الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"فصلوني عن ابني وكادوا يتهمونني بالجنون"

المصدر: طرابس – "النهار"
رولا حميد
"فصلوني عن ابني وكادوا يتهمونني بالجنون"
"فصلوني عن ابني وكادوا يتهمونني بالجنون"
A+ A-

وقت تتراجع أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، بدأ كثيرون منهم يعودون، خصوصاً من اللبنانيين الذين هاجروا تحديداً إلى السويد وألمانيا.


أسباب المعادلة متعددة، أبرزها اتخاذ دول الاتحاد الأوروبي تدابير للحد من تدفق عشرات الآلاف اليها، ومنها ما يعانيه المهاجرون من صعوبات وتدابير لم يسبق لهم أن اعتادوها في أرضهم.


وإذا كانت الدول الأوروبية تستطيع تحديد أعداد المهاجرين، دخولاً وخروجاً، فإن الاحصاءات عنهم تغيب في لبنان.


تستطيع أجهزة الدول الأوروبية مراقبة حدودها واتخاذ اجراءات وقرارات، فتحد من أعدادهم. لكن بالنسبة للبنان، وبحسب مصدر أمني مطلع، فإنه "يصعب، إن لم يكن يستحيل، إحصاء النازحين بسبب الطرق المعتمدة للهجرة".


ويفصل المصدر، الطرق المعتمدة، ف"من المهاجرين من يعتمد السفر بصفة سياحية شرعية إلى تركيا، ومنها إلى اليونان، فباقي المناطق الأوروبية. ولأن المهاجر شرعي، لا تستطيع الأجهزة الأمنية تحديده سائحاً أم مهاجراً غير شرعي".


ويضيف ان "ثلاثة أرباع المهاجرين غير الشرعيين لبنانيون، ومنهم من يغادر تهريباً، وفي هذه الحالة أيضا، يتعذر على الأجهزة الأمنية حصر الأعداد، ولو علموا بها لمنعوها".


ويلفت المصدر إلى "ظهور حالة مستجدة بدأت منذ أقل من شهرين، وهي كثافة الهجرة السورية إلى السودان وموريتانيا". ولا تعرف الأسباب لهذه الحركة لأن أحداً لم يترصدها بعد، ولأن أحداً من المهاجرين لم يعد ليخبر بما يشجع على الهجرة إلى هذين البلدين العربيين.


روايات عائدين


من العائدين من أوروبا، مَن لم يسمح له بالدخول، ومنهم من توقع أن يجد حياة أفضل من بلده، لكنه فوجىء بأن الروايات الإيجابية للنزوح لم تكن صحيحة، حيث الهبات محدودة، والإقامة مذلة، على ما يردد هؤلاء، في مخيمات جماعية، وتزداد صعوبتها بوجود أولاد وأطفال.


في هذا الإطار، عاد محمد ديب الذي اعتمد في هجرتهطريقة السفر إلى تركيا، شرعياً، ومنها إلى اليونان، تهريباً، وصولاً إلى ألمانيا.


تفاصيل الرحيل منذ أوائل تشرين الثاني الفائت كما رواها ديب، تنم عن صعوبات لا تحصى، منها المصروف، ومنها المنامة التي لم يستطع ابنه خالد (١٠ سنوات) تحملها. يروي محمد لـ"النهار" الطريق التي كان عليه سلوكها كأي مهاجر آخر مع صعوباتها، وينتقل للقول: "تركونا ننام في ممر ضيق في البيت "الكوريدور" رغم وجود أمكنة فارغة، مردفاً: "لم يعد ابني يتحمل هذه الطريقة في النوم بعد عشرين يوماً. قررت العودة، فطلبوا ملفات جديدة لكي تتاح لنا العودة بعد ٣-٤ أشهر. وبات وضع خالد أكثر سوءاً، ولم يعد يستطيع التحمل".


بانتظار العودة، نقل محمد وخالد إلى مخيم وناما في شادر لمدة ٢٥ يوماً، ثم نقلا إلى مدينة "آسن" في ١٦ كانون الأول، وبدأوا يدفعون لهما ٤٣٠ يورو.


يتحدث محمد عن وضع ابنه السيىء، وانزعاج الناس من تذمره، "تركونا في مخيم لا يقفل علينا أثناء النوم. ثم جاءت دفعات كبيرة من المهاجرين، وتزايد الصراخ والضجيج، ولم يعد الوضع محتملاً اطلاقاً".
ثم يروي محمد كيف جابه رجل أمن حاول إزالة خزانة ثبتها هو ليحجب بها خيمته، ولدى مطالبته السماح له بالعودة إلى لبنان تكراراً من دون استجابة منهم، هدد بحرق نفسه. يقول: "قادوني إلى التحقيق، وأخذوا خالد. شحطوه وسمعت صراخه. ثرت. ضبطوني مستخدمين أساليب قمع قاسية. ثم تدخلت طبيبة نفسية بحجة أنني مجنون، وقد أحتاج إلى مستشفى أمراض عقلية".


إجراءات وتدابير كثيرة رواها محمد عما تعرض له بعد فصله عن ابنه، وقال إنهم قدموا له تبريرات كثيرة لاستمرار فصله عن ابنه، وطالب تكراراً بمقابلة ابنه فلم يسمحوا له بحجة أنه أب غير صالح، وخسر من وزنه ثمانية كيلوغرامات في أقل من شهرين، وعين محامية، طالبت بعودته إلى لبنان. أدخلوا في التحقيق معه تقارير متضاربة من المعالجة النفسية عنه. تدخل مترجمون لبنانيون وسوريون لدى السفارة اللبنانية. طلب السفير الولد. لم تلبه السلطات. ثارت ثائرة محمد لدى السفارة اللبنانية. وبعد أربعين يوماً، أعادوا له ابنه بعد تدخل مركز من السفارة اللبنانية.
ينهي محمد روايته: "فصلوني عن ابني أربعين يوماً، ولم يتركوا وسيلة إلا اعتمدوها لمصادرته، والاحتفاظ به لديهم، وعودتي من دونه إلى لبنان".


سعداء الهجرة


على المقلب الآخر، أشخاص يمضون بمخططهم للهجرة رغم القصص المأسوية التي يسمعونها كقصة محمد ديب، ومنهم جهاد شرف، الذي هاجر بطريقة غير شرعية إلى ألمانيا لتحضير الجو لنقل عائلته. يتحدث شرف عن المانيا كهدف لإقامته المستقبلية، ويقول إن الحياة هناك أفضل بكثير من هنا "لأن دول أوروبا عامة، وألمانيا في الطليعة، تحترم الانسان، وتعطيه حقوقه، بينما عندنا كل حقوق الفرد مهدورة".


ويضيف متمنياً الرحيل بأقرب وقت لأن "مستقبل أولادي سيكون بحال أفضل بكثير من هنا"، مردفاً ان "ما ينقله عائدون عن صعوبات في الخارج، أمر مبالغ فيه، وكلنا نعرف ان الراحلين، خصوصاً من الشباب، يتيهون في أجواء لم يعتادوها، خصوصاً الحرية، وعندما تطبق الدول الغربية قوانينها، ينزعج المهاجرون، ويقدمون التبريرات المختلفة لعودتهم".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم