السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

حمام الدم حرم 40 ألف شخص من العناية الطبية

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
حمام الدم حرم 40 ألف شخص من العناية الطبية
حمام الدم حرم 40 ألف شخص من العناية الطبية
A+ A-

سيدوِّن التاريخ في سجِله مآسي وأحزاناً زرعتها الحروب التي فُرضت على دول #الشرق_الأوسط، فمن نادى بالحرية والنصر على الظلم والطغيان لم يدرك أنَّ حماماً من الدم في انتظاره، وأنَّ الدمار والخراب والألم تقف له بالمرصاد. سنوات مرَّت وأخرى قادمة لا تبشِّر بمستقبل واعد بل بدموع تكاد لا تجفُّ بتاتاً. إلاَّ أنَّ الإنسانية لم تطأطئ رأسها أمام الموت اليومي بل لا تزال تبحث عن سبلٍ لمدِ يد العون والمساعدة لكل محتاج لإضاءة شمعة في وجه الظلام الدامس الذي نعيشه.


55 ألف ضحية في عام 2015


شهد عام 2014 مقتل 76.021 شخصاً، بينهم 17.790 مدنياً. فيما لقي 55.219 شخصاً حتفهم في #سوريا عام 2015، بحسب ما أعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" نصفهم من المدنيين، بينهم 2574 طفلاً، و1944 امرأة. فيما قتل 7728 متمرداً بالمعارضة السورية المعتدلة، وخسر الجيش النظامي 8.819 جندياً خلال العام، وقتل 16.212 مقاتلاً أجنبياً من مختلف الجنسيات في صفوف تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة". لم تتوقف حصيلة القتلى هنا، إذ بعد مرور 3 أشهر على بداية العام 2016 وثّق المرصد السوري استشهاد ومقتل 4802 شخصين خلال شهر شباط، 1109 بينهم شهداء مدنيون يضمون 234 طفلاً دون سن الثامنة عشرة.


إنسانية بلا حدود


قبل أن يسري قرار وقف إطلاق النار في سوريا شهدت مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب شمال غرب سوريا مقتل مدنيين في غارة جوية استهدفت مستشفى مدعوماً من منظمة "أطباء بلا حدود"، هذا الاستهداف لم يكن الأول وبالطبع لن يكون الأخير. هذه المنظمة التي تنجز 53% من أعمالها في مناطق النزاعات ترفض أن تبرر بعض الدول حربها اللامحدودة عبر وصف واعتبار أعدائها "إرهابيين". هذه الحروب التي شرَّدت الملايين دفعت بأصحاب الأيادي البيضاء إلى القدوم لدول النزاع لتقديم الدعم والمساعدة والاستشفاء والدواء لضحايا وحشية الطائرات الحربية والبراميل المتفجرة والسيارات المفخخة. من هؤلاء منظمة "أطباء بلا حدود" التي قدِمت إلى سوريا ووجدت صعوبات في إيصال المساعدات الغذائية والطبية والبضائع إلى المدنيين خصوصاً مع وجود نحو 1.5 مليون سوري يعيشون تحت وطأة الحصار.


40 ألف شخص محرومون من العناية الطبية


"سوريا تمثِّل تحدياً إذ ثمة صعوبة في الوصول إلى المرضى وحصولهم على العناية اللازمة"، بهذه العبارة بدأت الرئيسة الدولية لمنظمة "أطباء بلا حدود" الدكتورة جوان ليو كلمتها خلال جلسة نقاشية في "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" في الجامعة الأميركية في بيروت. تشرح ليو أنَّ السبب يعود إلى "استهداف 63 من أصل 153 منشأة طبية تديرها المنظمة في سوريا مما أدى إلى حرمان ما يقرب من 40 ألف شخص من العناية الطبية الأساسية في حالات حرجة"، مشيرةً إلى أنه "في سوريا يصعب الوصول إلى كل مناطق النزاع، ولم يتم إعطاؤنا الحق في العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. كما أنه بعد خطف أحد فرقنا في سوريا بتنا نعتبر أنه من غير الآمن العمل في مناطق سيطرة داعش كذلك. وكان علينا التأقلم مع النموذج غير المسبوق عبر تقديم الدعم الطبي غير المباشر للمناطق المحاصرة من خلال شبكة من العلاقات التي قامت أحياناً على علاقات شخصية بين الأطباء أنفسهم على المستوى الفردي أساسها الثقة منذ العام 2011. وفي عام 2015 قدمنا أكثر من 70 خدمة، وعالجنا أكثر من 154 ألف شخص، 30% إلى 50% منهم كانوا من النساء والأطفال. وأحصينا نحو 94 هجوماً على طواقمنا، حيث دمر 12 مركزاً وقتل 23 شخصاً وجرح 50 آخرون. واستهداف مستشفى في إدلب ومعرة النعمان أدى إلى خسارة 25 شخصاً حياتهم، حيث توفي 19 من الأطباء و6 من المرضى. وبعدما تعرض المستشفى لهجوم وصلت فرق الإغاثة للمساعدة فتمَّ بعد وصولها بـ 40 دقيقة قصف المستشفى مجدداً. الدراما لم تتوقف بل عندما كنا ننقل المرضى إلى مستشفيات أخرى كانت تُقصف هذه الأماكن أيضاً. ويصعب علينا تصديق التبريرات بأنَّ ما كان يحصل هو مجرَّد "حادث".


اليمن الحزين وأفغانستان الأيام السوداء


"سوريا ليست البلد الوحيد الذي ينازع، فاليمن وأفغانستان لهما حصة أيضاً"، بحسب ليو "إذ لم تَسلَم المنظمة في #اليمن من الهجمات وشهدت خلال الأشهر الخمس الماضية تفجير مستشفيين وعيادة متنقلة تابعة للمنظمة كما قتل أحد سائقي سيارات الإسعاف التابعة للمنظمة. في هذه الدول، يواجه المدنيون العزَّل الحرب وكأنهم اعتادوا ذلك". ليو التي حاولت كبت دموعها، أخبرت عن أفغانستان قائلة: "شهدنا "يوماً أسود" عندما استهدفت القوات الأميركية مستشفى في منطقة قندوز النائية في شهر تشرين الأول الماضي يتلقى دعم منظمة "أطباء بلا حدود" وحولته إلى ركام عبر شنها خمس غارات على مدار ساعة على الرغم من النداءات المتكررة بأن ما يقصف كان مستشفى. قندوز كانت أكبر مأساة في تاريخ المنظمة لم نشهد مثلها بتاتاً، توفي على إثرها 42 شخصاً، من بينهم 14 من الطاقم الطبي. هذا المركز المخصص للصدمات النفسية كان يضمُّ 100 سرير، وعالج نحو 50 ألف حالة. في ذاك اليوم، استمرّ القصف لنحو ساعة رغم طلبنا المستمرّ منهم بالتوقف من دون جدوى، فيما احترق مرضانا داخل أسرتهم. لسنا نقول هنا إننا نتعرض كمنظمة دون سوانا لهجمات عدّة بل نحن من نتكلم عنها، وبالنسبة إليَّ كطبيبة لا أقبل أن يتعرض المرضى والطاقم الطبي للقتل أو الإصابة، وهنا أقول "طبيب عدوك ليس عدوك"، فالمجرم أو الجريح حتى ولو كان "إرهابياً" يبقى مريضاً يحتاج إلى الرعاية، ولا يمكن الحرب أن تدفن أخلاقيات الطب وواجبات الطبيب. أرفض المنطق الذي يبرر أنَّ "الأمن القومي فوق الجميع"، ما يعني أنَّ المساعدات الإنسانية مرحب بها فقط حين تخدم مصالح الأمن القومي ولكنَّها تُمنع لا بل تُهاجم وتصبح هدفاً عسكرياً حين تعارض توجهاته، ما يؤدي إلى استخدام الأمن القومي لتبرير الانتهاكات الصارخة لقوانين الحرب. أما المرضى فيتم التغاضي عن مصيرهم في سياق السرديات المناهضة للإرهاب".


الهجرة والقلق الأوروبي


وتطرقت ليو إلى "تداعيات هذه الاستهدافات على حركات الهجرة البشرية وتزايد القلق الأمني في أوروبا"، مشيرةً إلى أنَّ "لبنان استقبل ملايين اللاجئين الذين وصل عددهم إلى ما يقرب من 1.1 مليون، حيث بات 1 من أصل 4 أشخاص من الجنسية السورية. في الأردن التي زرتها في الأيام الماضية رأيت أناساً قادمين من سوريا نحو 20 ألف شخص، 54% منهم كانوا من الأطفال لم يسمح لهم بالعبور. أما من حاولوا عبور المتوسط وتوفوا في البحر دفعوا أوروبا إلى الانتباه إلى ما يجري. وهي تواجه أزمة افتعلها الإنسان، والحكومات الأوروبية التي وضعت إجراءات مستحيلة لاستقبالهم وأقفلت حدودها في وجههم". وأوروبا بحسب ليو "تدفع ثمن السياسات قصيرة المدى التي اعتمدتها. ففي عام 2015 اضطر أكثر من مليون لاجىء إلى مغادرة بلادهم بسبب الحرب والعنف والملاحقة، 84% منهم أتوا من البلاد "المنتجة للاجئين"، 49% منهم من سوريا، و21% من أفغانستان، و9% من العراق".


ليو التي تواصلت مع مهاجرين أشارت إلى حديثين أثرا فيها حقاً، الأوَّل لمهاجر قال: "لو علمنا أنَّ هذا ما سيحصل لنا لما غادرنا سوريا! فيما أجابت امرأة عن سبب مغادرتها قائلةً: "نحن هناك نموت كل يوم".



[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم