الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ليبيا: السماء لأميركا... الأرض لـ "داعش"!

المصدر: "النهار"
امين قمورية
ليبيا: السماء لأميركا... الأرض لـ "داعش"!
ليبيا: السماء لأميركا... الأرض لـ "داعش"!
A+ A-

هل تشكل الغارات الاميركية على مواقع تنظيم #داعش في مدينة سبراتة على الحدود الليبية التونسية امس اشارة الانطلاق لتدخل عسكري جديد في #ليبيا؟ وهل يعيد مثل هذا التدخل الاستقرار الى هذا البلد المنكوب بالفوضى والسلاح ام انها ستجعل منه عراق جديدًا او سوريا جديدة؟


جاءت الغارات بعد ايام قليلة من طلب الرئيس باراك أوباما من البنتاغون تخصيص اعتماد مالي بـ 200 مليون دولار لتمويل العملية العسكرية المرتقبة لفتح جبهة ثالثة جديدة ضد "داعش" في ليبيا بعد سوريا والعراق. ورأى مراقبون في هذه الخطوة ان البيت الابيض اقترب من حسم قرار التدخل في ليبيا، وهذا ما كان فعلا امس.


ويعود اتجاه الإدارة الحالية للبيت الأبيض، بإقرار التدخل أشهرًا قبيل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الى أسباب عدة، ودوافع أهمها تراجع الموقف الأميركي في سوريا والعراق أمام تقدم الموقف الروسي خصوصا في سوريا، وتصاعد الانتقادات الموجهة إلى الرئيس وحزبه من مرشّحي غريمه الحزب الجمهوري بسبب السياسات الفاشلة في الشرق الأوسط.


ولا يوجد شك في أن ليبيا توفر لـ "داعش" قاعدة ثانية بعد سوريا، وهو الأمر الذي كان يبحث عنه التنظيم منذ عام 2014 من خلال إرسال "مبعوثين" له سرًّا للاتصال بعناصر جهادية شرق البلاد. وتعجّ ليبيا اليوم بأسلحة فعالة وهناك أماكن كثيرة لتدريب المتشدّدين على شنّ هجمات مستقبلية ولا يوجد إمكان يذكر لعرقلة مثل هذه الجهود من جانب أيّ سلطة مركزية لأنه لا توجد مثل هذه السلطة من الأساس.


ومعلوم ان تنظيم "داعش" فرض على كامل مدينة سرت الليبية‏، وتمدد على أكثر من‏ 300‏ كيلومتر على الساحل نحو الجنوب‏، ‏حيث يوجد أكبر حقول النفط. كذلك فانه يولي اهتماما كبيرا بمسألة قرب ليبيا من جنوب أوروبا، على عكس الموصل والرقة.
ويثير هذا الامر القلق لدى أجهزة الامن الغربية من أن تعزيز التنظيم وجوده في ليبيا يمكن أن يمثل نقطة انطلاق ثانية بعد سوريا لشن هجمات على دول أوروبا. كما ان هذا الجيب الداعشي الجديد حول سرت من شأنه ان يوفر ملاذا آمنا يمكن للجهاديين أن يتدرّبوا فيه ويموّلوا ويخطّطوا لشنّ هجمات عبر منطقة البحر المتوسط.
ورفعت واشنطن تقديراتها لأعداد المتشدّدين الأجانب في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى ما بين أربعة آلاف وستة آلاف شخص. وتعتقد أن هناك أعدادا كبيرة من الأشخاص يجري تجنيدهم من دول أفريقية جنوب ليبيا عبر إغراءات مادية.


وفعلاً تمكن التنظيم الإرهابي في ليبيا، من استقطاب المزيد من الانصار للانضمام إلى صفوفه، تمهيدًا لمخطط السيطرة الكامل على ليبيا، وهو ما أكده زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، من خلال إرساله أبرز قادة التنظيم أبو سفيان الغزالي لتنفيذ مخطط للسيطرة على ليبيا.
وتفيد الانباء الواردة من ليبيا أن التنظيم، بدأ في إغراء الشباب الليبي عمومًا والافريقي خصوصا، بالحصول على رواتب عالية حال انضمامهم إلى صفوفه، ووصل عرض التنظيم الإرهابي للشاب الواحد إلى 2000 دينار ليبي شهريًا، وهو ما يوازي تقريبا 1700 دولار أميركي، وهو مبلغ كبير للغاية بالمقارنة بالمرتبات الحالية في ليبيا.
ومن شأن ذلك ان يؤكد الأنباء التي تفيد باستيلاء "داعش" على مبالغ مادية كبرى بعد استيطانه في ليبيا، وأبرزها استيلاؤه على 50 مليون دينار ليبي من بعض البنوك في سرت، الأمر الذي تسبّب في انتعاشة مالية كبرى داخل التنظيم.
ومع سريان الانباء عن بدء الغارات الغربية لجأ التنظيم الى سلوكه المعتاد في عملية اعادة الانتشار في مناطق نفوذه، وفق اسلوب "التشكيلات الصغيرة في مناطق نائية وواسعة" بغرض تشتيت الضربات عليها وتفادي سقوط خسائر كبيرة في صفوفها.
ويؤكّد جيش النيجر أن قواته قد رصدت دخولا لعناصر "داعش" عبر الحدود الشمالية مع ليبيا في اتجاه الأراضي النيجر، والشيء ذاته يحدث في تشاد المجاورة.


ولعل هذه المعلومات الاستخباراتية التي تناقلتها وسائل إعلام عدة، تعزّز وجهة النظر القائلة إن التجربة في العراق وسوريا ستتكرر في ليبيا، في ظل تذبذب دولي حول ضربة عسكرية وقائية، لا سيما وأن طبيعة المجتمع الليبي تعتبر مثالية لتغلغل هذه الجماعات والنمو فيها، فهي طبيعة قبلية وعشائرية يمكن للمقاتلين أن يذوبوا فيها وأن يكونوا شبكات للتعامل معها، وذلك عبر أبناء القبائل والعشائر من الذين انتموا إلى صفوف التنظيم الإسلامي المسلح.
تحول بعض الكتائب المسلحة التابعة لتنظيم داعش في ليبيا إلى جنوب البلاد ثم إلى خارجها ينبئ بمزيد اشتعال المنطقة من الناحية الأمنية، وهو ليس مؤشرا جيدا حسب قول بعض الخبراء.


ويبقى السؤال: ماذا يمكن أن تنجز الولايات المتحدة وحلفائها ويفعلوه مع بدء التدخل العسكري في ليبيا وبعده ؟
يرى خبراء عسكريون أنه وباعتبار التزام أوباما بعدم دخول حرب مثلما وقع في أفغانستان والعراق، فإن أوباما هذه المرة سوف يكتفي ضمن الائتلاف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" بالقصف الجوي وعمليات نوعية على الأرض بمساعدة حلفاء التدخل من الأطراف الليبية المسلحة. عمليات قد يكون الهدف منها رأس قادة الدواعش في ليبيا فذلك يكفي ويزيد بالنسبة الى الرئيس أوباما لحفظ ماء الوجه ويساهم في رفع أسهم المرشح الديموقراطي خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن الخبيرة في الشؤون الأمنية بمنطقة الساحل لورنس أيدا أمور، حذرت امام مؤتمر الساحل الذي عقد في دكار، من إن الضربات الجوية ستحدث "تأثير الزئبق" إذ ستدفع مقاتلي التنظيم إلى التفرّق في مختلف الاتجاهات منها صوب الجنوب، مثل كريات صغيرة من الزئبق.


من هنا فان الدول المحاذية لليبيا ولا سيما الجزائر التي عانت من خطر المجموعات الجهادية هي الاكثر خشية من تكرار الاسلوب الاميركي نفسه في مواجهة "داعش" بالعراق في ليبيا. ويعدّد الباحث في العلاقات الدولية الدكتور منصور قديدير، اسباب تفضيل الجزائر للحل السياسي في ليبيا، ومنها "صعوبة حراسة آلاف الكيلومترات من الرمال، إلى جانب وجود جماعات إرهابية تنشط داخل البلد، والوضع السياسي الداخلي يجعل الجزائر في وضع هش على أكثر من صعيد"، وكذلك أنه "في حالة تدخل عسكري فإن الدور الأساسي سيرجع للقوى الدولية الكبرى وأن الجزائر سيكون لها دور ثانوي، وهي تدرك أنها ستحمل تبعات ما بعد التدخل". ومن الأسباب أيضا، "خوف الجزائر من أن تكون هناك تبعات للتدخل على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والسياسي، فهي غير قادرة على مواجهة كل هذه التبعات لأنها سترهن بذلك اقتصادها وتعرض نفسها لهزات أمنية خطيرة". ويضيف، "الجزائر مضطرة إلى حماية حدودها من تسرب المجموعات الإرهابية لترابها، وإلا سيحدث تدخل لقوات أجنبية لملاحقة الارهابين في مناطقها ايضا".
لذا فان جيران ليبيا يفضلون مقاربة تقوم اساسا على تشجيع الليبيين على التسوية السياسية التي من شأنها ان تسد الثغرات التي تتسرب منها الى ليبيا، ولأن معظم التدخلات العسكرية الدولية افرزت نتائج كانت دوما سلبية على غرار العراق وسوريا ومالي وغيرها.


ولهذا، فان هذه الدول حريصة على إقناع القوى الدولية بتشجيع الليبيين على ملء الفراغ والإسراع في تشكيل القوى الأمنية ودمج كل الأطراف المسلحة المعترف بها دوليا وتجنيد الجميع من اجل محاربة "داعش" والمجموعات الإرهابية.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم