الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

خُلْصِت القصّة؟

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
خُلْصِت القصّة؟
خُلْصِت القصّة؟
A+ A-

حصل كلّ ذلك في صيفٍ مزدحمٍ بالغرابة. لم يتوقّع أحدٌ يومها أن تصير أكياس القمامة نجم العام، وتفرض نفسها على الجميع، مسؤولين ومواطنين، وترغب في تمديد إقامتها اللعينة حتى إشعارٍ آخر. وفي السنة نفسها، طرأت مشهديّةٌ أكثر استثناءً: "مواطنون ثاروا دون زعيم". افترشوا الشوارع، اتسخت ملابسهم بمخلّفات تلك القنابل التي أدمعت أحلام عيونهم، وعادوا فاستحمّوا جماعيّاً بخراطيم المياه. غدوا نجوماً دون تذاكر حضور، لكنّ بريق نجمهم ما لبث أن خفت، والحلم الواعد ذوّب صوره عالم الواقع. ولعلّ الورقة الأولى التي أحبطت #الحراك_الشعبي هي الحراك الشعبيّ نفسه. لم يكن للفورة الصادقة قائدٌ يتقن فنّ الخطابة، أو يسحر الحضور بشخصيّةٍ قياديّة، فيحوّلها إلى قضيّة. تشتّت الأفكار والاقتراحات فجأةً واختلطت، وكأنها تحوّلت نظريّات لا دستور لها ولا كتاب. كان على أبطال الحراك أن لا يدخلوا لعبة مؤثّرات السينما التي تطفئ أضواء العرض دائماً بنهاية. اليوم، بات كلٌّ من المغامرين ضائعاً في ميادين المدينة، فيما اختفت حشود الآلاف التي آمنت بالتغيير، وعاد الجميع الى المنزل يحمل في ملامح وجهه خيبة ما. أمّا نجوم الحراك ورفاقهم فلا يزالون يفترشون ساحات الانتظار، ولا يعلمون ماذا في الغد من خبايا. وهم يتّحدون على ضرورة ما يسمّونه محاربة الفساد الذي يعتري مؤسّسات الدولة وتفعيل خطّةٍ مستدامة تجد حلاًّ جذريّاً لأزمة النفايات. لكنّهم يضيعون في مفترقاتٍ قد تعبّر عن آراء الحركة التي ينتمون اليها، أو أهواء شخصيّة تعبّر عن وجهات نظرٍ فرديّة. وإذا كانوا جميعاً يرفضون الواقع الحاليّ، لماذا لا نجدهم دائماً موحّدي الصفوف، يصرخون في مذياعٍ واحد؟ وماذا بعد إقرار خطّة المطامر؟ هل "خلصت القصّة"؟



 


"طلعت ريحتكن": عدم المشاركة خيار سياسي خاص بالمجموعات


لعلّ أبرز الإشكاليّات التي طرحت مسألة التفتت الذي تعانيه مجموعات الحراك، كان عدم مشاركة أقطاب أساسيّة فيه، في تصعيد شلّ البلد من خلال قطع الطرقات يوم أمس الاثنين. حتّى إن البعض بات يتساءل عن فاعليّة استمراريّته بعد إقرار خطّة المطامر. وفي هذا الإطار، يشير ناشط بارز في حملة #طلعت_ريحتكم في حديثٍ لـ"النهار"، فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، الى أنه "لا يمكن القول أن جميع اللبنانيين نظروا سلبيّاً الى هذه الخطوة، لا بل ان كثيرين دعموا قرار قطع الطرقات ووقفوا الى جانبنا خصوصاً أننا نطالب بموضوع محقّ. وقد لجأنا الى التصعيد بعد انتظارٍ دام ثمانية أشهر قدّمت خلاله الحكومة خطط قائمة على مبدأ المحاصصة والفساد من دون التفكير بالحل الجذري الطويل الأمد، فيما جاء مشروع المطامر مخالفاً لاتفاقية برشلونة وتمهيداً لتبني مشروع المحارق بعد 4 سنوات من اليوم". "لم يخرج الحراك بقرارٍ موحّد يضمن مشاركة جميع مجموعاته في التصعيد. الى أي مدى تعبّر هذه المشهديّة عن انقسام يعتري الحراك كما يتناقل كثيرون؟"، يجيب أنها " ليست المرّة الأولى التي تتفرّد فيها احدى المجموعات في خطوة معيّنة وهذا لا يفسد للود قضيّة، علماً أن مجموعات الشعب يريد و حلّوا عنا و شباب 28 آب شاركت الى جانبنا، فيما تغيّبت كلّاً من #بدنا_نحاسب و #من_أجل_الجمهوريّة وهذا خيار سياسي خاص بهما. كل مجموعة لديها طريقة في العمل على الأرض ونحن على تنسيق مستمر ودائم خدمة للقضية، وقريباً ستجدون الحراك في تحركات موحدة وستتأكّدون أن الحديث في الاعلام عن انقسام في الحراك غير صائب". وعن الخطوات التصعيديّة المستقبلية القادمة التي ستتبناها المجموعة، يلفت الى أن "على كلّ نائب ووزير مشارك في هذه السلطة أن يعتبر نفسه هدفاً لتحرّكاتنا حتى على الصعيد الشخصي عليه أن يتوقّع أن يكون عرضة للإحراج أمام الرأي العام".



 


"بدنا نحاسب": كنا نتمنى أن لا يفرض أحد تحرّك غير منسّق
"لم نشارك في قطع الطرقات على رغم تمنينا النجاح لهذه الخطوة. كما أننا لم نكن جزءاً من القرار ولم نكن مطّلعين على الخطوة التصعيديّة. منذ ولادة الحراك وثمة اختلافٌ في الآراء ووجهات النظر وكلّ مجموعة كانت تخوض المواجهة بالشكل التي تراه مناسباً. وكنّا نتمنى أن لا يحاول أحد فرض تحرّك غير منسق وغير مطروح وغير مناقش". بهذه العبارة اختصر الناشط في حركة بدنا نحاسب علي حمّود موقف المجموعة من اللجوء الى قطع الطرقات يوم أمس. برأيك هل تسرّعت طلعت ريحتكم في تبني هذه الخطوة؟، يجيب أنه "لم يكان هناك تحضير للمسألة مسبقاً ولم يتم التواصل والتنسيق مع المناطق، فيما أن نقاش الحوار بيننا لم يؤدِّ الى نتيجة. نحن لسنا ضد قطع الطريق ولكن نعتبر أن التوقيت غير مناسب". وحول المواقف التي ستتخذها المجموعة في وجه تنفيذ خطّة المطامر يشير الى "أننا سنقف الى جانب المناطق ونمنع فتح المطامر، وهذا جزء من سياق المعركة. كلّ القرارات السابقة التي اتخذتها الحكومة تراجعت عنها ونحن مستمرّون، وأعتقد أن الحراك سيستمرّ خلال 8 أشهر المقبلة وينبعث الى الأمام". تتبعون توجّه يساري فيما طلعت ريحتكن حركة ليبراليّة، الى أي مدى يلعب هذا الاختلاف دوراً في عدم توحيد الصفوف والتحرّكات؟"، يجيب أنه "عندما قررنا العمل على تفعيل مؤسسات الدولة لم نكن نتكلّم على شعارات مرتبطة باليسار أو اليمين، ولا أحد يتبع خطابات يساريّة أو يمينيّة. نحن ننطلق من خلفيات فكريّة لتشخيص المرض الذي يعانيه مجتمعنا. التصنيفات والاختلافات لا تؤثّر في عملنا تجاه الحراك".



 


"من أجل الجمهوريّة": رفضنا أن نوضع تحت أمرٍ واقع
لعلّ موقف مجموعة من أجل الجمهوريّة جاء الأكثر ليونة من المواقف الأخرى، حيث يعتبر الناشط في المجموعة نفسها المحامي نزار سركيس أن "المواضيع المصيريّة تنسّق بين المجموعات خصوصاً أننا نواجه سلطة سياسيّة قويّة. لم يتمّ التنسيق معنا وعلمنا بموضوع التصعيد في نهاية المسيرة التي حصلت، وبالتالي وُضعنا تحت أمرٍ واقع، وهذا ما رفضناه لذلك لم نشارك خصوصاً أن الخطوة كانت بحاجة الى دراسةٍ وتعمّقٍ أكبر. ولكن، ليس من الخطأ أن يكون ثمة خلاف في التكتيك لأن الحراك هو عبارة عن مجموعات لها توجّهاتها الخاصّة ومنها ما هو سياسيّ وغير سياسي، ولكن الأساس يكمن في أننا متفقون على الهدف الأساسي وهو مواجهة السلطة الفاسدة". ويشير الى أن "موقف من أجل الجمهوريّة كان واضحاً منذ البداية، ولا نريد الدخول في تقنيات الحل المهم هو التوصل الى خطّة مستدامة وشفافة، من دون وجود فساد في الملف. اريد ان اكون واقعياً، وأقول أنه إذا وافق أهل المناطق على المطامر، وفي حال تبيّن أن شروطها صحيّة فليس لدينا مشكلة فيها، ونحن في طور دراسة قرار الحكومة لأخذ قرار واضح حياله. ويضيف أنه "في كل أنحاء العالم تعتمد خطط فيها طمر وحرق وفرز ونحن لا ندخل في تفاصيل الحلّ، المهمّ أن تزال #النفايات من الشوارع وأن لا يكون مشروع الحلّ فاسداً". ويؤكّد أن "الحراك مستمرّ رغم رهان البعض على تلاشيه، وقد سمعناها كثيرا الّا أن هذه الآراء هي مجرّد مناورات".



 


وعلى رغم اختلاف وجهات النظر حول آليّة التحرّك والتعبير عن الرأي، إلّا أن مجموعات الحراك الشعبي تؤكّد أن "القصّة لم تنتهِ" حتّى الآن، وأن الاستمراريّة ستكون فعّألة في وجه ما يسمّونه "فساد السلطة السياسيّة". معارك الكرّ والفرّ وتقاذف أكياس النفايات لا تزال مستمرّة بين الطرفين، اللذين يسجّلان أهدافاً الواحد في مرمى الآخر، في مباراةٍ استمرّت أكثر من ثمانية أشهر، ولم تشهد استسلام أحد الطرفين المتواجهين أو إرهاقه. أمّا الأرض التي تلعب عليها المباراة، فهي مدينة #بيروت التي تحوي ربطات عنقٍ وخيماً وأكياس نفايات، جميعهم ضائعون في المدينة.



 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم