الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كنوز بحر الصين الجنوبي... تستدرج الحرب

المصدر: "النهار"
امين قمورية
كنوز بحر الصين الجنوبي... تستدرج الحرب
كنوز بحر الصين الجنوبي... تستدرج الحرب
A+ A-

في غمرة الانهماك الدولي بالاحداث الجارية على شواطىء البحر الابيض المتوسط، لا سيما منها الصراع في #سوريا والصراع في ليبيا، كذلك على شواطىء بحر العرب، خصوصا في اليمن، تدور في المقلب الآخر من الكرة الارضية، وعلى شواطئ بحر آخر كبير ومهم، هو بحر الصين الجنوبي، رحى حرب باردة قد لا تكون ارتداداتها وتداعياتها الاستراتيجية اقل خطورة على العلاقات الدولية والاستقرار العالمي من تلك الجارية في منطقتنا وإقليمنا وبحارنا.


يكاد لا يمر يوم واحد من دون تبادل الاتهامات وحدوث توترات، من جهة بين بيجينغ وبين مجموعة من الدول التي تشاركها التشاطؤ على هذا البحر، ومن جهة اخرى، بين بيجينغ وواشنطن المتهمة بتذكية الخلافات بين الصين وجيرانها، لإشغال القوة الاقتصادية الثانية في العالم عن اهتماماتها التنموية وزجّها في أتون صراعات مكلفة.


آخر هذه التوترات كانت في اليومين الماضيين بعد تأكيد كل من واشنطن وتايوان نشر الصين صواريخ ارض- جو وانظمة رادار في جزيرة وودي أو يونغ شينغ التي تتنازع على سيادتها كل من بيجينغ وتايبه، واتهام قائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادي الاميرال هاري هاريس الصين بالعمل على "عسكرة بحر الصين الجنوبي".


ومنذ قرون، تتنازع الدول المطلة على بحر الصيني الجنوبي على السيادة، ولكن التوتر تصاعد في السنوات الأخيرة. وتدّعي السيادة على جزره كاملة أو بعضها كل من تايوان والصين وفيتنام والفيليبين وماليزيا وبروناي. وعزّزت الصين وجودها ببناء الجزر والدوريات البحرية، ولكن الولايات المتحدة تعترض على التضييق على حرية الملاحة، وادّعاء السيادة غير القانونية من جميع الأطراف، ولكن الكثيرين يرون أن هذا الاعتراض موجّه للصين.


ويربط بحر الصين الجنوبي العالم البحري للشرق الاقصى بمنطقة شبه القارة الهندية. هو بحر متجزّئ من المحيط الهادي ويمتد من سنغافورة ومضيق ملقة إلى مضيق تايوان. وتبلغ مساحته ثلاثة ملايين ونصف كيلومتر مربع. ويساوي النفط الآتي من المحيط الهندي عبر مضيق ملقه باتجاه شرق آسيا مرورًا ببحر الصين الجنوبي حوالي ثلاثة أضعاف الكمية التي تعبر قناة السويس، ونحو 15 مرة مقارنة بالكمية التي تعبر قناة باناما. أضف إلى ذلك أن نحو ثلثي إمدادات الطاقة لكوريا الجنوبية و60 في المئة لليابان و80 في المئة لتايوان تأتي عبره.


والى مركزية الموقع الذي يتمتع به، يحتوي بحر الصين الجنوبي على نحو 7 مليارات برميل نفط كاحتياطي مؤكد، إلى نحو 900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما يعتقد الصينيون أن باطنه يحتوي على كميات من النفط تفوق أي منطقة في العالم ماعدا السعودية. عدا عن الثروة السمكية الهائلة الموجودة فيه والقادرة وحدها على اشباع مئات الملايين الذين يعيشون حوله.


تطالب الصين بالسيادة على معظم بحر الصين الجنوبي الذي تمرّ عبره تجارة بحرية يبلغ حجمها خمسة تريليونات دولار سنويا. وتطالب بروناي وماليزيا والفيليبين وفيتنام وتايوان أيضا بالسيادة على مناطق بالبحر. تدّعي الصين وتايوان بأن الواجهة البحرية بأكملها تتبع لهما. بينما تتنازع الصين مع تايوان وإندونيسيا حول المياه شمال شرق جزر ناتونا. وتتنازع مع الفيليبين، وتايوان تتنازع حول الشعاب "سكاربورو شول"، وتختلف مع فيتنام وتايوان حول المياه الواقعة غرب جزر سبارتلي وملكية جزر باراسيل، كما تتنازع مع فيتنام وتايوان وبروناي وماليزيا والفيليبين حول ملكية جزر اخرى. وتختلف ماليزيا وكمبوديا وتايلاند وفيتنام حول مناطق في خليج تايلاند، وسنغافورة وماليزيا على طول مضيق جوهور ومضيق سنغافورة.


واسم "بحر الصين الجنوبي" متداول بالإنكليزية بشكل واسع، ويدل على المعنى ذاته باللغات الأوروبية، لكن بالنسبة للدول المطلّة عليه فإن التسمية تختلف في دلالة على النزاع القديم لفرض السيطرة على هذا البحر. الفيليبين مثلا أسمت الجزء التابع لمياهها ببحر "لوزون"، لكن بعد نزاع حاد حول الجزر الواقعة في مياه البحر عام 2011 بدأت وكالات الانباء التابعة للحكومة الفيلبينية باستخدام اسم "بحر الفيليبين الغربي".


أما الولايات المتحدة فتطالب بشكل روتيني كل هذه الدول بوقف عمليات البناء في الجزر، ولكنها تتهم الصين بتنفيذ عمليات على مستوى يفوق بكثير أي دولة أخرى .وسعـت إلى الوجود الكثيف في منطقة بحر الصين الجنوبي الذي يُعـد من أكبر بحار العالم بعد البحر المتوسط، وأكثرها كثافةً وزخمًا بحركة السفـن التجارية العـملاقة.


كل هذه الاسباب جعلت هذا البحر بُؤرة من بؤر التوتر الساخنة في العالم، خصوصًا بعدما تحوّلت الصين الى قوة اقتصادية عملاقة والمستثمر الرئيسي فى دول جنوب شرق آسيا وأفريقيا، وبعدما صارت تكتلاً سياسيا واقتصاديا وعـسكريا قائما بذاته، ينافس التكتلات الدولية الأخرى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والهند والآسيان).


وتتهم الصين الولايات المتحدة بالعمل على الحدّ من انطلاقتها خارج أراضيها حتى تُحافظ على تفوّقها والاحتفاظ بهيمنتها العالمية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، فتعمد الى حبس الصين بالسيطرة على بحر الصين الشرقي والأهم على بحر الصين الجنوبي، الذي صار يُعتبر المسرح الرئيسي للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، بل ربما يكون هو مسرح الصراع المقبل بينهما، لا سيما بعدما أعادت الصين هيكلة قوتها العسكرية، وبنت قوة بحرية متفوقة قادرة ليس فقط على حماية مياهها الإقليمية واللصيقة ومنطقتها الاقتصادية الخالصة، بل أيضا على صيانة مصالحها الحيوية التى أصبحت منتشرة فى جميع أنحاء العالم.
ولإحكام الحد من انطلاق الصين إلى الخارج تحالفت الولايات المتحدة مع معظم الدول المطلة على البحر، وغذّت الخلافات والتوتّرات في وجه الصين، لتجعل هذه الدول بحاجة إليها، فتخيفها من تفوّق الصين ومن تداعيات التوتر مع كوريا الشمالية. وتحالفت خصوصًا مع الدول التي تتحكّم بمفتاح بحر الصين الجنوبي اي بمضيق ملقه الواقع بين جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة بأندونيسيا، وأجرت معها تدريبات مشتركة تتعلق بالسيطرة على المضيق الذى يُعـتبر المنفذ الوحيد للصين إلى المحيط الهندي ومن ثم إلى بحار ومحيطات العالم، كما شجعت حلفائها الجدد لا سيما فيتنام والفيليبين على احتلال أكبر عدد من الجزر المتناثرة فى أرجائه حتى تلك التى لا تزيد مساحتها عن بضعة كيلومترات.


وهكذا صار هذا المضيق جزءًا من استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين، ويبلغ طول المضيق نحو 800 كيلومتر، ويتراوح عـرضه من 50 إلى 320 كيلومترا، ويزيد من أهميته الجيوستراتيجية أنه يُعـتبر الممر الرئيسى لتزويد الصين واليابان وجميع الدول المطلة عليه بالنفـط، وتتعـاظم أهميته الجيوستراتيجية باستمرار ما دام مرتبطًا ارتباطًا مباشرًا بنمو المقـدرة السياسية والاقتصادية والعـسكرية للصين والمقـدرة الاقتصادية لليابان، إلى أنه يتحكم بصورة مباشرة فى الأوضاع الإستراتيجية لتكتلات شرق آسيا التى تُعـتبر من أهم التكتلات الاقتصادية العـملاقـة فى العالم، كما تطل عليه دول من أكثر دول العالم كثافة سكانية (الصين والهند وأندونيسيا إلى جانب اليابان التي تعـبر من خلاله صادراتها ووارداتها).


كل ذلك يجري لإبقاء الصين في حالة توجّس من اندلاع حرب فعلية لا تريدها، فتجعلها في حالة اللاحرب واللاسلم اي عدم الاستقرار، لكن هـل يمكن لوطـن الكتل البشرية الضخمة ذات القوميات الكثيرة المنصهرة فى بوتقة حضارية عريقة، وصاحبـة أكـبـر قـوة عـسكريـة فى الـعالـم بعـد الولايات المتحدة، ان تكون دولة حبيسة؟


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم