السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

البرادعي ومحفوظ لم يفوزا بـ"نوبل"!

المصدر: "النهار"
سوسن أبوظهر
البرادعي ومحفوظ لم يفوزا بـ"نوبل"!
البرادعي ومحفوظ لم يفوزا بـ"نوبل"!
A+ A-

كأن محمد #البرادعي غير موجود، لا على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، ولا حائزاً معها جائزة نوبل للسلام عام 2005، ولا نائباً لرئيس مصر في 2013 لشهر واحد انتهى باستقالته.
لم يصدر قرار قضائي بحظر ذكره في وسائل الإعلام كما حال الرئيس الإيراني سابقاً محمد #خاتمي، لكن صار ممنوعاً على طلاب الصف الخامس ابتدائي في الفصل الثاني أن يعلموا أنه ينتمي إلى نادي المصريين الذين حازوا جائزة نوبل. بجرة قلم، شُطب وغُيب وحُذف في بلاد تضيق أكثر فأكثر بكل من يتجرأ على معارضة المشير وإن كان من داعميه سابقاً.
لم تمر القضية مرور الكرام. فمهما اختلف المصريون، على تنوع مشاربهم بشأن شخص البرادعي، لا يُنكرون أنه من وجوه البلاد ذات الصبغة العالمية. ثم إنه فاز حقاً بجائزة نوبل للسلام، فأي نهج هذا الذي يقضي بالإلغاء والتغييب كيفما اتفق؟
العذر أقبح من ذنب. قال بشير حسن، الناطق باسم وزارة التربية والتعليم، إن الأمر تم "استجابة لأولياء الأمور والطلاب بعيداً من المواقف السياسة". هكذا إذاً. بلغت الديموقراطية حداً صار الأهل يقررون ما يدرس أولادهم. وأضاف :"اتصل بنا أكثر من ولي أمر وعدد كبير من المدرسين طالبوا بحذف الصورة وكل ما يتعلق بالبرادعي لأن الموضوع كبير على وعي الطالب فى المرحلة الخامسة، ولذا تم حذف الصورة لأنها أكبر من وعي الطلاب فى هذا التوقيت".
ما الصعوبة في أن يفهم طالب أن الوكالة الدولية عملت للحد من الانتشار النووي والحؤول دون اندلاع حروب نووية، وأن البرادعي عمل مديراً عاماً لها واستحق معها "نوبل للسلام"؟ وكيف لهذا الطالب مثلاً أن يعي أبعاد خطوة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الذي انتقل من محاربة اسرائيل إلى زيارتها في عقر دارها وصولاً إلى إبرام معاهدة "كمب ديفيد" والحصول بعدها على الجائزة ذاتها التي يُنكر فوز البرادعي بها. في حين لا يزال صحافيون يضعون الكتب والأبحاث عن أبعاد شخصية السادات وخلفيات زيارته إلى القدس وأين أخطأ وهل أصاب، يُفترض بالمصريين أن يصدقوا أن التلاميذ قادرون على فهم كل ذلك إلا ما قام به البرادعي، وأن الرئيس الأسبق وحده من استحق الجائزة.
لم يُحذف من ذلك الدرس بعد أن العالم أحمد زويل حصل على جائزة نوبل في الكيمياء. وكلنا نعلم أن الطلاب الصغار، في مصر وسواها، ليسوا شغوفين عموماً بالكيمياء. ويصعب حتى على البالغين إدراك طبيعة أبحاثه في كيمياء الفيمتو وعمله لتطوير رؤية الجزئيات في التفاعلات الكيميائية. لكن لم يعتبر بشير حسن ولا أصحاب قرار حذف البرادعي أن عمل زويل عصي على استيعاب الطلاب. وبالمناسبة لم يقدم الناطق تفسيراً لعدم إيراد نجيب محفوظ، صاحب "النوبل" الرابع والوحيد في الآداب، في ذلك الدرس أصلاً، وهو جزء من منهاج اللغة العربية. يا للمفارقة، يُعلمون العربية ويتجاهلون من لم يتوقف عن الكتابة بها حتى حينما حاول متشدد نحر رقبته بسكين.
بخلاف تبريرات حسين الواهية، نقلت صحيفة "اليوم السابع" عن مصدر في وزارة التربية والتعليم أن حذف البرادعي تم "بسبب مواقفه العدائية وتصريحاته المحرضة على مصر، خصوصا بعد ثورة 30 يونيو". كأنه بذلك يختزل مصر بشخص رئيسها، ومعلوم أن معظم من عارضوه صاروا خلف القضبان. والبرادعي كان انتقد تحديداً العنف المفرط في فض اعتصامي ميداني "رابعة العدوية و"النهضة"، وهذا واقع لا يمكن إنكاره. وأضاف المصدر مقللاً شأن الحذف أن "أسماء الحاصلين على جائزة نوبل مجرد نشاط وليس موضوعاً معرفياً". وهو أيضاً لم يشر إلى عدم ذكر نجيب محفوظ ولم يُسأل عنه.
القضية أثارتها بداية صحيفة "التحرير" وتدحرجت ككرة الثلج، خصوصاً أنها نشرت صورتين متقابلتين لنسختين من الدرس، مع البرادعي ودونه، وفي الحالتين لم يكن لمحفوظ أي ذكر. ونقلت الصحيفة عن البرادعي قوله رداً على تغييب اسمه إن "القيم الإنسانية ستنتصر في النهاية. هكذا يعلمنا التاريخ ولن نكون استثناء. رد العقل يثلج صدري ويؤكد اقتناعاتي بأن العقول لا تزال حرة محلقة والضمائر لا تزال يقظة أبية".
وقبل ذلك بأيام قررت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة وقف حكمها شهراً في دعوى مقامة لإسقاط الجنسية المصرية عنه.
وباستثناء ما أدلى به صاحب "نوبل" المحذوفة إلى "التحرير"، التزم الصمت على حسابه الرسمي على "تويتر" حيث له أكثر من أربعة ملايين متابع. لكن تغريداته الأخيرة شديدة الدلالة، وهي وإن كانت مكتوبة قبل إلغائه من المنهاج، فإنها بدت بمثابة استشراف للأمر وتوصيفاً لواقع بلاده وبلادنا. كتب في 27 شباط متسائلاً :"هل ندرك كعرب أنه لا مستقبل من دون علم وتعليم وصحة واقتصاد، هل يمكننا العمل معاً بعقلانية في تلك المجالات، أم أننا نصر على الدوران في حلقة مفرغة".
وقبل ذلك بيوم تساءل :"هل نستطيع كذلك كعرب أن نبدأ حواراً مع إيران، قد يضم تركيا، لوقف التدمير الممنهج للمنطقة ووضع أسس للأمن الإقليمي، أم أننا سنظل في انتظار جودو (غودو)"، و"هل يمكننا كعرب أن نتذكر الشعب الفلسطيني الذي خذلناه وهمشنا قضيته وأن نتعامل معها بمصداقية؟ دولة فلسطينية هي بداية البداية لنزع فتيل التطرف".
وفي 24 كانون الثاني، يناير، وعشية الذكرى الخامسة للثورة الحقة الضائعة، كتب :"لكل من شارك وضحى من أجل الحرية والكرامة والإنسانية، الوطن مدين لكم وفخور بكم. ثقوا بأن الثورة ستنتصر لأنكم المستقبل، ولأن لا قوة فوق قوة الحق".
تأملوا في تلك الكلمات، حقاً هي "تحريضية" و"عدائية" ويستحق قائلها سحباً للجنسية وإلغاء لذكره من المناهج! ففي مصر حيث تختنق الحريات، صار كل شيء ممكناً.
[email protected]
twitter : @SawssanAbouZahr


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم