجتماع للتحادث بمعاني العيد، وما بشّر به الملاك جبريل السيدة العذراء، بحسب ما تروي هدى نيني، السيدة الطرابلسية الأرثوذكسية.
يجلس المدعوون للاحتفال إلى مأدبة يسيطر عليها السمك، دون غيره من بقية المشتقات الحيوانية، لأن "السمكة خالية من الدم"، بنظر نيني. غير أن السيدة ليلى، التي ترافق هدى في جولتها في أسواق المدينة القديمة، تعتبر أن السمكة مباركة بنظر المسيحيين، فالسيد" (المسيح) كما تقول، "دعا الجموع إلى مأدبة ولم يكن بقفّته إلا سمكة ورغيف خبز واحد، لكنه بقدرته العجائبية، أمكن إطعام جموع غفيرة سمكًا وخبزًا وفيرًا".
من هذا المنطلق يُسمح بتناول السمك بعيد البشارة، وأيضا في يوم آخر من صيام الفصح الطويل الذي يستغرق خمسين يومًا، وهو يوم أحد الشعانين الذي يسبق عيد الفصح بأسبوع.
أسواق المدينة، وبيوتها ليست في عجقة كبيرة بسبب الصوم، لأن البعض يلتزم بالصوم، وآخرون لا يلتزمون به. أسباب كثيرة ومتنوعة لدى المسيحيين تجعل من الصوم عندهم اختياريًّا، و"من المفضل الصوم تيمّنًا بالمسيح الذي صام أربعين يوما دون انقطاع"، بحسب هدى، مضيفة أني "أزداد شعورًا بالتقرّب من الله في الصيام، أثابر على ارتياد الكنيسة للصلاة عصرًا، ومن شروط الصيام الانقطاع عن الأكل بين منتصف الليل ومنتصف النهار، والامتناع عن تناول المشتقات الحيوانية بما فيها السمنة واللحوم والألبان".
أما سيلفانا عاد، فتقول: "في الصوم، يجب الالتزام بالانقطاع عن كلّ شيء بين الساعة ١٢ ليلًا والساعة ١٢ ظهرًا. وفي بحر السنة، يجب تطبيق القطاعة كل اربعاء وجمعة. وهناك صياما الميلاد والسيدة ايضا".
عاد تلاحظ أن "الناس لا يلتزمون بقواعد الصوم بصرامة، وهناك من يحبّ أكلة، فينقطع عنها، ويكتفي بذلك. وقد ينقطع شخص عن المشتقات الحيوانية حتى الظهر ليعاود تناولها بقية اليوم، لكن هذا مخالف لقواعد الصيام"، كما قالت.
السيدة ليلى تفيد أن هناك من يصوم أول اسبوع وآخر أسبوع من الصوم، وكل أربعاء وجمعة في باقي الأسابيع. لكن من لا يلتزم الصيام كله يفقد بهجة العيد، والتوقف عن الصوم".
ماري نيني سيدة مقعدة بسبب كسر في الورك، عمرها يناهز الثمانين عاما، تتذكر كيف كان القدماء ينقطعون عن الطعام بصورة تامة أول ثلاثة أيام من الصيام، وثلاثة أيام قبل المناولة يوم خميس الجسد. ويلتزمون الصوم طوال بقية الأيام، "فوالدتي"، كما قالت، "كانت تنقطع عن الأكل والشرب بين منتصف الليل والظهر، وعن تناول أي شيء من المشتقات الحيوانية".
وتحدثت عن مفهوم الزكاة الذي ساد سابقًا في الصيام، وقلّة تلتزم به حاليًّا، وأشارت بحنين إلى أيام زمان سادت فيها المحبة والتقرّب بين الناس، خصوصا بين المسلمين والمسيحيين، حيث تشارك كل منهم أعياد وصوم الآخر بطريقة ما. التقرب ما يزال موجودًا بينهما، كما قالت، وزوجي كان استاذًا وكل تلاميذه مسلمون".
وختمت: "كان هناك فرح وسلام ومحبة أكثر من اليوم، لكن التعايش بين الطوائف لا يزال كما كان".
عضو حركة الشبيبة الأرثوذكسية نقولا توما تحدّث عن الصوم كـ"غاية إيمانية في سبيل الغير، تهدف إلى الاختصار في الأكل، ومساعدة الضعفاء". وقال إن الصائمين كانوا يجتمعون إلى مآدب يجري خلالها جمعُ التبرّعات من مال ومأكل، ويقدّمونه للمحتاجين".
يأسف توما لتراجع الصيام، وتراجع قيمه التقشّفية، فقد تحوّل إلى حالة بذخ، وما يتبقى من مأكل يذهب هدرًا إلى النفايات، وكثيرون يصومون من اجل "الريجيم"، بينما أهمية الصوم، يقول خاتمًا، "هي أن أرى الله في غيري لأن الله موجود في كل الناس".


التعايش
كيفما حل زائر في المدينة، وأزقّتها، سمع لغة التعايش بين المسلمين والمسيحيّين. الكل من أبناء الطوائف يصرّون على هذه الصيغة، ويتباهون بها، ومطاعم المسلمين تخصّص الصوم بمأكولات خاصة للمسيحيين.
يشتهر خالد كلسينا بمطعمه الفول والحمص. يفيد ان الطلب على مأكولاته الخالية بطبيعتها من المشتقات الحيوانية، يزداد بنسبة 30 %، ويقول: "ألبّي طلبات الصائمين إلى البيوت، وأستبدل لبنة الفتّة بالاكتفاء بالطحينة، وقلي اللوز والصنوبر بالزيت بدلاً من السمنة، أما بقية المأكولات فهي متلائمة مع الصوم المسيحي، فهنا لا فرق بيننا".
حبيب، وشقيقه ابراهيم، يملكان محلاً شهيرًا للحلويات هو "حلويات الصباغ". يتحدث عن زيادة الطلب على حلوياته لأن "منطقتنا فيها كثير من الروم، وإكرامًا لهم أحضّر ما يتلاءم مع صيامهم"، كما يقول، موضحًا: "أستبدل لحمة اللحم بعجين بالصويا، وأصنع الجوزية بشلش الحلاوة والسمسم، ولا أستخدم الزبدة رغم أنها تعطي المذاق اللذيذ للحلويات. كما أصنع للصائمين النمورة، والمعمول المدّ بالجوز، والفستق لكن من دون زبدة او سمن".
وأفاد عن ضغط على مصنوعاته من "الشعيبيات كالسلق والسبانخ، وكذلك الكربوج بالفستق من دون قشطة، والعديد من المشتقات الأخرى"، ومن مسبّبات الضغط، كما يقول، هو "توصية المسلمين على حلويات صيامية لكي يهدونها لأصحابهم المسيحيين، فنحن هنا نلتزم بمحبة بعضنا، ونتميّز بهذه الصفة، ونفتخر بها".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم