الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

دولة "الفاليه باركينغ"...

المصدر: "النهار"
وليد حسين-صحافي
دولة "الفاليه باركينغ"...
دولة "الفاليه باركينغ"...
A+ A-

يبدو أن إدارة الدولة في #لبنان تسير وفقاً للمأثور الشعبي "المال السائب يعلّم الناس الحرام". وما الاحتلال الفاضح لمواقف السيارات العامة من شركات "الفاليه باركينغ" إلا دليل على هذا الأمر. فتخلي الدولة عن مسؤولياتها في فرض القوانين، وتشريع أملاكها لقمة سائغة للمتمولين، حديا بهؤلاء إلى احتلال المرافق العامة ودرّ المنافع منها. وهذه حال شركات "الفاليه باركينغ" التي نبتت مثل الفطريات في كل المدن اللبنانية. فمواقف السيارات العامة والمجانية للمواطنين في ساعات الليل باتت اليوم تحت سطوة تلك الشركات ومصدراً للانتفاع على حساب المواطن. وإذا كانت هناك من صفة تطلق على هذه الظاهرة، فهي نهب واضح وفاضح للأملاك العامة وتحت أعين القوى الأمنية اللبنانية، "وعلى عينك يا تاجر". إنها سرقة موصوفة للمساحات العامة وصلت إلى حدود غير مسبوقة، إذ يكاد المرء لا يعثر على شارع واحد من شوارع المدن الرئيسة في البلد غير محتل من تلك الشركات. ومن تسوّل له نفسه معارضة عاملي تلك الشركات وركن سيارته بالقوة من غير دفع مقابل، عليه تحمل مسؤولية الضرر الذي سيلحقه مجهول ربما بسيارته، لا يقارن بقيمة الستة أو العشرة آلاف ليرة لبنانية التي ينقدها لعمال "الباركينغ! والحال، بات المواطن مغلوباً على أمره في دولة "الفاليه باركينغ" ويجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما دفع البدل المالي أي"الخوة"، أو قضاء الليل بكامله باحثاً عن موقف غير شاغر لسيارته في ظل الازدياد المستمر لعدد السيارات.


ويصحّ في عاملي تلك الشركات وَصف الميليشيات "الباراميليتارية" أو الشبه المسلحة. هم يعملون بشكل منظّم أشبه بعصابات المافيا في الجنوب الإيطالي. فإذا كانت المافيا الإيطالية تفرض الخوات "Pizzo" بحجة حماية مصالح المواطنين وإبعاد الضرر عنهم، فمافيات "الفاليه باركينغ" عندنا يسيرون على نفس الخطى تحت مسمى تقديم "خدمات" لركن السيارات!


وحال "الفاليه باركينغ" عامة، نقع عليها في ادارات الدولة تحت مظاهر مختلفة ضمن خانة الوسطاء والسماسرة، كما هو حاصل في إدارات السير والدوائر العقارية، على سبيل المثال لا الحصر. أما الفلتان الأمني وانتشار السلاح والعصابات المجرمة فحدث ولا حرج. وليس ثمة من حاجة إلى تكرار معزوفة فساد الإدارة في لبنان ولا الاستشهاد بالمراجع الدولية ومؤسساتها بالنسبة إلى سمعة لبنان العالمية، فما يعيشه المواطن يومياً أبلغ دليل على حالته المستعصية، حيث باتت ملفات الفساد جزءاً من منظومة إدارة الدولة،ما يجعل مجرد تخيّل التخلص منها "أضغاث أحلام".


ربما يستغرب المرء عدم التدخل السويع لـ"وزارة الداخلية والبلديات" من أجل وضع حد لمهزلة شركات "الفاليه باركينغ". وهذا أمر محق. فبقاء الحال على ما هو عليه حالياً سيفاقم الأمور أكثر في المستقبل القريب وربما يأتي اليوم الذي يضطر فيه المواطن إلى دفع بدل مالي لتلك الشركات لركن سيارته في مواقف العمارة خاصته. لكن ماذا عن مسؤولية المواطن في هذا الشأن، لا سيما أن جميع الأمور في الدولة باتت تسير وفقاً لمنطق "الـvalet"؟ الكسل اليومي الذي وصل إليه المواطن حد تكليف من يركن عنه سيارته يسري منذ زمن على العديد من الأمور، إسوةً بتكليف "الوسطاء" تسيير شؤونه اليومية... وحتى السياسية. ثم يدهش المواطن لمستويات الفساد التي يعيش في كنفها!


لكن هذا الواقع لا يقلل من عجز وزارة الداخلية لجهة التدخل من أجل وقف انتهاكات تلك الشركات. والعجز يسري على بقية الوزرات المعطلة بشكل تام مثلها مثل إدارات الدولة، باستثناء نشاط عناصر "الفاليه باركينغ" أمام مبانيها والسماسرة في داخلها. فهذه الشركات تكاد تكون من "المؤسسات" الوحيدة الفاعلة في دولتنا! لذا حريٌّ بأهل الدولة التخلي عن المساحات العامة وخصخصتها، إذ ربما تستطيع تحصيل بعض الأموال لسد عجز الميزانية العامة... وعجزها في ملاحقة منتهكي القوانين. فويل لأمة تكثر فيها السماسرة وشركات "الـVIP " وتضعف فيها سلطة الدولة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم