الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فدرلة سوريا: بازار سياسي ام قرار نهائي؟

المصدر: "النهار"
امين قمورية
فدرلة سوريا: بازار سياسي ام قرار نهائي؟
فدرلة سوريا: بازار سياسي ام قرار نهائي؟
A+ A-

مع استبعادهم عن #مؤتمر_جنيف المنعقد حاليا بين وفدي النظام والمعارضة السوريين، فجّر اكراد سوريا قنبلة إعلامية وسياسية، بإعلانهم في مؤتمرهم المنعقد في مدينة رميلان بريف الحسكة الشروع في تشكيل نظام الإدارة في مناطق "روجآفا" أو "المناطق ذات الغالبية السكانية الكردية"، تحت عنوان "سوريا الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب".
ويشارك في "مؤتمر رميلان" أكثر من 150 ممثلًا عن تلك المناطق، ويسعى لتقرير مصير المناطق التي يسيطر عليها #الأكراد في إطار سوريا المستقبل، في الوقت الذي أعلنت فيه مصادر من داخل المؤتمر أن الأكراد يتجهون بخطى ثابتة نحو إعلان "النظام الفيديرالي" بهذه المناطق.
ويعدّ "مؤتمر رميلان" بمثابة السحابة الأولى للفدرلة في #سوريا، الأمر الذي دار حوله الكثير من اللغط طيلة الفترة الماضية، وينتظر أن يثير ردّة فعل واسعة النطاق في المنطقة، لا سيما في ظلّ تمسك العديد من الدول بوحدة سوريا وسيادتها على كامل أراضيها او الخوف من امتداد عدوى الفيديرالية الى بلادهم، ولا سيما تركيا وايران والاردن ولبنان.
ما نطق به الاكراد علنا في رميلان كان يهمس به غيرهم بالسر او بصوت خافت، ذلك ان كل الاطراف الاخرى في سوريا كانت تتنصّل من الحديث عن الفدرلة او تبنّي هذه الفكرة، خوفا من التاريخ الذي سيحاسب كل من ساهم في تفتيت الأرض السورية، وتقسيم السوريين طائفيا وعرقيا، وتشريدهم وتهجيرهم.



الأكراد كانوا أكثر صراحة ومباشرة في طرحهم حول الدولة السورية الفيديرالية. وبصرف النظر عن الصياغات، فالأكراد منذ فترة طويلة يتعاملون على اعتبار أنهم يحكمون المناطق التي يعيشون فيها حكما ذاتيا. لا بل فان رئيس هيئة الخارجية في مقاطعة كوباني (عين العرب) إدريس نعسان قال إن قيام النظام الفيديرالي سيعني "توسيع إطار الإدارة الذاتية التي سبق أن شكّلها الأكراد وآخرون" في شمال سوريا. أي إن المناطق التي ستنضم إلى النظام الفيديرالي ستسمى "اتحاد شمال سوريا" وسيكون فيه تمثيل لكافة العناصر الاثنية في تلك المناطق.
وفي واقع الامر إن فكرة فدرلة سوريا، ليست وليدة الصدفة، فقد توصل ممثلون عن التكتلين الرئيسيين لأكراد سوريا (حزب الاتحاد الديموقراطي والمجلس الوطني الكردي) خلال اجتماع في أربيل في بداية الازمة السورية قبل خمس سنوات، إلى اتفاق للوحدة بينهما من أجل العمل على إقامة اتحاد فيديرالي في سوريا.



وآنذاك، رأى أكراد سوريا في الأحداث الدائرة في سوريا (أسموها حربا أهلية) فرصة لكسب الحقوق التي حرموا منها طويلا في عهد الرئيس بشار الأسد ووالده الراحل من قبله. وتحت ضغط من الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني اجتمع ممثلون عن الاتحاد الديموقراطي والمجلس الوطني الكردي وجددوا التزامهم بمجلس أعلى مشترك. وقال عضو الهيئة الكردية إلدار خليل: "لقد اتفقنا على تبني الفيدرالية كمشروع عمل".



منذ 4 سنوات أعلن المشاركون في الاجتماع المشار اليه، أنهم سينشئون جهازا أمنيا مشتركا ويديرون معا حواجز تفتيش حدودية ويوحدون أجنحتهم العسكرية. غير أن الانشقاقات والخلافات بين الأحزاب الكردية في شأن قضايا كثيرة عطلت أو أجلت كل هذه الاتفاقات، إلى أن باتت الظروف مواتية، من وجهة نظر الأكراد، لإعلان ليس الحكم الذاتي، بل فدرلة المنطقة التي ينوون إعلانها ضمن دولة سوريا بعد استبعادهم عن مفاوضات #جنيف.
وبصرف النظر عن المناقشات الدائرة في رميلان، فالفكرة موجودة والعمل عليها يجري منذ سنوات طويلة. أي أن أحداث السنوات الأخيرة، وأشكال المفاوضات واللقاءات التي تجري، والصراعات الإقليمية والدولية، والداخلية السورية قبل كل شيء، ساعدت في تحقيق الفكرة جزئيا وفي تقدمها على أرض الواقع. بينما تبقى الأبواب مفتوحة أمام طوائف وأقليات وأعراق أخرى لبحث مستقبلها أيضا بالطريقة نفسها والنسق نفسه. فالى الأكراد الذين يسيطرون حاليا على المناطق الشمالية – الشرقية من سوريا، يمكن العلويون ان يطالبوا ايضا بالحكم الذاتي. كما أن المسيحيين والدروز ليسوا ضد هذا الأمر أيضا.
لكن مشاريع الفدرلة في سوريا قد لا تكون فقط على اساس عرقي او طائفي، بل على أساس سياسي ايضا: فهناك المناطق التي يسيطر عليها النظام الحالي وتضم تنوعًا طائفيًّا، والمناطق الشمالية التي تسيطر عليها المعارضة، والمناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
ومع دخول الازمة السورية عامها السادس، لم يعد الكلام عن الفدرلة حكرًا على الاكراد وحدهم، بل صار هذا الخيار مطروحًا على طاولات البحث في اكثر من محفل دولي كمخرج للأزمة السورية في ظلّ تعثر الحل السياسي أو تحقيق حسم العسكري من قوات النظام أو المعارضة.
وفي هذا السياق فجر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قنبلة سياسية بحديثه عن خيار "الجمهورية الفيدرالية" بعدما ربطه بشروط عدة، وأن يكون كنتيجة للمحادثات والنقاشات المتعلقة بشكل نظام الدولة المستقبلية في سوريا، وأن يحفظ وحدة سوريا وعلمانيتها واستقلالها.
ويبدو أن المقترح الروسي لم يأت من فراغ، فحتى وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد لوح بسيناريو اشد خطورة من الفيدرالية، حينما قال أمام الكونغرس "ربما فات الأوان لإبقاء سوريا موحدة" في حال فشل العملية السياسية، ملوحا بما وصفها بـ"الخطة البديلة"، التي قالت موسكو إنها لا تعلم شيئا عنها. كما ان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، رأى أنّ الطريق الوحيد لحل الأزمة في سوريا يكون عبر نظام فيدرالي، مشدداً على أن "من يتحدث عن استراتيجية لتوحيد سوريا بقيادة رئيس النظام بشار الأسد أو غيره واهم".
ومع ذلك فإن بعض المحللين يرون أن طروحات التقسيم أو الفيدرالية، تأتي من باب الضغط السياسي على أطراف الصراع للتوصّل إلى حلّ، ودفع عدد من الأطراف الإقليميين لا سيما تركيا لتغيير سياستها تجاه الملف السوري عبر التلويح لها بورقة إنشاء إقليم كردي في سوريا تحت مسمّى الفيدرالية. ويشير هؤلاء الى أن المناطق العسكرية في سوريا ليست قائمة على حقائق تتعلق بالتوزيع الطائفي أو العرقي بقدر ارتباطها بمتغيرات عسكرية على أرض الواقع، مما يجعل من الصعب تحويل التقسيم العسكري الحالي إلى تقسيم سياسي وجغرافي على الأرض.


 


#سوريا المفيدة
وفي هذا الاطار، يشير اللواء المتقاعد الدكتور فايز الدويري الى وجود 1141 قرية عربية مقابل 400 قرية كردية في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد. ويضيف" أن سوريا من حيث الواقع غير قابلة للتقسيم لأسباب، أهمها أن المكوّن السنّي الذي يمثل 75 في المئة من السكان موزع على مجمل الأرض السورية بما فيها مدن الساحل كاللاذقية وطرطوس التي يروج لها على أنها مدن علوية". ويعتبر أن "النظام السوري، في حال عدم قدرته السيطرة على كامل الأرض السورية، سيلجأ إلى السيطرة على ما يسمى سوريا المفيدة، والتي تشمل الساحل والجبال وسهل الغاب وحمص ودمشق، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه كون غالبية سكان هذه المناطق من السنّة الذين سيعودون إلى مناطقهم في حال هُجّروا منها كما جرى في البوسنة".



الى ذلك فإن الاكراد الاكثر حماسا للفيديرالية يعيشون هم انفسهم تناقضات بين حليف كردي لأنقرة (ممثلا بالبارزاني) وبين عدوّ كردي لها (أكراد سوريا بالإضافة لأكراد تركيا نفسها) ما يفقد الشريط الكردي في سوريا الدعم اللوجستي شرقا وشمالا. كذلك فان دروس الماضي غير مشجعة ولا تزال ماثلة في الذاكرة، فبعدما اعتقد الاكراد في عشرينات القرن الماضي انهم قاب قوسين أو أدنى من تقرير المصير في اتفاق سيفر، تمكن أتاتورك وبدعم روسي من قلب الطاولة على هذه الاتفاق واستبداله باتفاق لوزان الذي اعاد القضية الكردية الى المربع الأول. ومن التجارب الأخرى اتفاق الجزائر بين صدام حسين وشاه ايران حول شط العرب مقابل وقف الدعم الإيراني للملا مصطفى البارزاني والد مسعود.وقد يتكرّر الامر نفسه اليوم عبر اسماء جديدة ودول اخرى.


 


عملياً، ليس هناك حاليا دولة سورية موحدة. لأنها مقسّمة الى مناطق واقعة تحت سيطرة هذه القوى أو تلك، وليس بالإمكان حتى الآن تصور ان تكون إحدى هذه القوى قادرة على حسم الموقف لصالحها. لذلك يجب البحث عن هيكلية جديدة للمحافظة على حدود سوريا الحالية المعترف بها دوليا. هذا الأمر إما تقرره نتائج استفتاء عام، وإما صيغة جديدة لدستور الدولة. واما الفيديرالية فهي دواء خطير، لأنه من جانب يمكن ان يشفي البلاد التي أنهكتها الحرب، ومن جانب آخر يمكن ان يدمّرها. فهذا الخيار هو محاولة من ناحية للمحافظة على وحدة التراب السوري، ومن ناحية ثانية، لتقسيم سوريا الى مناطق نفوذ. وهكذا يمكن بعض الأطراف ان تستخدمه للحفاظ على وحدة سوريا ولخيرها، والبعض الآخر لتدميرها.



[email protected]
twiter:@amine_kam


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم