الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الرذاذ النووي سيلفح دول شرق المتوسط

سيمون عواد
A+ A-


منذ مطلع السبعينات زار الصديق العزيز الراحل محمد حسنين هيكل لبنان لاستطلاع آراء بعض مفكريه الكبار على غرار محطات له في إيران الثورة. وكانت أبرز لقاءاته اللبنانية مع المؤرخ جواد بولس حيث تولى الصديق المشترك الشاعر عمر أبو ريشة تقديمهما إلى بعضهما البعض.
الجلسة التي اتُفق على تخصيص ساعة لها دامت أربع ساعات، خرج على أثرها هيكل ليقول: يكفيني هذا اللقاء الذي يُغني عن كل ما سمعته! وخلال محاضرة ألقاها في تونس بعد شهور بدت مداولات تلك الجلسة في الطروحات التي استعاد من خلالها عِبَر التاريخ وثوابته من خلال المعادلة الجيوسياسية. وفي 27 حزيران 1998، كانت نقابة المحامين على موعد مع الكاتب الشهير وزميله صاحب "النهار" غسان تويني لسماع محاضرة وطرح أسئلة تولى تويني غربلتها بعناية مدروسة.
قبيل إلقائه المحاضرة دعاني إلى فندق "الفاندوم" حيث نزل فيه برفقة زوجته هداية وسكرتيره الخاص، فاجتمعت إليه صباحاً عند التاسعة وخمس دقائق وقدمت إليه موسوعة جواد بولس "شعوب الشرق الأدنى وحضاراته" في خمسة أجزاء، التي توليت تعريبها ونشرها، خصوصاً أنه لم يتسنَ له الإطلاع عليها بسبب ثقافته الانكليزية وصدورها بالفرنسية. فأعرب عن سروره كثيراً بهذه الهدية إلى جانب كتابي الجديد في حينه "كلمات بلا حدود" الذي تضمّن كتابات تاريخية وسياسية معاصرة.
لم يكن الوقت ليسمح بمتسع كافٍ لنتداول كل ما يطرح من أسئلة وهواجس حول الاوضاع العربية ومن ضمنها لبنان، في ظل المأزق الاسرائيلي الذي أحدثه ترؤس نتنياهو الحكومة الاسرائيلية إثر اغتيال إسحق رابين سنة 1995. لكنني فهمت أن الأوضاع مقبلة على تغييرات جذرية في المواقع وقوى الصراع بعد بروز الطفرة النووية في القارة الهندية - الباكستانية التي تؤدي إسرائيل من خلالها دوراً سرياً خطيراً، ولا سيما من خلال مدّ المشروع النووي الهندي بكل مستلزمات التكنولوجيا والمهارة البشرية في مواجهة المشروع النووي "الاسلامي" الباكستاني الذي قد يشجّع أو يساهم في تسريع إنتاج نووي في إيران حدده هيكل في مدى ثلاث أو أربع سنوات، إذا لم يتعرض لضربة إسرائيلية على غرار ما حصل مع المفاعل النووي العراقي قبيل حرب الخليج. أما في مصر، فهناك مصنع ظاهره مواد أخرى، إلاّ أنه بيع من مستثمر غير مصري، كما قال! ماذا يعني كل هذا؟ يعني تحويل الأنظار والصراع من صراع بين العرب وإسرائيل الى صراع مستقبلي بين العرب والهند مع ما يعني هذا التحوّل من تعقيدات بين القوى التي تساند هذا الطرف أو ذاك. لا شك في أن إسرئيل لا تخشى العلاقة المزدوجة مع أميركا وروسيا في ظل هيمنة اليهود على مركز القرار في التركة السوفياتية وعلى دوائر القرار في الإدارة الأميركية، حيث يسيطر جيش من المستشارين اليهود على معطيات التقارير التي تصل الى البيت الأبيض والبنتاغون و"السي آي إيه"، فضلاً عن المساعدين اليهود لمعظم أعضاء الكونغرس الأميركي. فكانت اللعبة الاسرائيلية تقضي بكماشة مطبقة على حضارتين دينيتين مرشحتين للصراع، مع ما لهذا الصراع من انعكاسات على الاوضاع الشرق الأوسطية وتهديدها لتفجيرها بفتيل القارة شبه الهندية الموشك على الإندلاع.
وهذا ما يستتبع استنزافاً جديداً لقدرات دول المنطقة وطاقاتها أين منه استنزاف الثماني سنوات على الجبهة الإيرانية - العراقية وحرب الخليج ومعاركها المكلفة جداً.
صحيح أن التداول النووي بين الهند وباكستان قائم، إلاّ أنه محكوم بسقف النظام الدولي الجديد الذي يمنع استخدامه. وكل تجاوز لهذه الحالة معرّض لصفعة جوية من الغرب الحريص على النفطين: نفط الخليج ونفط بحر قزوين. وفي رأي هيكل أن الخليج معرّض لتساقط نووي تحمله الرياح إليه من شبه القارة الهندية... خصوصاً أن هذه الضغوط على الخليج تتضاعف أثقالها من دون أن يعوّل على الوجود العسكري الأميركي فيه كعنصر تأمين واطمئنان... لأن ظل الجغرافيا على التاريخ ثابت في حين أن ظل البوارج الحربية على الشواطئ، تتحرك وفق استراتيجيات لها أولويات مرهونة بالظروف. وحذّر هيكل من أن الاندفاعات الآتية من شبه القارة الهندية الى شواطئ الخليج قد تبلغ بمدها شواطئ البحر الأبيض المتوسط في ظل إفلاس سياسي عربي، بعد أفول نجم الاتحاد السوفياتي، وتخلّي الولايات المتحدة الأميركية عن مسؤولياتها التاريخية في السلام الذي وضعت أسسه في مدريد، والذي لفظ أنفاسه على يد نتنياهو. فاللعبة التي بدأت في مدريد عام 1991 "انتهت واقعياً" باغتيال إسحق رابين وانتهت رسمياً بانتخاب نتنياهو.
ناقوس الخطر الذي دقّه هيكل من بيروت في ذلك الحين ونبّه فيه شعوب المنطقة وأنظمتها إلى خطورة ما يدبّر ويُحاك ناهيك بالدور التركي الذي يطمح إلى دور أمبراطوري ضائع، حيث حملت الرياح النووية المنذرة رذاذها إلى إيران وأوقعت "المكيدة" تلك بين الإسلام نفسه: إسلام إيران وإسلام الخليج في المنطقة، حيث اندلعت رحى الحروب بعيداً عن الهواجس الإسرائيلية التي انتزعت لها أميركا اتفاقاً بِحَجر المشروع النووي الإيراني وبمصادرة الأسلحة الكيميائية من النظام السوري قبل ذلك!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم