الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الإعلام بين الإباحية واستمرارية البقاء

شربل أبي منصور
الإعلام بين الإباحية واستمرارية البقاء
الإعلام بين الإباحية واستمرارية البقاء
A+ A-

تشهد الصحافة تبدلاً في معاييرها، فهي لم تعد تقتصر على المرئية والمسموعة والمكتوبة منها، بل أمسى هناك نوع جديد يعرف بالصحافة الإلكترونية. همّ الصحافة اليوم كيفية استمالة القارئ وخصوصاً في ظل وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي والعولمة. فالصحيفة الورقية لم تعد تلقى الرواج السابق عينه إذ إن القارئ لم يعد ينتظر صدورها صباحاً لمعرفة الخبر الذي يصله بعد دقائق وهنيهات على هاتفه الجوال، لذا عمدت إلى نقل محتواها إلكترونياً. وطبيعي أن القارئ الذي اعتادته الصحيفة الورقية غيره قارئ نسختها الإلكترونية. لذا، وجب عليها تغيير سياستها واتباع وسائل جديدة لجذب أكبر عدد من القراء وإرضاء كل الأذواق. وككل جديد لا بد أن يواجه رفضاً. فالتغيير، غالباً ليس سهلاً، ويتطلب وقتاً، إضافة إلى ارتكاب هفوات وكبوات وصولاً إلى إرساء قواعده. وعلى الصحافة أن تتوجه إلى كل الفئات، النخبوية منها والشعبية، في إطار تثقيفي ترفيهي توعوي يقارب الخبر بموضوعية وصدقية ومهنية.
السؤال: أي قارئ نريد أو ماذا يريد القارئ؟ لا شك في أن ثمة مسؤولية تلقى على عاتق الصحافة، والإعلام ككل، في تكوين الرأي العام وتشكيله، لا الانسياق وراء رغبات هذا القارئ غير الثابت. لكن اليوم نجد أن المواضيع التي يستسيغها القراء يتمحور معظمها حول الجنس والإباحية والفضائحية والقتل والسياسة لتحل الثقافة في المرتبة الأخيرة. وهنا لا يتعلق الأمر فقط بالقارئ العربي، بل بالقارئ عموماً. أخيراً، طالعتنا محطة تلفزة إخبارية بمذيعات شبه عاريات ليقدمن نشرات الأخبار في سبيل استقطاب أكبر عدد من المشاهدين. وإعلامنا العربي ليس بأحسن حال، المرئي منه، أو المواقع الإلكترونية، إذ تكثر فيها البرامج الترفيهية التي تعتمد أغلبيتها على مواد ذات طابع جنسي إيحائي أو غرائزي لشدّ عصب المشاهد (القارئ) وتالياً لجذب المعلنين.
إذاً، في ظلّ هذا الشح المالي، لغياب المموّلين والمعلنين، لم يجد الإعلام مفرّاً غير اللجوء إلى الجنس والإباحية والعري والفضائحية واللعب على وتر الغرائزية لاستمالة أكبر عدد ممكن من المتابعين في سبيل البقاء. ولكن، لا نستطيع تبرئة المشاهد (القارئ) من هذه المسؤولية، إذ تبدو الفئة الكبرى من القراء والمشاهدين تميل إلى الأمور الحسية الشهوانية بدلاً من المواد التي تحاكي العقل والفكر والقيم. والسؤال: هل على الإعلام لخضوع لسياسة "الجمهور عايز كده"، أم عليه توجيه الرأي العام والارتقاء به في سبيل النهوض بالمجتمع وتكوين جيل مثقف؟ طبعاً، لا يمكننا لوم الإعلام في ظلّ الأزمة الكبيرة التي تضرب قطاعه، والذي يجهد فيها للبقاء والنضال بكل الوسائل المتوافرة، محاولاً المحافظة على قدر ضئيل من المضمون الراقي، والثقافي، والحرية التي هي صنو الصحافة. وقد شهدنا في السنوات القليلة الأخيرة إقفالاً لعدد من المجلات والملاحق الثقافية، وآخرها الملحق الثقافي في جريدة "النهار" الذي استمر طيلة سنوات باللحم الحيّ يُقاوم، كما قال الشاعر عقل العويط في مقالته (باللحم الحي إكراماً لمواطني الحرية 12/12/2015).
هذه المقاومة باللحم الحي في سبيل الثقافة وإعلاء حرية الكلمة استُبدلت بمقاومة بلحمٍ حيّ من نوع آخر، قوامُه الأجساد - السلع والإيحاءات الجنسية الرخيصة والكلام المبتذل السوقي، والتي تتوخّى تعميم سياسة الانتهازية والربحية والنفعية والمادية والشهوانية والقمعية بديلاً من سياسة قيمية أخلاقية ثقافية حرة ساطعة مُجليّة.
إذاً، هذا التقدم التقني الهائل، وخصوصاً في الجانب الميديائي منه، أرخى بثقله على الإعلام ووضعه في مهب الريح وأمام تحديات كبيرة، خصوصاً في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، والخبر العاجل، مما أرسى مفاهيم جديدة للإعلام لم تؤطر أسسه وقواعده بعد إذ إنه لا يزال قيد التشكّل، مما أدخله في حال من الفوضى والتقهقر واللا اتزان انعكست سلباً وتراجعاً في دوره كسلطة رابعة موجِّهة وتغييرية.
أسئلة عدة وإشكاليات كثيرة مطروحة حالياً في أزمة الإعلام الراهنة تحتاج إلى ندوات وحلقات بحثية ومناقشات موسعة تقاربها علمياً وأكاديمياً لإيجاد حلول وخلاصات توصلها إلى برّ الأمان. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الدولة لدعم الإعلام وتحصينه لئلا ينحرف عن مساره، وينزلق إلى مزالقَ وأدْراك يصعب انتشاله منها.
لا بدّ من يقظة ضمير جماعية وعضْد جهود واستنهاض ذوي الهِمم والنيات الصادقة لإعادة تصويب المسار الإعلامي، وتأطير دوره الجديد المستقبلي الذي يتماشى والتطور الحاصل بعيداً من النظرة الجامدة التقليدية اللا عقلانية، والتي تعوق مسار الدفع والتقدم وتُمعن في سياسة الإحباط والجمود.


[email protected]


Twitter: @AbimansourC


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم