الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بريطانيا خارج اوروبا: من الخاسر؟

المصدر: "النهار"
امين قمورية
بريطانيا خارج اوروبا: من الخاسر؟
بريطانيا خارج اوروبا: من الخاسر؟
A+ A-

منذ نشوء #الاتحاد_الأوروبي اضطلعت بريطانيا بدور المتمرّد على أصول الاتحاد وقوانينه، حيث ضرب السياسيون المعارضون لوجود بريطانيا في الاتحاد على أوتار حساسة في الشارع البريطاني، لا سيما وترَي السيادة والهجرة. فالبريطانيون الذين لا يزال ماثلاً في ذاكرتهم الجماعية تاريخ إمبراطوريتهم التي كانت لا تغيب عنها الشمس، لايحبّذون الانصهار في بوتقة اوروبية تهدّد بمحو كيانهم وتراثهم. كما ان سكان الجزيرة الذين سعوا على مرّ الزمان الى حماية ارضهم من الغزو الخارجي وحماية يدهم العاملة من المنافسة الخارجية، لا ينظرون بارتياح الى تدفق العمالة الاجنبية الى مصانعهم ومؤسساتهم بحماية القانون.


انطلاقا من هذه المفاهيم يحشد المناهضون لبقاء #بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي قواهم من أجل إقناع الشارع البريطاني بالانسحاب الفوري من هذا الاتحاد كي ترجع بريطانيا حرة طليقة، كما كانت بلا قيود أوروبية ومن دون قوانين وأنظمة تفرضها أوروبا عليها، وتعيق حركة تجارتها ومسيرة سياساتها الخارجية. وفي المقابل يحذّر أندادهم المؤيدون لبقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي، من المخاطر التي ستحيق ببريطانيا إن لم تكن عضوا في الاتحاد الأوروبي، وأهمها العزلة الاقتصادية التي ستصيبها، إن صارت تهرول وحدها في الساحة وتغادر الركب الأوروبي السائر.


وإزاء هذا الانقسام حاول رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في اجتماع نادر لمجلس الوزراء البريطاني منذ حرب فوكلاند عام 1982، حشد تأييد الوزراء الكبار لقضية بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي عند إجراء الاستفتاء في 23 حزيران المقبل، مدعوما باتفاق في بروكسيل مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي حصلت بريطانيا بموجبه على تنازلات في مجالات عدة، من بينها حماية الجنيه الاسترليني والهجرة. غير أن كل هذه التنازلات لم تقنع تماما لا المعارضين ولا حتى قسمًا كبيرًا من الموالين، ذلك ان الحكومة نفسها شهدت تباينات، عكست الانقسامات المريرة في حزب المحافظين الذي يتزعمه كاميرون في شأن عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي. كما تظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين ككل منقسمون تقريباً بالتساوي.


في 23 حزيران سيصوت البريطانيون على واحد من اهم القرارات في تاريخ بريطانيا وتاريخ الاتحاد الاوروبي، المهدد بالتلاشي من خلال تعزيز مواقف قوى مناهضة لبقائه في مختلف أنحاء القارة.


وسواء كان الامر الكابوس الذي يحذّر منه مؤيدو اوروبا، او التحرر الذي يدعو اليه معارضوها، فمن المؤكد ان سيناريو خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، في حال تحقّق، سيكون خطوة في المجهول، اذ ستكون هذه المرة الاولى التي ينفصل فيها بلد عن الاتحاد.


وأكد رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر ان الاتحاد الاوروبي ليس له خطة بديلة، كما ان رئاسة الوزراء البريطانية لم تعد اي حلول، ما يعني انه في حال اختار البريطانيون الخروج من التكتل، فستبنى المواقف عندها على ما تمليه الظروف.


وباشرت الشركات في حي المال والاعمال بلندن، اهم المراكز المالية في اوروبا، والمعارض للخروج من الاتحاد الاوروبي، درس مختلف السيناريوات.
واظهرت دراسة اجراها معهد "اوبن يوروب" ان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سيؤدي الى تراجع اجمالي الناتج الداخلي بنحو نقطة مئوية عام 2030 . ورأت الدراسة ان "مغادرة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي لن يوازنه في أيٍّ من الاشكال اتفاق تجاري جديد يتم ابرامه مع الاتحاد الاوروبي".


واصدر مصرف "غولدمان ساكس" مذكرة للمستثمرين، حذر فيها من أنه إذا غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، فلن يكون هناك رابح، بل على العكس، سيكون هناك خاسرون اقتصاديون فحسب. وتكهنت المذكرة، أن ترتد تلك الخسائر لاحقاً على المملكة المتحدة وباقي دول منطقة الاورو. وأشار كيفن دالي، وهو أحد أفراد الفريق الاقتصادي في البنك الاستثماري، الى أن خروج المملكة المتحدة سوف يأتي بكلفة اقتصادية كبرى بالنسبة إلى البلاد، نظرًا إلى ارتباطها الشديد بالاتحاد الأوروبي. ولفت الى ان أوجه النشاط التجاري مع باقي دول أعضاء الاتحاد، الذين يقدر عددهم بـ 26 دولة، يشكل نسبة قدرها 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة.


وكتب رئيس معهد الفكر الاقتصادي الجديد اناتول كالتسكي أن التحديات الاقتصادية المترتبة على خروج بريطانيا ستكون ساحقة ومربكة. وقال "من الواضح أن الحجة الاقتصادية الأساسية التي يقودها القائمون على حملة دعم الخروج، وهي أن العجز التجاري البريطاني الضخم يُعَدّ سلاحا سرّيًا، لأن ما قد يخسره الاتحاد الأوروبي نتيجة لانهيار العلاقات التجارية أكثر مما قد تخسره بريطانيا، حُجة خاطئة بشكل قاطع.


ذلك أن بريطانيا سوف تضطر إلى التفاوض على الوصول إلى السوق الأوروبية المشتركة لتسويق صناعات الخدمات لديها، في حين سوف تتمتع الشركات المصنعة في الاتحاد الأوروبي تلقائيا بحقوق تكاد تكون غير محدودة لبيع ما ترغب في بيعه أيا كان في بريطانيا بموجب القواعد العالمية التي وضعتها منظمة التجارة العالمية".


وتاليا فإن بريطانيا سوف تكون بحاجة إلى اتفاق شركة مع الاتحاد الأوروبي على غرار الاتفاقات التي تم التفاوض عليها مع سويسرا أو النروج، الكيانين الاقتصاديين الكبيرين الوحيدين خارج الاتحاد الأوروبي. ومن منظور الاتحاد الأوروبي، فإن شروط أي اتفاق مع بريطانيا لا بد أن لا تقل صرامة عن تلك الواردة في اتفاقات الشركة القائمة. ذلك أن منح بريطانيا شروطًا أسهل من شأنه أن يفرض على الفور تنازلات مماثلة لسويسرا والنروج. والأمر الأكثر سوءًا هو أن أي امتياز خاص تحصل عليه بريطانيا، من شأنه أن يشكل سابقة، ويغري أعضاء آخرين تعوزهم الحماسة إلى التهديد بالخروج من الاتحاد الأوروبي والمطالبة بإعادة التفاوض. وفي نهاية المطاف، لن يُفضي خروج بريطانيا إلى عملية هدامة لإعادة التفاوض على العلاقات الاقتصادية فحسب؛ بل قد يؤدي أيضا إلى خسارة بريطانيا لسيادتها السياسية.


ومن شأن اي قرار يتخذه الشعب البريطاني لمغادرة الاتحاد الأوروبي أن يضع مسألة استقلال اسكوتلندا مرة أخرى على جدول الأعمال. والواقع أن كثيرين في اسكوتلندا ممن يدافعون عن الاستقلال سيجادلون من أجل أن تبقى عضوا في الاتحاد الأوروبي، وهو امتناع شعبي من المتوقع أن يؤدّي إلى التصويت لصالح الانفصال عن المملكة المتحدة.


وهكذا لن تكون إنكلترا فقط هي الخاسرة، لأن اسكوتلندا ربما تترك المملكة المتحدة وتعود إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، آخذة معها العديد من وظائف الخدمات في لندن إلى أدنبرة.


ومن غير المرجح أن يتوقف التقسيم عند هذا الحد. ما يمكن اي يحدث في اسكوتلندا يمكن أن تكون له تداعيات عبر ما تبقى من المملكة المتحدة المجزأة. على وجه الخصوص، فإن مغادرة بريطانيا العظمى الاتحاد الأوروبي وخروج اسكتلندا من المملكة المتحدة سيؤججان التوترات في إيرلندا الشمالية بين مؤيدي بريطانيا الاتحاديين والجمهوريين الذين يسعون للانضمام إلى إيرلندا.


وأخيرا، فإن قرار بريطانيا العظمى حول علاقتها مع الاتحاد الأوروبي لن يحدث في فراغ. حيث يمكن للتوقيت أن يكون أسوأ، وبالفعل تواجه أوروبا عاصفة من الصعوبات المالية ونموا اقتصاديا هزيلا وتدفق أعداد هائلة من المهاجرين واللاجئين وتجدد الطموحات الروسية. وكأن ذلك ليس كافيا، فهناك أزمة منطقة الشرق الأوسط والتغير المناخي والإرهاب، الذين يطرقون الأبواب.


ومن جهته حذر رئيس مجلس العلاقات الخارجية الاميركي ريتشارد هاس من ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدى إلى أي شيء آخر غير مملكة متحدة أكثر ضيقا وأقل تأثيرا. كذلك حذر من ان خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سيعزز النفوذ الألماني أكثر مما عليه الحال الآن. ولن تكون هذه الهيمنة الألمانية صحّية على المدى الطويل، لأنها ستؤجج الاستياء من ألمانيا. ومن المرجح أن يصير الاتحاد الأوروبي أقل استعدادا وقدرة على العمل ككيان على الساحة العالمية، وستكون النتيجة إضعاف أوروبا في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى اتحاد أوروبي أقوى.


ويضيف ان الأسوأ من ذلك أنه من المحتمل جدا أن الأميركيين الداعين لخفض دور الولايات المتحدة في العالم سيستعملون خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي كدليل آخر على أن الحلفاء التقليديين لم يتحملوا نصيبهم من المسؤولية، وأن الولايات المتحدة التي تواجه عجزًا متزايدًا واحتياجات محلية ضخمة لا ينبغي أن تعوض هذا الفارق. ودعا الى ان يأخذ البريطانيين في الاعتبار واقعا بسيطا: لقد ساعد مشروع التكامل الأوروبي الذي بدأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية على تحقيق الاستقرار والازدهار غير المسبوق لمعظم القارة منذ ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن من الزمان. ومن شأن القرار البريطاني برفع دعوى الطلاق إضافة الأدلة إلى القوى النابذة بالفعل. فالقومية والشعوبية في ارتفاع لأسباب اقتصادية واجتماعية، وستكتسب المزيد من الزخم، ومن الصعب أن يكون المرء واثقًا من النتيجة المريبة.


ويطرح احتمال انفصال بريطانيا اسئلة حول مواضيع اخرى ايضا: فهل يبقي حرس الحدود البريطاني قواته المتمركزة في فرنسا؟ وهل تقرّر فرنسا وقف تدابير المراقبة المفروضة من جانبها فتدع آلاف المهاجرين العالقين في مخيم كاليه في شمال فرنسا ينتقلون الى كنت في بريطانيا عبر نفق "يوروتانل"؟
اما بالنسبة الى عواقب الخروج من اوروبا في الحياة اليومية لمواطني الاتحاد المقيمين في بريطانيا، والذين سيعاملون مثل سائر الاجانب، فسيحتاجون الى تصاريح إقامة وتراخيص عمل. وتردّ دول الاتحاد الاوروبي بالمثل فتطبق القواعد ذاتها على المواطنين البريطانيين لديها. وعلى صعيد الامن والدفاع، فمن مصلحة الجميع مواصلة التعاون وتبادل المعلومات على الصعيد العسكري وفي مجال مكافحة الارهاب.


اتحاد اوروبي من غير بريطانيا يضمر نفوذه وازدهاره. ومن شأنه ان يحول هذه الدولة التي لا تزال في عداد الدول الخمس الكبرى الى مجرد شريك تجاري ثانوي لأميـركا. لا شك في ان الاستفتاء مغامرة بالغة الخطورة.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم