الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ضواحي المهمشين... مصانع الانتحاريين

المصدر: النهار
أمين قمورية
ضواحي المهمشين... مصانع الانتحاريين
ضواحي المهمشين... مصانع الانتحاريين
A+ A-

تعيد الهجمات الدموية التي استهدفت بروكسيل، قضية اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية وتوافق معتقداتهم مع مبادئ الديموقراطية، إلى السطح، لتصير حديث العواصم الغربية.


واذا كان الإعلام الغربي يربط دائما ارتباط التشدد في أوروبا وغيرها من دول العالم، بالتطرف الاسلامي، فان الدوائر ثقافية ودينية والسياسية إسلامية، تتهم على العكس حكومات أوروبا بتوفير بيئة مناسبة لانتشار الفكر المتشدد عبر سياساتها التي غالبا ما تهمش الجاليات الإسلامية والعربية، حسبما يقولون.


وفي ظل تعدد التفسيرات لأسباب انتشار التشدد في المجتمعات الأوروبية، تبقى الأجيال المتعاقبة من المسلمين تعاني مشاكل اجتماعية وأخرى مرتبطة بالهوية، وهو ما يقر به المسؤولون في أوروبا.
ويجد شباب الأجيال المتعاقبة من المهاجرين الذين ولدوا في أوروبا أنفسهم أمام معضلة الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي تلقوا فيها تعليما يحرص على تلقين مبادئ الحرية والمساواة، والواقع الاجتماعي الذي يختلف عما كانوا يطمحون إليه، في بعض الأحيان.
وفي هذا الصدد يرى غالب بن الشيخ الذي يقدم برنامجا حول الإسلام في القناة الفرنسية العمومية الثانية، أن عدم قدرة المهاجرين من المسلمين على الافادة من كامل حقوق المواطنة في هذه الدول يعد أبرز عوامل انتشار التشدد.
فالظروف الاجتماعية والحالة المادية الصعبة، دفعت الكثير من المسلمين إلى التوجه إلى المساجد والمراكز الإسلامية، وبالتالي اعتماد خط متشدد نسبة إلى أن بعضا ممن يقومون على تلك المراكز، هم أصلا من المتشددين.


وتشترك نسبة كبيرة من المسلمين المقيمين في اوروبا بعدم قدرتها على الانسجام في المجتمعات الاوروبية وتفضل العيش منعزلة في الغيتوات بسب الموروثات السلبية المغروسة في اذهانهم حول الكراهية والعداء للاخر وخصوصا "الكافر الاوروبي "، كما تنتشر في اوساطهم البطالة والافات الاجتماعية لتركهم مقاعد الدراسة مبكرا وهذه الفئات تكون فريسة سهلة لبائعي اوهام "الجواري والغلمان" وزرع بذور التعصب والكراهية والارهاب والقتل في سبيل الله "قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم"، هذه هي الافكار التي يبثها السلفيين والمتزمنين في المساجد وفي الاماكن العامة تحض المتلقي على الارهاب.
يعتقد الخبير الألماني في الجماعات الإرهابية، غونتر ماير، مدير مركز بحوث العالم العربي في جامعة ماينز،"أن سكان الضواحي الفقيرة في المدن الاوروبية يعانون أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة، حيث يعيش هناك غالبية من المسلمين والمهاجرين، كما أن البطالة منتشرة بكثافة، والشباب ليس لهم آفاق كبيرة، وهذا هو المناخ المثالي لنمو الإرهاب.. ناهيك عن شعور شباب الضواحي بالتهميش، كل هذا جعلهم يلجؤون إلى الإسلام، لأنه يُشكِّل – حسب رأيهم – هويتهم الحقيقية، كما أن انعزالهم عن غالبية المجتمع الفرنسي حوَّلَهم إلى إسلاميين متطرفين".


وتعد ضاحية مولينبيك في بروكسيل التي يعتقد انه خرج منها مفجرا المطار والمترو في العاصمة البلجيكية نموذجا لمراتع الارهاب، فهناك ولد وترعرع كثير من المتهمين بالتخطيط والتنفيذ لهجمات إرهابية في أوروبا، على رأسها هجمات باريس في تشرين الثاني الماضي. يعتبر هذا الحي من أكثر الأحياء المأهولة في العاصمة البلجيكية يعيش فيه 97 ألف شخص وترتفع نسبة البطالة فيه إلى 40 في المئة في صفوف الشبان، وصار يوصف بـ"حي الإرهابيين المفضل". وفي الحقيقة فإن بلجيكا تعتبر أكبر بلد أوروبي مساهم في عدد المقاتلين المتطرفين الذين اتجهوا إلى سوريا نسبة إلى عدد السكان. ورحل من هذا الحي فقط أكثر من 500 شخص للقتال في صفوف "داعش"، وتتهم منظمة "الشريعة من أجل بلجيكا" المحظورة بتجنيدهم. ويعتقد أن 130 منهم عادوا إلى بلجيكا بينما قتل نحو 77 أثناء القتال، وبقي أكثر من 200 في سوريا. وفي حي "مولينبيك" ترعرع مخططو ومنفذو هجوم الجمعة الدامي في باريس كعبدالحميد أباعود وصلاح عبدالسلام، الذي ألقي القبض عليه أخيرا، بعدما لوحق لأشهر وأخيه الذي فجر نفسه في "ستاد دي فرانس". وأيضا ترعرع أيوب الخزاني الذي نفذ هجوماً على القطار السريع الذي يربط بين أمستردام وباريس، كما مهدي نموش منفذ الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسيل. وعاش في الحي ذاته اثنان من مرتكبي تفجيرات مدريد، التي تسببت بمقتل 190 شخصا عام 2004. وفي التاسع من ايلول 2001 اغتال اثنان من أبناء الحي القيادي الأفغاني أحمد شاه مسعود الذي كان أبرز معارضي حركة "طالبان" في ذلك الوقت. وفككت السلطات البلجيكية عشرات الخلايا التي كانت تخطط لتنفيذ هجمات في أوروبا انطلاقاً من ضاحية مولينبيك أيضاً.
وترصد إرين ماريا سالتمان، الباحثة الالمانية المتخصصة في مؤسسة كويليام، فكرة التعميم في ما يتعلق ببحث الأسباب خلف التطرف لدى الشباب وتقول في دراسة في شأن ميول المشاركة في الجهاد:" الشباب المسلم من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين هم المستهدفون في الغالب، لكن هناك أيضا حالات يكون أبطالها من الأشخاص الذين تحولوا إلى الإسلام".


وتوضح أن الأشخاص الذين يجري تجنيدهم لهذه التنظيمات، لديهم عادة شعور الإحساس بالتميز في عالم يبدو لهم فيه تحقيق الثروة من المستحيلات، ومثل هذا الشعور بفقدان الأمل هو ما تستغله الجماعات المتطرفة لتحقيق أهدافها من خلال إقناع هؤلاء الشباب بالانضمام الى جماعات قوية، ترتبط صورتها بمغامرة القيام بتغيير العالم. وكثيرا ما يجري تجنيد الشباب لهذه الجماعات في الجامعات أو السجون، ويعتمد التجنيد بشكل كبير على فكرة الانتشار ونقلها بين الأشخاص عبر الإنترنت.
وكشفت الهجمات الإرهابية التي شهدتها اوروبا في السنوات الأخيرة، أن الذين يقفون وراءها كانوا في معظمهم من المراهقين المحسوبين على محيط الشباب غير المتدين، إضافة إلى أنهم من أصحاب السوابق الجنائية ودخلوا السجن بأسباب مختلفة منها المخدرات والسرقة.
ومع ذلك فان التعميم غير جائز . فالمستشار السابق للرئيس الفرنسي السابق لشؤون المنظمات الاسلامية عبد الرحمن دحمن لا يعتقد أن المشكلة الأساسية ترتبط باندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية. فبرأيه، قضية الاندماج تطرح "عندما يعجز الناس عن تفسير الظاهرة"، مشيرا إلى أن هناك أكثر من ستة ملايين مسلم في فرنسا وحدها، من بينهم أكثر من أربعة آلاف طبيب ومئات من رجال الشرطة ورجال ونساء يمارسون مختلف الوظائف والحرف بكل حرية في المجتمع. وهو يرفض إلقاء اللوم على قضية الاندماج أو عدمه، ويقول إن المشكلة تكمن في مرتكبي الأفعال المشينة والهجمات أنفسهم، وليس المجتمعات التي خرجوا منها.


ويقول الباحث الفرنسي في العلوم السياسية أوليفر روي الذي يعد من أبرز المتخصصين في الإسلام في أوروبا :"في الواقع لا يتحوّل الشباب المسلمون إلى إرهابيين لأنَّهم يقرأون القرآن أو يذهبون إلى المساجد. بل يفعلون ذلك بسبب تأثير الإرهاب".
في اي حال، فاي تكن الدوافع والاسباب لهذا الارهاب، فإن لجديد في هذا المشهد يكمن في ظهور إرهاب محلي في أوروبا ذي امتدادات عابرة للأوطان‮. ‬فقد تعودت أوروبا علي إرهاب مستورد يضرب أراضيها،‮ ‬لكن الوضع تغير في السنوات الأخيرة مع الإرهاب المحلي و"الجهاديين‮" ‬الأوروبيين‮. ‬فهي تتعرض الآن لإرهاب محلي الصنع والأداء، كما أضحت مصدرا للإرهابيين‮. والمحصلة أن سلسلة الهجمات الدموية من باريس الى بروكسيل من شأنها ان تعمق الانقسام في المجتمعات الأوروبية حول التعامل مع المسلمين والإسلام‮. ‬فالبعض يرى فيهم خطرا على الأمن المجتمعي في أوروبا، ويقول بضرورة وضع الجالية المسلمة تحت المراقبة،‮ ‬بدعوى أن الإرهابيين خرجوا من رحمها،‮ ‬وأن العبادات والخطابات التقليدية قد تحمل في ثناياها التطرف فالإرهاب‮. ‬بينما يري البعض الآخر أن ما يحدث هو من فعل أقلية قليلة جدا،‮ ‬ولا يمكن تحميل الغالبية تبعات سلوكها، ويقول بضرورة التمييز بين المسلم والإرهابي،‮ ‬وأن كل مسلم متطرف ليس بالضرورة إرهابيا‮. ‬أما المسلمون،فهم في وضع لا يحسدون عليه، فدينهم يوظف لضربهم،‮ مرة بمطرقة الاسلامفوبيا واليمين الاوروبي المتطرف ومرة بمطرقة الجماعات الإسلامية الإرهابية‮.
[email protected]
Twiter:@amine_kam‬

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم