الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كتاب - "الموت عمل شاق" لخالد خليفة: مرثية سوريا الروائية

كه يلان محمد
كتاب - "الموت عمل شاق" لخالد خليفة: مرثية سوريا الروائية
كتاب - "الموت عمل شاق" لخالد خليفة: مرثية سوريا الروائية
A+ A-

تضعك رواية "الموت عمل شاق" الصادرة لدى "دار أنطوان" للكاتب السوري خالد خليفة في صميم الواقع السوري،
بكل ما يحمله من الفجائع والكوارث. من العنوان يكتشف المتلقي الموضوع المحوري ويلمع الدال واضحاً ومتطابقاً مع المدلول الروائي.


يحاول صاحب "مديح الكراهية" من خلال روايته الجديدة، تعميق الوعي بما تشهده سوريا من النكبات الانسانية، إذ يسعى على غرار عمله ما قبل الأخير، "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة"، إلى تدوين ذاكرة بلده روائياً، إنطلاقاً من قصة أسرة سورية. وإذا كانت رواية "لا سكاكين..." تركز على مدينة حلب وإظهار ما مرت به من التحولات في العادات والطبائع منذ تولي البعث السلطة في سوريا وصولاً إلى إحتلال أميركا للعراق، فرواية "الموت عمل شاق" تجعل معاناة سوريا في زمن الثورة هي الموضوع ومثار الاهتمام.


الموت المحتشد
تُستهل الرواية من لحظة الذروة، عندما يموت الأب المؤيد للثورة ويتكفل الابن بلبل تنفيذ وصيته بدفنه في قبر أخته في قرية العنابية. قبل أيام قليلة من موته يغادر عبد اللطيف الذي كان يحظى بإحترام الثوار، بلدة س عائداً إلى دمشق ليمضي ما بقي له من العمر في جوار بلبل. موت الأب يجمع أجزاء عائلة مشتتة، فيحضر حسين وفاطمة للمشاركة في تشيع الوالد في قرية العنابية التي تركها عبد اللطيف قبل أربعين عاماً.
يبتعد الكاتب عن الأسلوب المباشر ولا يذكر القتلى بالعدد، بل يعول على المواقف المعينة والجمل القصيرة لتصوير المشهد. ذلك ما يتبين عندما يخبر الممرض الابن بضرورة سرعة تسلم جثة الأب من المشرحة، لأنَّ جثثاً جديدة تتوافد. لذلك لا بدّ من إخلاء البرادات والإستعداد لإستقبالها. بعد إنهاء الإجراءات ينتظر الأهل وصول المدير ليوقع شهادة الوفاة، ومن ثم تبدأ الرحلة بسيارة ميكروباص إلى مسقط عبد اللطيف، لكن في زمن الحرب تطول المسافات ويصبح السفر من مدينة إلى أخرى مثل الإنتقال إلى بلد أجبني بوسائل بدائية. هكذا تختلف الطرق التي تزداد فيها الحواجز، وخصوصاً إذا لم يكن عناصر الحاجز من أبناء البلد ولهجاتهم وسحناتهم تختلف عن اللهجة والسحنة المحليتين. يتحول الإنسان إلى كائن مشبوه سواء أكان ميتاً أم حياً، وهو معرض للإعتقال والتحقيق مثلما يحصل مع جثة عبد اللطيف حيث تُحتجز في أحد الحواجز، لكن عقب دفع الرشاوى وموافقة رئيس الفرع تعاد الجثة إلى ذويها، الذين يكابدون معاناة الإستجواب بسبب هويتهم وانتمائهم إلى منطقة معينة. لا ينتهي مسلسل المعاناة بالخروج من المدن التابعة للسلطة، بل يجد أفراد الأسرة أنفسهم أمام محكمة شرعية يستجوبهم المسؤول فيها عن إلتزاماتهم الدينية والفرائض، ويختبر معتقداتهم، إذ تكون أجوبة بلبل غير مقنعة فيحتجز ليتم تأهيله دينياً. تستغرق الرحلة ثلاثة أيام حيث تمضي العائلة ليلة في ضيافة لمياء صديقة بلبل وليلة أخرى في العراء حيث يعرب الأخ الأكبر عن رغبته في التخلص من الجثة ورميها في البراري. أخيراً تصل العائلة إلى العنابية بدون بلبل، ويُدفن الأب ولكن ليس في قبر أخته. يقترب بلبل من حافة الجنون وتفقد فاطمة قدرتها على النطق وتصبح خرساء، وهنا تنفتح الرواية على قصص أخرى وتتم استعادة حكاية كل شخصية على حدة داخل القصة الأساسية.


العودة إلى الماضي
في موازاة رحلة الأسرة إلى العنابية يعود بنا الراوي إلى ماضي الشخصيات التي لا تنفصل محطات حياتها عن تأريخ الوطن، فيستبطنها كاشفاً خلجات النفس وما عاشته كل شخصية من التجارب وما تنتظره من المستقبل. كان عبد اللطيف متفائلاً بالثورة ولم يكف عن التذكير بأنَّ أبناء الثورة في كل مكان. في شبابه كان من أنصار البعث لكنه سرعان ما أدرك عدم إخلاص الرفاق. أمضي عمره فى التعليم وأراد أن يربي أبنائه على مبادئ مثالية غير أنه أخفق مرة أخرى عندما تمرد الابن الأكبر واختار العمل مع نغوم التي يوحي اسمها بشخصيتها المشبوهة. تمر فاطمة بتجربة فاشلة في الزواج وتنهار أحلامها بالصعود إلى الطبقة الأريستوقراطية، كذلك يذوق بلبل تجربة الإنفصال عن هيام ويعيش وحيداً مع ذكرى لمياء التي لم يتجرأ على مصارحتها بحبه لأنه خاف أن لا يلقى قبولاً بسبب اختلاف الدين. إضافة إلى قصة ليلى التي أحرقت نفسها رافضةً ربط حياتها بمن لا ترغب فيه، حيث يحضر طيفها في تلافيف السرد.


تعويض الخيبات
يعلن عبد اللطيف حبه لنيفين وهو قد صار رجلاً مسناً، وهي قد بلغت الستين. يأتي هذا التحول في حياته متزامنا مع امتداد الثورة وكسر حاجز الخوف، وهذا يعوض خيباته الأسرية والحزبية مثلما أنَّ الثوار يحدوهم الأمل بأنَّ الثورة تحمل مستقبلاً مشرقاً وتفتح أفقاً جديداً في حياتهم. تُستحضر رواية ماركيز، "الحب في زمن الكوليرا"، من خلال تحقيق حلم اللقاء بين بطلين وهما في خريف العمر. يحسب لصاحب هذا العمل أنّه على رغم معالجته موضوعا لا يزال متصدراً وسائل الإعلام ومثاراً للخلاف، فهو ينجح في إعطاء المتلقي رؤية جديدة عن خطورة ترهين مصير الوطن بمصير نظام معين، من دون أن يقع في فخ أسلوب الخطابات السياسية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم