الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كيف أصبح إرهابياً؟

أحمد رميتي
كيف أصبح إرهابياً؟
كيف أصبح إرهابياً؟
A+ A-

لم يكن أحد يتوقع من غبار الحرب التي اندلعت في سوريا في آذار العام 2011، أن تصل إلى منشآت وأروقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. أمس الأوّل، أخفقت الأجهزة الأمنية البلجيكية في إحباط العمل الأمني المروّع الذي ضرب المطار ومحطة القطارات في مقاطعة بروكسيل البالغ عدد سكانها نحو مليون نسمة.
المشاهد التي رأيْناها صباح الثلثاء عبر الوسائل الاعلامية المحلية والقنوات الفضائية، عادت الذاكرة بنا إلى الانفجارات التي هزّت مدينة بيروت وضاحيتها. الأشلاء المبعثرة التي تشعّبت على الرصيف، وحالات الذهول التي أصابت من كان في محيط الانفجارات، لم تردع المنظمات الارهابية المنتشرة على شكل خلايا نائمة في مختلف قارات العالم، من تكرار جرائمها البشعة، التي طاولت أبرياء من مختلف الطوائف والجنسيات.
الجاني الذي كان يمسك أصبع أمه ويرافقها إلى السوق، والقاتل الذي كان يحضر في الصفوف الأمامية في المعابد الداعية إلى الوحدة يبن الطوائف، كيف انتقل من طبيعته المسالمة وصار وحشاً يحز الرؤوس ويستبيح دماء الأطفال؟ طالب العلم الذي كان يشارك زملاءه الجامعيين في الحفلات الموسيقية والندوات الاجتماعية في مقاهي المدينة، وعندما يعود إلى داره، يفترش الأرض جنب شقيقه، كيف قتل أخاه لأنه لا يوافقه آراءه ومعتقداته، كيف أصبح إرهابياً؟


الجهل والانجذاب الثقافي يدفعان إلى الإرهاب
اعتبرت الطبيبة والمعالجة النفسية شانتال منصور في حديث إلى "النهار" أن "ما يؤثر في سلوك الشخص الذي تنمو لديه رغبات غير طبيعية وتدفعه إلى القيام بعمل إرهابي، هي الاضطرابات المرضية النفسية التي تلوح به منذ نشأته وسط عائلته مذ أن كان صغيراً، بمعنى آخر غذاؤه العاطفي الذي منحه إياه والديْه، إضافة إلى العلاقة العاطفية التي نشأت بينهما، من خلال روابط الحب والكراهية التي تصدر بشكل عفوي من طرف الأهل، إلى أن يكبر ويصبح فرداً من المجتمع".
وأوضحت أن "ما يدفع هذا الشخص لكي ينضم إلى منظمة إرهابية ويصبح فرداً منها، هي مجموعة من العوامل النفسية ظهرت نتيجة خلل ونقص في نموّه العاطفي الذي كسبه من عائلته، ما يوجد لديه نوع من العدائية والتطرف تجاه الآخرين، إلى أن يصبح متشبساً بآرائه وثابتاً بمواقفه، وينجر خلف أفكار وتوجهات يعتقد أنها ستبلغه السعادة القصوى الذي يسعى جاهداً الوصول إليها".
وحول المشاهدات التي يتابعها هذا الشخص في وسائل الاعلام وتُعنى بصور ومرئيات تحضه على العمل الارهابي، أشارت منصور إلى أن "كل ما يراه على هذا الصعيد، يؤثر عليه سلباً ويسهل عليه التطرف، لكونه مستعداً لخوض هذه التجربة من دون إدراك، نتيجة الصراع الداخلي الدائر بين جزأي من أجزاء نفسه، حيث يجد ذاته الآخر على مقلب ثانٍ من العالم، ويتخطى في ذلك كافة مستويات العلاج".
وأكدت أن "عوامل الفقر وقلة المعرفة الدينية، إضافة إلى عدم وجود سلطة من الأهل وقلة الاهتمام من المحيطين بهم، هي التي تولّد لديهم نوعاً من الانجذاب الثقافي تجاه معتقدات التنظيمات الارهابية"، مضيفةً أن "المرشدين لهؤلاء الأشخاص، يحاولون من خلال سلسلة النقاشات التي يجرونها معهم، أن يظهروا لهم، أن المجتمع سيئ وبحاجة إلى إصلاح من قبلهم، فتكون هذه الأفكار التي سمعوا بها للمرة الأولى، بمثابة قواعد وقوانين بالنسبة إليهم، وتؤدي إلى إعادة تقويم وبرمجة عقولهم، وتثقيفهم من المستقطبين وفق الأسس الدينية الصحيحة من منظورهم".
وفي ما يتعلق بالانتحاري الارهابي صلاح عبد السلام الذي يحمل الجنسيْتيْن الفرنسية والبلجيكية، والذي كان ينوي تفجير نفسه بين الجموع على المدرجات خلال المباراة التي جمعت منتخبي فرنسا وألمانيا في باريس، رأت أن "عبد السلام هو في طبيعة الحال كائن بشري، وفي لحظة ما حصل خلل نفسي سبّب إشكالاً بين العقل والسلوك ما منعه من تفجير ذاته"، لافتاً إلى أن "العامل النفسي المتعلق بالجنسية الفرنسية هو الذي ردعه عن القيام بذلك، مهما بلغت ذروة تطرفه، لأن في داخله إحساساً عميقاً أنه إنسان ويقوم بفعل لا يطاق يتعارض مع الأمور الإيجابية في الحياة الطبيعية".


حقد دفين على الغرب
من جهته، أستاذ علوم الاجتماع في جامعة "القديس يوسف" ميشال عبْس، اعتبر في إتصال مع "النهار"، أن "ثمة حقداً دفيناً على الغرب في العقل الجماعي العربي- الاسلامي مرده تاريخي إثر الاستعمار وازدواجية المعايير عالمياً"، لافتاً إلى أن "هذا الحقد ممكن أن يخلق أناساً مقاومين، لكن في الوقت عيْنه، يمكنه أو يولّد أشخاصاً تصل بهم أفكارهم إلى حد قتل من يخالفهم الرأي نتيجة عملية غسل الدماغ التي يخضعون لها بغير إرادتهم، بهدف تبديل إتجاهاتهم ومعتقداتهم، ومن ثم إعادة تثقيفهم وفق البرنامج المخصص لهم"، مضيفاً أن "العوامل السياسية والظروف الاجتماعية تضطلع بدور كبير على هذا الصعيد، عدا أنه من الممكن أن يكون بعض هؤلاء الارهابيين يتناولون عقاقير قبل تنفيذ المهمات المنوطة بهم".
ودعا الدولة اللبنانية إلى "ضرورة إرشاد وتثقيف المجتمع من خلال عمليات توعوية عبر وسائل الاعلام والمؤسسات المختصة، والوقوف على الحلقات الدينية التي تقدم من أشخاص غير حائزين إجازة في العلوم الاجتماعية، فيعظون بين الناس ويحرضونهم على القتل وأذية الآخرين".
وسأل عبْس الذي وصف المجتمع اللبناني اليوم بـ"النائم"، "كيف لمجتمع عربي ينتج أناساً تقاوم بالسلاح والكلمة، وتندد بالصهيونية، وتحضّ شعوبها على السيادة والكرامة الوطنية، أن يخرج منها أشخاص معبأة وصلت بهم معتقداتهم الدينية إلى قتل أشقاء لهم في الوطن، لكوْنهم شرقيين ويتباينون معهم في الآراء؟، مؤكداً أن "ثمة استغلالية من بعض المراجع الدينية".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم