الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

منذ العام 1996 لم يستطع الحصول عليها... لتكن قصة محمد عبرة للجميع

المصدر: "النهار"
إيلده الغصين
منذ العام 1996 لم يستطع الحصول عليها... لتكن قصة محمد عبرة للجميع
منذ العام 1996 لم يستطع الحصول عليها... لتكن قصة محمد عبرة للجميع
A+ A-

قبل أسبوعين أعلن وزير العمل سجعان قزي أن البطالة في لبنان بلغت الـ25 في المئة، وأن عمالة الأجانب هي السبب الرئيسي. ثم ساد صمت عظيم مثل الذي يسود بعد عام 2000 يوم أقرّ القانون رقم 220 الخاص بحقوق المعوقين والهادف إلى دمجهم الكامل خصوصاً في ما يتعلّق بحقّهم في العمل. فإلى حين إعداد هذا التقرير بيّنت أرقام وزارة الشؤون الاجتماعية بطالة مرتفعة في فئة الأشخاص المعوّقين خصوصاً الفئة العمرية بين 18 و64 سنة المتمكنة من الدراسة والعمل أي الأكثر قدرة على الاندماج الذي يتوخّاه القانون 220/2000. لكن الأخير لم يعد حبراً على ورق كما درجت العادة على تسميته، بل يتضّح أنه بات حجة دسمة لتقاذف الاتهامات بين المعنيين بتنفيذه من وزارات ومؤسسات.


من ينقذ محمّد؟
قبل الولوج إلى الاتهامات المتبادلة بين أطراف التطبيق المفترضين، فلنستعرض معاً قصّة محمد الدايخ (41 عاماً) الذي يبحث عن عمل منذ عام 1996 ويحمل إجازة في التاريخ وديبلوماً في الأدب العربي وماجيستيراً في الإدارة التربوية وآخراً في التربية الدينية والأسريّة ويتقدّم للدكتوراه في #كلية_التربية بالجامعة اللبنانية. لم يجد محمد عملاً طوال هذه السنوات ليس لأنه يفتقد الأهليّة العلميّة والفكريّة بل لأنه يعاني مشكلة في النظر. يُحسب محمد إذاً شخصاً معوّقاً بإعاقة بصريّة يشمله القانون المذكور سالفاً لكنه لا ينقذه من البطالة لكونه عاطلاً عن التنفيذ.


يسأل محمد عبر "النهار" عن "احترام المؤسسات الرسمية للقانون قبل تلك الخاصة"، ويعلّق "عليك أن تقبّل يد الزعيم لتتمكن من #العمل على سنترال". ويضيف "تقدّمت بطلب للتعليم في إحدى المؤسسات التعليميّة الكبيرة فقال لي مسؤول قسم التاريخ: "إنتَ ما فيك تعلّم عنّا". يدرّس محمد الأقارب والجيران من غير أجر، يحبّ العمل التطوعي ويملك خبرة فيه. كما فاز بجائزة الشعر في المرتبة الأولى على هامش مؤتمر المكفوفين العرب في #الكويت. "على مر السنين تواصلت مع وزراء سابقين في الشؤون والعمل وكانت وعودهم كلاماً. إذا أمكنني سأبيع الجنسيّة اللبنانية" يقول محمد.


أين وزارة العمل؟
ألزمت المادة 73 من القانون 220/2000 تخصيص وظائف في القطاع العام للأشخاص المعوقين بنسبة 3 في المئة على الأقل، أما المادة 74 منه فتلزم أرباب العمل في مؤسسات القطاع الخاص التي لا يقل عدد الاجراء فيها عن 30 موظفاً ولا يزيد على 60 باستخدام أجير واحد من المعوقين تتوافر فيه المؤهلات المطلوبة. أما إذا فاق عدد الأجراء الستين فعلى أصحاب العمل استخدام معوقين بنسبة 3 في المئة على الأقل. كما أنه على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التحقق من حسن تطبيق موجب أرباب العمل بتوظيف المعوقين ويتوجب عليه اصدار براءة لرب العمل المخالف. لكن العمل ببراءة الذمة متوقّف حالياً وتقاذف التهم جارٍ بين المعنيين.


أين أصبح تطبيق القانون؟ نسأل وزير العمل #سجعان_قزي فيجيب في اتصال مع "النهار" أن "العمل ببراءة الذمّة للمؤسسات يتمّ اليوم أكثر من أي وقت مضى في وزارة العمل". ولدى سؤاله عن إيقاف العمل ببراءة الذمة أشار إلى أنه أرسل كتاباً للضمان الاجتماعي للعمل بها. أما رئيس الدائرة القانونية في #وزارة_العمل عادل زبيان فأشار إلى "أنه يبدو أن مجلس إدارة الضمان لا يرغب في تطبيق القانون والعمل ببراءة الذمة". وفي ما يخص استيفاء الغرامات، يقول: "لأن الموازنة العامة للدولة اللبنانية متوقّفة منذ عام 2005، ففي أي حساب ستسجّل هذه الغرامات؟ وأين سيدفع تعويض البطالة؟". وتابع "يمكن إدارة الضمان أن تفتح حساباً خاصاً خارج إطار الموازنة". لافتاً إلى "أن التعديلات موجودة منذ 2002 لكن المشكلة تكمن في إدخال الغرامات إلى موازنة الدولة". أما حول مرسوم إنشاء صندوق بين وزارتي العمل والمال لجمع الغرامات، فقال: "هذه بدعة ولا يوجد مرسوم، بل قرار أصدره وزير المال السابق فؤاد #السنيورة بإنشاء حساب في #مصرف_لبنان لاستيفاء الغرامات ودفع تعويض البطالة، لكنه لم ينفّذ لكونه يخسّر الأشخاص المعوّقين أكثر مما يفيدهم".


ووزارة الشؤون الاجتماعية؟
عن دور وزارة #الشؤون_الاجتماعية في حلقة تطبيق القانون تحدّثنا مع ماري الحاج رئيسة مصلحة شؤون المعوقين في الوزارة، إذ قالت: "يقتصر دور وزارتنا على التعريف بالشخص المعوّق وتزويده بطاقة الإعاقة، إذ يحمل من أصل ما يقارب الـ160 ألف معوقٍ بحسب التوقعات، 94 ألفاً و128 معوقاً تلك البطاقة في لبنان. علاوة على أنه ليس لدينا سلطة على المؤسسات لنفرض عليها تطبيق القانون، وإذا استطعنا تشغيل أحد فيكون ذلك بجهود شخصيّة ومن خلال معارفنا".


بيّنت الإحصاءات لدى الوزارة أن بين من يحملون البطاقة 52 ألفاً و640 معوقاً موزعين على الفئة العمرية بين 18 و64 سنة (أي يشكلون نسبة 51 في المئة) وهي الفئة المفترض أن تتوافر فيها المؤهلات المطلوبة من حيث درجات التعلم والإندماج والتأهيل. يعمل من بينهم 10 آلاف و971 معوّقاً (أي نسبة 21 في المئة)، ولا يعمل منهم 41 ألفاً و653 معوّقاً (أي نسبة 79 في المئة من هذه الفئة العمرية تحديداً). ويتوزّع العاملون وفق النسب التالية بين القطاعات: 10 في المئة في القطاع العام، 39 في المئة في القطاع الخاص، و48 في المئة لديهم عمل مستقلّ.


وفي حديث إلى "النهار" أكّدت رئيسة وحدة الأبحاث والدراسات في مشروع تأمين #حقوق_المعوقين في وزارة الشؤون الاجتماعية هيام فاخوري أن "بين الإعاقة السمعية أو البصرية أو العقلية أو الحركيّة يتوزّع المعوقون في سجلات الوزارة بحسب القصور المعتدل أو الشديد. لكن ليس في مقدورنا التحقق من عمل أو بطالة المعوق، إذ تقتصر إحصاءاتنا على ما يصرّح به المعوق لدى تعبئة طلب البطاقة والتي يراوح تجديدها بين 3 أشهر و5 سنوات، وفي هذه المدة لا يمكن التأكد ما إذا استطاع المعوق تأمين عمل جديد أم لا". وتفرّق بين العملين المستقل والمأجور بالإضافة إلى نسبة ممن يصرحون بأنهم لا يعملون حتى لو كانوا يقومون بأعمال حرة، لافتةً إلى "أن #البطالة في لبنان غير مصنّفة، وهي تتطلب شروطاً أربعة لدى الشخص وهي قدرته على العمل والإمكانية وإن كان عاملاً وتوقّف عن العمل وإن كان في صدد التفتيش عن عمل، إضافة إلى أن يكون مسجلاً في #المؤسسة_الوطنية_للاستخدام".


استحالة التغيير
وبما أن القانون لم يلزم الشركات التي يقلّ عدد أجرائها عن 30 أجيراً بتوظيف معوق، فإن شركات كثيرة لن يشملها القانون على اعتبار أنها غير قادرة على تغطية تقصير الشخص المعوّق، بحسب فاخوري. وتضيف "ان القانون لحظ أن طبيعة عمل بعض المؤسسات لا يسمح باستخدام معوقين مثل شركات حماية الشخصيات أو المواقف العامة وسواها، فأناطها بغرامة تدفعها لوزارة العمل لمدة سنة. لكن الخلاف بين وزارتي العمل والمالية على إنشاء صندوق لجمع تلك الغرامات، أوقف العمل بهذه المادة".


ماذا عن أهلية المباني والطرقات لعمل أولئك؟ تشرح فاخوري "أما في ما يخصّ جهوز الأبنية في الإدارات العامة والخاصة، فإن #وزارة_الأشغال و#مجلس_الإنماء_والإعمار هما الجهتان المخوّلتان تطبيق مرسوم التأهيل الهندسي. إضافة إلى كون المرسوم يطالب فقط بتجهيز الأبنية الحديثة بما لا يشكّل أي توجّه لتأهيل الأبنية القديمة".


إلى كل هذا يُضاف التمييز الاجتماعي الذي لم نتمكن حتى الآن من تخطيه كشعب، كما أن بعض المؤسسات لا ينتبه إلى أن مَن كدّ وتعب من أصحاب الإعاقة ليحصل على أكثر من شهادة يمكنه أن يعطي الإنتاجية نفسها التي يقدمها أي موظّف آخر لا بل أكثر بكثير. علماً أن القانون نص أيضاً على منافع التوظيف الاضافي في المادة 75 حيث يستفيد كل رب عمل في القطاع الخاص يستخدم معوقين بعدد أكبر مما هو ملزم باستخدامهم من حسم على ضريبة الدخل. سواء نالت المؤسسات براءة ذمة أو لم تنلها، وسواء بقي التنازع على أحقية استيفاء الغرامات وتعويض البطالة على حاله او لا، سيبقى محمد الدايخ من دون عمل على رغم أنه أكثر أهليّة من معظمنا.


[email protected] 


Twitter: @ildaghssain

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم