الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

حسن الرفاعي المرجع الدستوري■: صلاحيات رئيس الجمهورية لم تُمسّ

جوزف باسيل
A+ A-

لم يترجّل حسن الرفاعي عن صهوة القانون الدستوري الذي كابد نصوصه وتفسيراتها والتباساتها باتقان المحترف واندفاعة الهاوي، منذ أكثر من 60 سنة، أي حين صار نائباً عام 1968، بل قبل ذلك موظفاً في وزارة الأشغال العامة والنقل... وحتى محامياً مدافعاً عن المظلومين، إذا رأى ظلماً حلّ بهم وإن لم يقصدوه. فالظلامة العامة تستدعي خدمة عامة.
ابن الثالثة والتسعين النابض بالعنفوان ما زال يرمح في ميدان الدستور منافحاً بثقة عن رأيه وبفاعلية انفعالية عن مواقفه. يطّلع على مجلات قانونية وكتب دستورية بالفرنسية مرجع الفقهاء الدستوريين منذ اعتمد دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية دستوراً للبنان عام 1926، وما زال الركيزة على الرغم من تعديلات الطائف عام 1990.
السني سليل آل البيت، يتقدم اسمه لقب "السيّد"، لا تعوزه الحيلة في الأجواء المذهبية المحمومة، فهو غير معني بها، يعود إلى أصول أجداده قبل الانقسام المذهبي، ويترفع عنه ترفّع النخبة العلمية فقهاً دينياً ودستورياً. ورغم لقبه ارتقى من عامة الناس الى النيابة والوزارة وبقي عاملاً من أجلهم، ليس بالمعنى اللبناني المبتذل للخدمة النيابية، بل بالمعنى التشريعي. يخدم منطقته حيث يستطيع، ويفكر حين يشرّع في لبنان واللبنانيين، وليس في منطقة أو طائفة أو حزب. لبناني أصيل لا يميّز في لبنانيته، إلاّ في خدمة لبنان، ويفترض نفسه لبنانياً أكثر من كثيرين، ويفتخر بها أكثر ممّن يدّعون ولا يفعلون.


النظام الجمهوري البرلماني الديموقراطي
مقتنع بالنظام الجمهوري البرلماني الديموقراطي الذي اعتمده لبنان، معتبراً أنه أفضل نظام لتمثيل المجموعات الطائفية فيه. هذا الاقتناع جعله يؤمن بالديموقراطية سلوكاً سياسياً شخصياً وعاماً ونظاماً عادلاً للحكم وللتمثيل الشعبي.
حتى انه عقب محاولة اغتيال في آب 1982، وهو يعاني الجروح والآلام ردّد كلمة الديموقراطية مراراً في مواجهة حزب الكتائب ممثلاً ببشير الجميل الذي اعتبره مسؤولاً عن المحاولة.
اقتناعه بالنظام البرلماني اللبناني جعله يتبنى موقفاً خاصاً من الغاء الطائفية السياسية كانت تتقاطع مع موقف البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي كان يقول بالغائها "من النفوس قبل النصوص"، فيما يقول الرفاعي بالتريث حتى يتبلور شعور المواطنة عند السياسيين والمواطنين. فالظروف السياسية والشحن الطائفي سابقاً والمذهبي حالياً تجعلها فكرة بعيدة المنال.
تمنّع عن المشاركة في مناقشات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، لأنه أدرك أن المناقشة ممنوعة، وأن الوثيقة موضوعة سلفاً بالاتفاق بين سوريا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، والمطلوب "البصم" عليها بالتصويت، فرفض "البصم". حتى أنه قال إن الأفكار الواردة في الوثيقة إذا نفّذت ستكون مصيبة وإذا لم تنفّذ فستكون مصيبة أكبر".
ورفض الرضوخ للتهديد بأن عدم إقرار الوثيقة سيعيد الحرب الى لبنان، لأنه كان مقتنعاً أن الخلافات الدستورية لم تكن سبباً للحرب وان اتخذت ذريعة، بل الوجود الفلسطيني وشهوة الكتائب وبشير الجميل للحكم. واستمر في معارضته الوثيقة حتى أقرت دستوراً - وغاب عن جلسة إقرار التعديلات الدستورية بداعي السفر للعلاج - فالتزم نصوصه، وحاول أن يوضح غموضه وأن يفك تناقضاته وأن يفسّر التباساته وتضارب الصلاحيات فيه، بما أوتى من علم بالقانونين الدستوري والاداري.


صلاحيات رئيس الجمهورية لم تمسّ
لفت دائماً إلى قلة معرفة الحاكمين بالقوانين والدساتير، خصوصاً في مرحلة ما بعد الطائف حيث رأينا العجائب من تداخل السلطات وغموض النصوص والتباسات قصداً أو عمداً أو سهواً. ورأى أن مشكلة الحكم في لبنان قبل الطائف كانت في شخصية كل من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة إذا كان أحدهم قوياً أو ضعيفاً.
إن المادة 17 - دستور، كما عدِّلت في الطائف كرّست العرف في أن السلطة التنفيذية هي في مجلس الوزراء، فلم يصدر أي قرار قبل الطائف دون توقيع رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين. كما أن نص المادة يعني صراحة أن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة الاجرائية دون أن يذكر رئيس الحكومة.
وتساءل: "ما هي الصلاحيات التي كان الرئيس يتمتع بها فعلياً وعملياً وأخذت منه؟ هل يمكن تعيين نص واحد أعطي بموجبه رئيس الحكومة صلاحيات كانت نصاً أو عرفاً من صلاحيات رئيس الجمهورية؟ هل يمكن أن يبيّن أحد أنّ صلاحية واحدة أعطيت مجلس الوزراء لم تكن له عرفاً". وقال: "إنّ ما كان يتمتع به رئيس الجمهورية في ظل أحكام دستور 1926 من صلاحيات لا تتعارض والأعراف المتبعة، بقي لم يتغيّر ولم يتبدّل".
ويشدِّد على وجوب تصحيح الخطأ في المادة 53 دستور بحيث يعود رئيس الجمهورية الى ترؤس كل جلسات مجلس الوزراء.
ورأى أنه كان من الأفضل "أن يستمر أهل الطائف في اعتبار رئيس الجمهورية رئيساً للسلطة التنفيذية بعد إدخال الأعراف البرلمانية التي كانت متبعة منذ سنة 1943 في صلب مواد الدستور الجديد، وأن يبقوا على ترؤسه جلسات مجلس الوزراء ما دامت الاستشارات النيابية في تسمية رئيس الحكومة صارت ملزمة في نتائجها، ولم يعد رئيس الجمهورية يفرض على المجلس النيابي رئيس حكومة يجاريه في كل ما يريد. وما دامت القرارات تتخذ كلها في مجلس الوزراء".
وأكد أن رئيس الجمهورية كان رئيساً للسلطة التنفيذية ولا يزال، وأن السلطة التنفيذية كانت في مجلس الوزراء وما زالت. ولم يكن يصوّت في مجلس الوزراء ولا يزال.
وسأل: لماذا لم يصحّح الطائف نص المادة 49 المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية "بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي؟". علماً أن هذه المادة أثارت إشكالات حتى قبل الطائف.
لكن أياً يكن النصاب يجب على النواب حضور جلسات الانتخاب وعدم التغيّب عنها إلاّ بعذر شرعي.


الأعراف والاستشارات الملزمة
يختصر الرفاعي مطالب رؤساء الحكومة السابقين، وبالتالي مطالب المسلمين قبل عام 1975، بادخال الأعراف المتبعة في الحكم في صلب الدستور. وكان اقتراحه بالاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، أحد أبرز الأعراف المطلوب ادراجها، والتي جعلت الأكثرية النيابية ترشح اسماً لتأليف الحكومة.
وتساءل أنه ما دامت الاستشارات النيابية ملزمة، فلماذا النص على "التشاور" مع رئيس مجلس النواب؟ وهذا الدور ليس من صلاحيات رئيس المجلس. وطالب بحذف العبارة المتعلقة بهذا الموضوع. ورأى إخلالاً بالتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الغاء حق رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة في حل المجلس النيابي. فيجب تصحيح هذا الخلل.
كذلك يعترض على مدة الأربع سنوات لولاية رئيس مجلس النواب، الذي ينتخب بالأكثرية المطلقة، لأنه يخل بالتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وينقلنا الى نظام مجلسي.
لقد فرضت على رئيس الجمهورية مهلة لنشر القوانين، وإلا نشرت دون توقيعه. وحدّدت له المادة 58 مدة 40 يوماً لنشر مشاريع القوانين التي ترسل الى مجلس النواب بصفته مستعجلاً، لكن التعديل الدستوري أضاف الجملة الآتية:
"بعد مضي 40 يوماً من طرحه على المجلس وبعد ادراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته فيها، ومضي هذه المهلة دون أن يبت...".
فكانت النتيجة استنسابية يمارسها رئيس مجلس النواب في تقريره وضع مشروع قانون على جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته، مستنداً الى مادة في النظام الداخلي لمجلس النواب. وهكذا فإن رئيس المجلس يعطل الغاية التي وضعت من أجلها المادة 58 المعدّلة. وبالتالي يعرقل تنفيذ مادة دستورية. وهذا ما يجب معالجته في أول تعديل دستوري.
وعن الزامية رئيس الجمهورية في نشر القوانين يروي الحادثة الآتية: "صدف مرة في أيام الرئيس الياس الهراوي، وكنت في باريس مع عائلتي وسمعت في الأخبار أن رئيس مجلس النواب نبيه بري عمد الى نشر قانون لم يوقّعه رئيس الجمهورية ضمن المهلة. فاتصلت فوراً برئيس الجمهورية شخصياً، وقلت له: "فخامة الرئيس، حذار هذا التصرف، فأنت ملزم إصدار القانون أو أن تعيده ضمن مدة، ويجب ألاّ يمر هذا العرف إطلاقاً ويصدر مرسوم لا يحمل توقيعك".
بقدر ما يتشدد الرفاعي في أحكامه الدستورية فيلتزم النصوص في تفسيراته، بقدر ما يتسامح في مواقفه السياسية كي يبقى قريباً ممن يختلف معهم في الفكر والدين.


[email protected]
كتاب سيصدر قريباً بهذا العنوان

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم