الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"قامات في فراغ أبيض" لبدوي الحاج خذني برفق وعلّمني أن أكون امرأة كي أخطو على درب الشعر الطويل

جوزف باسيل
"قامات في فراغ أبيض" لبدوي الحاج خذني برفق وعلّمني أن أكون امرأة كي أخطو على درب الشعر الطويل
"قامات في فراغ أبيض" لبدوي الحاج خذني برفق وعلّمني أن أكون امرأة كي أخطو على درب الشعر الطويل
A+ A-

لا تكتمل امرأة بلا رجل، وكل انوثة ناقصة بلا ذكر. هكذا يدخل بدوي الحاج سطور ديوانه، "قامات في فراغ أبيض"، سطراً سطراً، رامياً الى هدفه، أحاسيس المرأة: خذني برفق/ كما يحلو لك/ علّمني أن أكون امرأة.


المرأة الشهية التي تتكون سيّدة في المساء، هي التي تفاخر بحبها في النهار، وتتواضع لحبها في الليل، فترتفع بمشاعرها.
المرأة محور القصائد تتلون بالشهوة ووسائل العشق وخمرة الحب، امرأة مشتهاة وشهوانية كي ترفع الهوى الى مرتبة الوجد والتديّن. إنها امرأة الأنا الغاوية والنحن المشتهين.
يحتفي الحاج بالشعر مشاهد من الحياة يعايشها ويرسمها "قامات في فراغ أبيض". يخاف على المكان أن يضيع، وعلى الاحساس أن يرحل، وعلى الذاكرة أن تشيخ، وعلى الزمن أن يعبر، فينشد الشوق والتوق والعشق والمشاعر والمدن والوطن، ويجعلها حضوراً في الروح والخيال.
عاشق هو الحاج تعلو قصائده بأرقِّ الكلام على أرقى النساء، فأنت بين رقتين: رقة قيثارة ورقة لمسة. وانت بين شهوتين: لمسة وقبلة. أحياناً يقع النص في نثرية تفقده رقة الشعر وعذوبته، وتضيع الصورة الشعرية في وضوح الكلام ومباشرته. الأسلوب المباشر يفتقد دفء الشعرية، وإن تدفّأ بالنار، "وفي الشتاء استعمله (الحب) كوسيلة تدفئة وتخمير". إن الكاف التي قرنها بوسيلة جاءت ثقيلة. وباستثناء الروي الذي يتراقص في آخر بعض السطور، تفتقد بعض القصائد الوزن الخليلي والتفعيلة. لكن تجمِّل القصائد بعض الجمل الشعرية، على رنة وزن ونوتة موسيقى.
لفتتني صور شعرية استعذبتها، مثل: نهدها انحناءة زنبقة، سيقان تتحاكى. جعلت من الروح وسادة. تقتات بذور ذكريات آتية على وقع طبول المطر.
الوقت مائل الى كسل يقضم أظفاره امتعاضاً، على طول مَلَل الأرصفة. الباب ينام واقفاً، وكذلك لوحة الحائط!
أعجبتني قصيدة غنائية: "لا تعبثي بموقدي.../ فالجمر له غطاء شفّاف
له أحاسيس.../ ولو من تحت الرماد!/ له رأي وله خيار/ عنيد وأحادي الأفكار/ تعبثين أكثر.../ فينتفض لهباً وكتلة من نار". ثمة جمل غنائية تعمشق على خيالك، تعربش على بصرك، تسافر في أحلامك: "عندما يأتي الشتاء/ لا يدخل من الباب/ بل من ثقوب دخان السجائر/ يعشش في الزوايا الضيّقة/ يقترب من النافذة/ ينظر من خلف الستائر/ ينظر في عراء الشارع/ يجلس على الكرسي البارد/ يلتحف الموقدة/ ويمضي الى عقارب النوم". لو كنت شاعراً لحذفت عبارة "لا يدخل من الباب" واكتفيت بـ"يدخل من ثقوب دخان السجائر".
خروج الشاعر الى فسحات الوطن العربي الواسع ينقل مواقف بطولات سطّرها رجال لبسوا المرقّط في جرود عرسال، أو لبسوا الأكفان في فلسطين: "الأيادي مقطوعة بين الحائط والمبكى/ لكن الهواء ضرير/ والضمير مطفأ/ وحدها الغيمة المعصورة في الفم/ تروي جفاف قبحنا!".
رحل بشعره الى الراحلين بصمت من شهداء الجيش، المرتقين الى رتبة الشهادة حين تكون واجباً واستحقاقاً من أجل وطن، ارضاً وإنساناً: "كل شيء يبدو صامتاً/ أسراب النحل تدمدم بهدوء/ بالأمس كنتُ لوحة/ بالأمس كنتُ ظلاً/ طافياً بين الصخور وشجر البلاّن/ سأرحل دون استئذان/ سأرحل دون عتاب أو نظر/ ايتها السماء سامحيني/ لم استطع الارتقاء أكثر"!
ان الحاج في "قامات في فراغ أبيض" بعد إصداره الأول "ولو بعد حين" يسير على درب الشعر الطويل...


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم