الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

هجرة المسيحيين من الشرق... الحلّ: محمد علي الكبير

المحامي عبد الحميد الأحدب
A+ A-

هل بقاء المسيحيين في الشرق سؤال يُطرح؟ واذا طُرح فهل هو خيار إسلامي؟
على ذلك يجيب انطوان سعد في كتاب رائع يطرح المشكلة ويعالجها!
ويسأل في أول الكتاب: هل المسلمون حقيقةً راغبون، ولهم مصلحة من وجهة نظرهم في بقاء المسيحيين؟ ولماذا لا تُظهر الأعمال كفاية هذه النيات الحسنة؟ ثم يتعرض لنظام الامتيازات والتنظيمات الذي أقرّته الأمبراطورية العثمانية حين أصبحت الرجل المريض. ويُنوّه بأن هذا النظام وفّر الحرية الدينية، خصوصاً للمجموعات المسيحية، وهذا ما اختلف معه عليه لأن نظام الامتيازات والتنظيمات الذي فرّق بين رعايا السلطنة العثمانية اعطى الحريات للمسيحيين لأنه ضعيف أمام اوروبا وليس اعتقاداً بالحرية، والدليل أنه بمجرد اندلاع الحرب العالمية الأولى انقضَّ على المسيحيين في جبل لبنان فجوّعهم وأذلّهم وحرمهم أي حرية.
وأَقِفُ بانحناء أمام قول انطوان سعد عن توجه الطائفة المارونية نحو انشاء المدارس التي بدأت بالانتشار في جبل لبنان، فالمدرسة هي باب الحرية وانتشارها ضمان للحريات، وهو الطريق الى الحداثة والى القوة.
في مصر قُدِّم الى سعد زغلول بيان الاستقلال الذي وضعه حزب الوفد، وفي أوّله "الله اكبر"، فأعاده الى واضعيه وسألهم ما دخل الله في نزاعنا الوطني الاستقلالي، إنّ الدين لله والوطن للجميع، وأصرّ على أن يصدر بيان الاستقلال خالياً من العبارات الدينية. وفي ايام سعد زغلول تمتع المسيحيون والمسلمون بالحرية، وكانوا كلهم مصريين ليس بينهم مواطنون من الدرجة الأولى ولا مواطنون من الدرجة العاشرة!
التغيير والإصلاح هو ذاك الذي قام به محمد علي الكبير الألباني الأصل في القرن التاسع عشر 1805-1848بعدما صفّى المماليك وهم ظاهرة تاريخية في العالم العربي وعبيد القصور المَلَكِية اتحدوا فحكموا العالم العربي والإسلامي، وكانوا هم الذين استطاعوا ان يهزموا الصليبيين ويطردونهم.
بعد تصفية المماليك تفرّغ محمد علي الكبير لحكم مصر وسعى ليجعل منها القوة التي تَخْلُف الأمبراطورية العثمانية وتتحول منارة نور وفكر وعلم وتَحُلّ الحداثة مكان التخلف ويتحول شعب مصر الى أرقى شعوب العالم والمجتمع المصري الى مجتمع عصري، المصريون كلهم لمصر وليس للدين مكان ليفرّق، بل الدين يجمع ويبتعد عن السياسة.
وقد عتَّمَ النظام المصري على تاريخ محمد علي الكبير منذ الانقلاب العسكري سنة 1952 الى الآن. ماذا فعل محمد علي الكبير؟
بعدما أبرم اتفاقات ثقافية وعسكرية وعلمية مع فرنسا، ارسل محمد علي الكبير ألوف المصريين الى فرنسا ليتعلموا الهندسة والطب والقانون والفنون العسكرية والعلوم والتدريس والتعليم و... و...، وكان رفاعة الطهطاوي هو صلة الوصل في حملته التحديثية العصرية. وعادوا بعد سنوات ليضعوا أسساً عصرية في الطب والهندسة والقانون والقضاء والمحاماة والجيش والأدب والفكر والتعلم والتعليم الخ... فصار الذين يتخرجون من الجامعات يحملون شهادات تخدم مجتمعهم وتفتح لهم سبل النهوض والترقي وليس شهادات فقر حال.
وتحولت مصر منابع فكرية وعلمية في كل الميادين، وكان طه حسين وتوفيق الحكيم وعبد الرزاق السنهوري وغيرهم، هم الذين أنبَتَهم المجتمع المصري بعد حملة محمد علي الكبير الذي استطاع تشكيل جيش عصري قوي لا ينهزم بعد ثلاث ساعات، بل يخرج من مصر بقيادة ابنه ابرهيم باشا فيحتل كل بلاد المشرق العربي ويصل الى اسطنبول، ولكن الدول الكبرى كانت تُبقي على تركيا رجلاً مريضاً، لأنها مختلفة على الإرث وترفض أن يرث محمد علي الأمبراطورية العثمانية، فهددته الجيوش الأوروبية باستثناء فرنسا، وانتهى الأمر بتسوية سياسية أعادت الجيش المصري الى مصر وأعطي محمد علي الكبير استقلالاً ذاتياً.
في المجتمع المصري الذي كانت مدنه مختلطة مصرية وأوروبية وكانت العلوم والجامعات والحياة كذلك، وكان الأقباط في موقع امين وكذلك المسلمون.
ونقل محمد علي الكبير مصر من القرون الوسطى الى عصور الحداثة بالعلم والمعرفة يحرسها جيش كان قادراً على خلافة الأمبراطورية العثمانية.
سؤال انطوان سعد: هل يجيب المسلمون بالكلام أو بالأفعال؟
جوابي عنه : بالأفعال كمحمد علي الكبير.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم