الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

شفافية الرقابة لإدارة العمليات البترولية

زاهي جبرائيل
A+ A-


سؤال يطرح: لمن تعود ملكية الثروة الهيدروكربونية بعد استكشافها وقبل استخراجها؟ ومن هو مالك هذه المُقدَرات على منصة البئر بعد الاستخراج؟ ومتى تنتقل الملكية الى الطرف الآخر؟ وأين؟
باستثناء الولايات المتحدة الأميركية ملكية الثروات الباطنية، ومنها الثروات البترولية، وهي لا تزال في أعماق الأرض تعود حصراً للدولة التي تراقب كافة النشاطات البترولية وتضبطها، وهي التي لها الحق في التدخل لرعاية مصالح العامة من مواطنيها، خصوصاً متى منحت التراخيص والامتيازات لطرفٍ ثان، أكان طبيعياً أو معنويًا.
بناءً على ما تقدم، لمالك الثروة البترولية احتمالين يسلكهما في استكشاف هذه الثروة واستخراجها:
أ - استخراجها بنفسه مباشرةً أو عبر شركته الوطنية حصرياً.
ب - اعتماد طرف ثانٍ متخصص بموجب القوانين الوطنية والنظام التعاقدي المُطبق. ومتى اعتمدنا هذا الاحتمال أمامنا خياران:
1 - نظام الامتياز: تمنح الدولة الطرف الثاني حقاً للاستكشاف، ومتى وُجد البترول بكمية تجارية تعود وتمنحه رخصة الاستخراج التي تُسمى امتيازاً. حامل الامتياز له الحق الحصري في أن يستخرج البترول في نطاق بقعةٍ مرسومة جغرافياً بدقة ولفترةٍ زمنية محددة. ويمنح الامتياز حامله الحق المطلق في التصرف بالمنتج المستخرج بالطريقة التي يراها مناسبة لمصالحه، لقاء موجبات ملزِمة تجاه مانح الامتياز، أي الدولة، فالدولة تحصل على مداخيلها من هذا القطاع على شكل ضرائب وجعالات يحددها القانون.
2 - نظام مشاركة الانتاج: بموجب هذا النظام لا يحمل صاحب العقد ترخيصاً يمنحه الحقوق البترولية، لأن العقد الموقع مع الدولة لا يمنح هذا؛ الدولة متى اعتمدت هذا النظام تعطي الحقوق البترولية للشركة الوطنية، وكافة العقود تكون مع هذه الشركة على أنها الممثل الحصري للدولة. أما المقاول فهو فقط المقدّمٌ الحصري للخدمات للدولة/ الشركة الوطنية ويتحمل المخاطر التقنية والمالية في الاستكشاف. متى وُجِدت الكميات الوافرة تجارياً من الموارد البترولية يصبح له الحق الحصري في تطوير هذه الموارد واستخراجها مقابل حصة مُتفق عليها من الانتاج.
اذاً، لادارة العمليات البترولية وضبطها بطريقةٍ صحيحة على الدولة اعتماد مقاربة من مقاربتين متعارضتين:
أ - المقاربة التشريعية: معتمدة في غالبية الدول الصناعية وبالغالب لنظام الامتيازات. في هذه المقاربة الاطار القانوني يكون مُحدّداً في أدق تفاصيله بتشريعات ومراسيم واضحة مفصلة دونما أي تمييز أو لبس. ومما يجب لحظه أن القوانين البترولية يجب أن توضع ليُعمل بها سنين طويلة دونما أي تعديلات، ما عدا التي تدعو اليها الحاجة الفائقة الضرورة.
ب - المقاربة التعاقدية: مُعتمدة في الدول النامية وغالباً لنظام مشاركة الانتاج. في هذه المقاربة العلاقة بين الدولة والشركات تتحددعلى أساس تعاقدي، وفي الغالب في نمطٍ تقريبي غير ثابت.
بالرجوع الى ما تقدم وبالتمحّص في قانون الموارد البترولية والمرسوم 10289 نرى أننا نتجه للمقاربة التعاقدية لنظامٍ في مشاركة الانتاج، ودونما أي شركة وطنية متخصصة. فالقانون المذكور في كثير من بنوده نرى عدم الوضوح مُنتقصة فيه التفاصيل الدقيقة تاركاً المجال للمطاطية في تفسيره. كذلك المرسوم 10289 فالكثير من فقراته، ولا مجال هنا لتعدادها، غير ثابتة التفسير، وبالتالي تُفسح المجال واسعاً لتفسيرها حسبما يريد المسؤول، مستبعدين بالمطلق أي طرف ثالث متخصص للرقابة وفرض الشفافية في تحديد المخاطر وضبطها بقوة القانون في كل العمليات البترولية والمستندات المتعلقة فيها.
لذلك ولكل ما تقدم، أليس من الضرورة أن تضع السلطة التشريعية الرقابية نظاماً صارماً مفصلاً لضبط شفافية الادارة في العمليات البترولية ومستنداتها، يرتكز عموده الفقري على الآتي:
أ - نظام داخلي يلامس التركيبة الاجتماعية للبلاد.
ب - نظام بحسب معايير المؤسسات العالمية للمواصفات والمقاييس.
كل هذا لن يضبط ثرواتنا الوطنية ما لم تُحسن السلطات الرقابية فرض تنفيذ القوانين بشفافية وصرامة دونما هوادة بالتعاون مع السلطات العدلية والتنفيذية؛ فأن نُشرّع قانوناَ أو نضع فقرات مرسوم لهو عمل ميكانيكي، أما أن نُحسن تطبيق هذه القوانين والمراسيم فهذا يحتاج الى ثقافة راقية من العدل والشفافية والنزاهة، وهي لا تأتي بين ليلةٍ وضحاها، وهنا التحدي أمام المجلس النيابي، وكافة السلطات في البلاد عموماً.


دراسات بترولية

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم