السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

احتيال من نوع آخر يطال اللبنانيين : ظهور هذا "الساحر" كان كارثياً

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
احتيال من نوع آخر يطال اللبنانيين : ظهور هذا "الساحر" كان كارثياً
احتيال من نوع آخر يطال اللبنانيين : ظهور هذا "الساحر" كان كارثياً
A+ A-

"السحرة يتحضّرون لبناء عرشهم في #لبنان ". على الأقلّ هذا ما تقوله الوقائع الحسيّة اليوم. إنّهم يتفشّون في مجتمعنا تفشّي الزرازير في نبتة الحقل، ويستغلّون أزماتٍ معيشيّة واجتماعية وأمنيّة تفتك بنا، فيفتكون بنا معها. قرونٌ طوت نفسها، شهد خلالها المشعوذون أقصى أنواع التعذيب في أقطار #العالم، بعد التطور الهائل في كل مجالات الحياة، والذي بات يستند الى المعارف والعلوم، لا الى الأسطورة. لكن بوصلة وطننا ضائعة. وكأنّنا ندخل في أتون تباشير انهيار حضارةٍ، يخفت ضوؤها على قرقعة طبول التبريج. صحيحٌ أن تأثير التبصير في نفوس شريحةٍ واسعة من اللبنانيين ينتشر كانتشار النار في الهشيم في ظلّ واقعٍ مجتمعيٍّ مرير، لكن على الناس أن يعوا يوماً أن همس المبرّج لا صدى له. لو أن أماني الناس تحقّقها تعويذات المشعوذين، لكان العالم قد سلّم نهايته منذ زمن، وكان البشر استغنوا عن القنابل والمدافع، واستخدموا السحر كي يفني بعضهم بعضاً. المثير للسخط، هو الدخول في خبايا أفكار الناس وتطلّعاتهم في مجتمعنا والتي تدفعهم الى تصديق الشعوذات واللجوء لها. ماذا يطلب اللبنانيون من المشعوذين حين يزورونهم؟ لا شكّ في أن الحبّ والمال والانتقام أولويّة مرجوّة. ساحر برّ الياس كان آخر الأمثلة.


جلب أحبّة وشفاءٌ عجيب وخرافاتٌ مشابهة
هو ساحرٌ ولاجئٌ في آن، يقطن في خيمةٍ في برّ الياس، ولا شكّ في أنه كان غريب الأطوار. اشتهر بسرعةٍ في المنطقة، وبدا كأنه رئيس عصابةٍ والرأس المدبّر لها قبل اعتقاله. كما أن نتائج ظهوره في المنطقة لم تكن بالحسبان، فبات كبطل أفلامٍ سورياليّة، شكّل حالةً مثيرةً للجدل، وبات يوهم الجميع أنه قادرٌ على جلب الحبيب وشفاء المرضى وفتح أبواب الرزق، ويستخدم تقنيّاتٍ غريبة كالبخور وحركات الإيماء وكتابة التعاويذ والنصوص المثيرة للاستفهام، ما يساهم في تعزيز حضوره المهنيّ وتقوّي موقعه كمنقذ وتفتح الابواب أكثر أمام تجارته الرابحة. وكانت المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي قد عمّمت الآتي "الحاقاً لبلاغنا السابق، المتعلق بتوقيف شخصين يقومان بأعمال نصب واحتيال وإيهام المواطنين بأنهما ومن خلال أعمال السحر قادران على شفائهم من المرض، وتمكينهم من إنجاب الأطفال، ومعالجة الحالات العاطفية بتاريخ 15/2/2016، تمكنت مفرزة زحلة القضائية في وحدة الشرطة القضائية، نتيجة للاستقصاءات والتحريات المكثفة من التوصل الى معرفة هوية الرأس المدبر لهذه الاعمال وتحديد مكان وجوده وتوقيفه في محلة بر الياس، ويدعى:- س. ن. (مواليد عام 1978، سوري) وبالتحقيق معه، اعترف بما نسب اليه".


وفي سياقٍ متّصل، يشير مصدر في قوى الأمن الداخلي لـ"النهار"، إلى أن "تحرّكنا جاء نتيجة شكاوى عدة قدّمت بحقّ المشعوذ مفادها أنّه يقوم بأعمال نصب ويسخر من المواطنين ويوهمهم بشعوذاته، كما تبيّن أن لديه اوراقاً مزوّرة". وفي سؤالٍ حول دور قوى الأمن في الحدّ من انتشار المشعوذين اليوم الذين باتوا يسوّقون لأنفسهم اعلاميّاً بسهولة يعتبر أن "هذه المسائل بحاجة إلى قانون يضع حدّاً لها، ونحن في قوى الأمن ليس لدينا خليّة متخصّصة لملاحقة المشعوذين أو مراقبة اعلاناتهم اعلاميّاً، بل لدينا ما يكفي من الجرائم التي نلاحقها في البلد، لذلك لا يمكن تحميلنا مسؤوليّة هذا الموضوع بل يجب ملاحقة المشكلة من جوهرها".


10 أولاد في خيمة
وفي اتصالٍ أجرته "النهار" مع زوجة المتّهم لمعرفة ملابسات الواقعة، أعربت الأخيرة عن الوضع المذري الذي تعيشه العائلة، إذ إنهم يقطنون في خيمةٍ صغيرة في البلدة هي وأولادها الـ 10، وإنهم ينتظرون المساعدات والتعاطف كي يؤمّنوا لقمة العيش، في حين أن أحد أولادها معوّق ووضعه الصحي أكثر من حرج، بيد أنها تمنّعت عن الدخول في تفاصيل عمل زوجها، وقالت: "نعيش الذلّ والقهر والفقر منذ ذلك اليوم الذي تهجّرنا فيه من بلدنا ولا أملك المزيد لأقوله". وفي سياقٍ متّصل، يعتبر الوكيل القانوني للمتّهم المحامي هشام حمد أن "كلّ ما في الأمر هو أن هذا الرجل يكتب "الحجابات" وأن الحديث مضخّم حوله وغير منطقي. هو لا يتقاضى المال مقابل أعماله، وكما سواه من البصّارين، يستخدم البخور لحلّ الأزمات العاطفيّة، ويساعد المرضى في الشفاء من خلال كتابة الحجابات". ويعتبر أنه "يعيش في خيمة ويعاني وعائلته فقراً مدقعاً. لم يسبق أن ادّعى عليه أحد، كل ما في الأمر أن القوى الأمنية اشتبهت بصديقه بعدما وجدت تعابير غريبة على هاتفه، فساقتهما الى العدالة". كما ينفي أن يكون للقضيّة أبعادٌ أمنيّة أو تهمٌ أبعد من حدود التبريج.


الأزمة المجتمعيّة اللبنانيّة غذاء المشعوذين
تشكّل الأدوات التي يستخدمها العرّافون سجالاً كبيراً في مجتمعنا، خصوصاً في حال ربطها بالأمور الدينيّة، على رغم أنها لا تمتّ للدين بصلة. وقد شكّل مصطلح "الحجابات" التي كان يحوكها العرّاف السوري في برّ الياس علامات استفهام حول فحواها. وفي هذا الإطار، يؤكّد الدكتور في علم النفس الإجتماعي هاشم الحسيني أن "الترويج للعقل الخرافي يحتاج الى ادوات مرتبطة بمعتقدات الناس، والتي لها علاقة بالغيب والأمور السحريّة كما يسمّى بالحجابات، حيث يصرّ المشعوذون على اعتبارها مأخوذة من الكتب الدينية المقدّسة، ما يقوّي موقفهم ويجعلهم يؤثّرون في نفوس الناس". ويضيف أن "هذه الاعتقادات هي عبارة عن أدوات للمشعوذين، لاستغلال سذاجة هؤلاء الناس وإيهامهم بأنهم قادرون على تلبية رغباتهم وأمنياتهم من طريق أدوات تتعلق بالخوارق والأعاجيب والمسائل التي تشكّل في الواقع عدّة العمل المرتبط بعمليّات النصب والاحتيال".


ويعزو السبب في رواج المشعوذين اليوم على الطرقات وفي كل المناطق اللبنانيّة الى "الأزمات الحادّة التي يعيشها #المواطن_اللبناني على المستوى المعيشي والأمني والقلق المصيري الذي يسيطر في النفوس، حيث إن المجتمع يبتعد عن العقلانيّة. ويرى أن المواطن هنا يحتاج الى برّ أمانٍ لا يجده سوى في أقاويل تسهّل عليه الحياة بشكلٍ وهميّ، في حين أن أهدافه الحقيقيّة مؤجّلة واقعيّاً، ما يتيح أمامه نموذج الخوارق كحلٍّ وحيد بالنسبة اليه".


لا فرق بين مخادعٍ مسكين ومخادعٍ شرّير. لو أن ثمة في قصّة ساحر مخيّم برّ الياس الغريب الأطوار تفصيلٌ يشفع له، لكان حتماً نداء استغاثة زوجته الجائعة وأولاده العشرة التائهين بين صقيع الغربة وجحيم المستقبل المجهول. كان عليه أن يعلم أنه، وعلى رغم استباحة العرّافين لمفاصل #المجتمع_اللبناني الحياتيّة، بيد أن سيّئ الطالع، لا تشملهم فرضيّة عامّة دائماً. لعلّه اليوم يمارس طقوس فكّ دهاليز ذلك الحظّ المقيت الذي رافقه وقضى على عمله، من وراء الزنزانة. لكنّ ذلك الأمر لن يشفع فيه، سوى بإضفاء جوٍّ من التسلية على يوميّاته. الّا أن اشكاليّة وحيدة يمكنه طرحها، تعطيه أحقيّةً في ما يقول: "لماذا أنا وحدي قابعٌ في السجن... وزملائي المشعوذون يغدون نجوماً؟".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم