الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الزمبو ظاهرة حصرية بميناء طرابلس تسبق الصوم

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
الزمبو ظاهرة حصرية بميناء طرابلس تسبق الصوم
الزمبو ظاهرة حصرية بميناء طرابلس تسبق الصوم
A+ A-

انطلق الزمبو، وانتهى أسبوع اللعوبة، ومضى مؤمنو الميناء في #طرابلس إلى الصيام الكبير الذي يسبق عيد الفصح بخمسين يوماً تقريباً. لغة لا تتوافر في اي نقطة من العالم إلا في الميناء، فتحتل به هذا العام صدارة الأحداث مرة ثانية بعد فوز ابنتها لين الحايك بالمرتبة الأولى بين عشرات المتسابقين في سباق الـVoice Kids.


والزمبو احتفالية شعبية طابعها فولكلوري، لكنها لا تتبع أي فولكلور في العالم. ابتدعتها مخيلة ميناوية، وبنتها تدريجياً بالتوازي مع تطورات الظروف، وجعلتها من غير قصد، طقساً يكاد يتقدس بنظر كثيرين، ينتظرونه من عام لعام، ويمارسونه مرة في السنة.


صبيحة اليوم الأخير الذي يسبق بدء موسم الصوم، يتوافد العشرات إلى أحد أزقة الميناء، ويبدأون بالتنكر، فيتعرون إلا من الوسط، يطلون أجسادهم بالحبر الأسود، يلبس بعض منهم تنانير مصنوعة من "شناشيل" الورق الملون، ويضعون على وجوههم ورؤوسهم أشكالاً تنكرية، ويحملون العصي تعلوها إشارات بلا معنى محدد، خاصيتها لهذا العام أنها رفعت اسم لين، بنت الميناء التي رفعت اسم مدينتها عاليا.


ساعات تستغرقها عملية طرش الأجساد بحسب الاعداد الوافدة للمشاركة، والتي لا يبدو أنها في تراجع، بل تزداد ويقبل عليها شبان ناشئون، على رغم أن بعض كبار قادة الحركة القدامى يتحدثون عنها بحسرة وكأنها ستنتهي، على ما أوحى به بشارة ميسي في تصريح لـ"النهار".


تتقدم ساعات النهار، وتقارع الظهيرة، ولا بد من الانطلاق. المتنكرون محتشدون في مستودع التنكر، ينفتح باب عال، ويبدأ الجميع بالخروج ويطلقون أهازيج بلغات لا مكان لها في أي بلد أو مجتمع، ثم يتقدم أحد قادة الحركة، و"يرقع" خطاباً ايضاً بلغة غير موجودة، أشبه باللغط التي اعتاد رواد السينما سماعها في أفلام المواجهة بين الكاوبوي والهنود الحمر. لغط هو مبدئياً لغة الهنود الحمر، لكنه ليس لغتهم. ينتهي الخطاب في اقل من دقيقة، ويعطي الخطيب إشارة الانطلاق، وقرع الطبل لا يتوقف ولا المزمار المرافق له.


تنطلق مسيرة "الزمبو" بالأشكال المموهة التي تجمع التنكر بالزنجي، وبالزي الهندي الأحمر، وترتفع العصي وشاراتها، وتتعالى الهتافات "زمبو.. زمبو.." الطبل يقرع، والمزمار ينطلق، والهتافات تتعالى، وتتحول الأجساد إلى الرقص المنفلت من أي قاعدة أو ضابط. ويجوب المشاركون شوارع الميناء القديمة، بينما تنتظرهم على الشرفات سيدات البيوت اللاتي هيأن الأرز وبعض العطور التي تتساقط على المسيرة المحتشدة من فوق.


جو من الفرح يطغى على المدينة حيث المسيرة تجوب، وتتردد أصداء قرع طبولها في الأزقة، وبقية الأحياء التي تنتظر مرور التظاهرة، ومن الأهالي من ينضم إليها، وتتحول الحركة من حركة مهتمين مسيحيين بالصيام، إلى حركة شعبية تجمع كل الفئات في احتفالية فولكلورية هدفها الأساسي هو الفرح.


تناهز الساعة الأولى والنصف، وتنتهي الجولات في الطرق والشوارع، فيتجه المتنكرون إلى البحر، ويلقون أنفسهم به للاغتسال "لأن الحمام المنزلي سيتحول إلى طلاء ملون، ونحن لا نحب أن نعذب نساءنا"، كما يقول أحد منظمي الحركة سيمون جرجورة.


الزمبو


كل المشاركين في الزمبو يعرفونه حركة فولكلور فرح تسبق الصوم، لكن ندرة تعرف ماهيته. فميسي وجرجورة يختصرانه بـ"التقليد الذي درج آباؤنا وأجدادنا على ممارسته سنويا، في الأسبوع الذي يسبق الصوم".


في أماسي الأسبوع، يجتمع الشبان كل ليلة، ويتناولون الأطعمة والشراب، ويتنكرون ويقومون بجولة قصيرة في الحي الذي يقيمون فيه. حركة صغيرة اسمها "اللعوبة" عندهم.


ويأتي الزمبو بنهاية الأسبوع ليختزل كل ما يمكن عمله. ويفيد مطلعون قدامى أن الزمبو فكرة جاء بها مغترب من الميناء هاجر إلى أميركا، واطلع في هجرته على كرنفال البرازيل الذي يقام في الأسبوع الذي يسبق الصوم، وينفلت فيه الناس من عقالهم، ويمارسون حريتهم الكاملة قبل البدء بالصوم، وحرمان النفس من ملذاتها.


لكن الزمبو يحتوي عناصر أخرى استعيرت من السينما، فأضيف إليه تقليد "الهنود الحمر"، واختلط العنصران في حركة محلية، اسميت بالزمبو دون أن يكون لها معنى محدداً.


يقول جرجورة إن "الأوائل الذين مارسوا الزمبو، لم يمارسوه كما هو اليوم، إنما كانت تقوم فرق موسيقية الطابع، بالتجوال في المدينة في أسبوع الزمبو، وكانت تؤدي الأغنيات الطربية لتضفي على الجو نوعا من البهجة".


ويخشى جرجورة من "تراجع الاهتمام بالزمبو، خصوصاً مع غياب الكبار الذين أحيوه. كما أن تكاليف صناعته تضغط في الظروف الصعبة، ولم يعد بالإمكان تغطية النفقات من جيوب المتطوعين والمتبرعين".


من جهته يخشى ميسي من تراجع الزمبو، الظاهرة التي أحبها الجميع، كما يقول، ويتمنى أن يتعلمها الجيل الجديد، ويستمر بها.


ويشرح كيف كان يتولى شخصيا تأمين المواد الخام للتنكر، ويقوم شخصياً بطلاء المشتركين. لكنه يؤكد أنه لم يعد يريد الاشتراك به بعد تقدمه بالسن.


أعداد المشاركين هذا العام بالزمبو لا توحي بأنها تتقلص أو تتراجع، خصوصاً مع اهتمام الشباب بها، وقبولها من الناس الذين يحبونها، ويظهرون كل اهتمام بها. ولذلك، يحمل أحد المتطوعين علبة من التنك، ويجول بها بين المارة جامعاً التبرعات لرفد الحركة بالامكانات المادية، إن ثمناً للطلاء، أم لتغطية نفقات العشاء. ولا تتوانى سيدة من رمي بضع ورقات مالية للتبرع من شرفتها، ربطتها بملقط غسيل كي لا تتطاير في الهواء.


انتهى الزمبو ظهراً، وغطس المتنكرون في المياه، واجتمع المتابعون للحدث على رصيف الكورنيش يراقبون حركة الغطس، خاتمة المطاف للتحرك.


يمر شابان على دراجتهما ويتساءلان عن الاحتفال: فيرد أحد الحاضرين مختصراً الحدث: "الزمبو" الذي يسبق صوم المسيحيين".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم